هل أصبحت “حماس” حاضرة بشخصياتها المهمة في النظام السياسيّ
في ظل النضج الذي وصلت إليه حركة المقاومة الإسلاميّة في فلسطين “حماس” بفعل التجارب الصعبة والقاسية التي خاضتها على جميع الأصعدة الاقتصاديّة والمؤسساتيّة والسياسيّة والعسكريّة، على كل المستويات الداخليّة والصهيونيّة والعربيّة والدوليّة، أعلنت الحركة عبر لجنة الانتخابات المركزيّة مؤخراً، أنّ رئيس مكتبها السياسيّ، إسماعيل هنية، ونائبه صالح العاروري، قد أٌعيد انتخابهما، لدورة جديدة تستمر حتى عام 2025، وهما من أبرز الشخصيات الفلسطينيّة المؤثرة، والتي تعرف بأدائها المميز ودورها المهم في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينيّ.
تفوقٌ سياسيّ
عقب انتهاء كل مراحل العملية الانتخابية الداخليّة في جميع الأقاليم الاثنين الماضي، تشكل المكتب السياسيّ برئاسة هنية، الذي تولى رئاسة وزراء الحكومة الفلسطينية العاشرة، وشغل المنصب بعد فوز حركة المقاومة بأغلبية مطلقة في انتخابات المجلس التشريعيّ الفلسطيني عام 2006، ثم أقاله رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم حركة “فتح” محمود عباس، في 14 حزيران عام 2007 في خطوة مثيرة للجدل، بعد أحداث الحسم العسكريّ في المدة ذاتها.
ومن المعروف أنّ هنية هو صاحب مقولة «لن نعترف، لن نعترف، لن نعترف بالكيان الصهيونيّ» وقد تسلم المكتب السياسيّ للحركة في ظل ظروف استثنائيّة وخطيرة واجهتها القضيّة الفلسطينيّة ومازلت، والمتمثلة بـ “صفقة القرن” الرامية إلى تصفيّة أهم قضيّة عربيّة وإسلاميّة، والتطبيع الذي شكل طعنة في ظهر هذا البلد، إضافة لمخططات الاستيطان والضم التي لا تتوقف عن قضم ونهب أراضي الفلسطينيين، وكذلك الحصار والإجرام الإسرائيليّ الممنهج بحق أصحاب الأرض والمقدسات، حيث نجح إلى حد كبير في مواجهة تلك العقبات الكبيرة، وفي الدفاع عن القضيّة الفلسطينيّة في زمن كثر فيه الخانعون والخائنون.
أيضاً، برز دور إسماعيل هنية خلال سنوات توليه المنصب السياسيّ في الحركة وبالأخص عقب الحرب الأخيرة التي شنّتها الآلة العسكريّة للكيان الصهيونيّ على قطاع غزة المحاصر، والتي تركت تل أبيب في صدمة من نتائجها على مختلف المستويات بعد الرد الحازم للفصائل الفلسطينيّة، ليعيد التأكيد على أنّ “الأمة الفلسطينيّة دخلت معركة تحرير الأرض ومقدساتها واستعادة حقوقها في جميع أنحاء هذه الأرض وخاصة القدس الشريف”، رغم سيل الضغوطات والمخططات التي تستهدف فلسطين وشعبها.
واستمر الأداء الجيد لرئيس المكتب السياسيّ في حماس منذ عام 2017 رغم تصاعد نبرة التهديد الصهيونيّة لسنوات للتخفيف من حجم الهزائم، وكان واعيّاً بشدة للمشروع الصهيونيّ خاصة قبل وأثناء وبعد هزيمة العدو في معركة “سيف القدس”، حيث حاول تقليل الانهيار الكبير بعد انتصار المقاومة، التي اعتبرها الصهاينة أنفسهم نصراً كبيراً للمقاومة الفلسطينيّة، على الرغم من محاولة إخفاء ذلك من بعض المسؤولين، حيث حمل الانتصار رسائل تحدٍّ كبيرة، بالأخص في العاصمة الفلسطينيّة المحتلة، لردع عمليات اقتحام المسجد المبارك من قبل الصهاينة المتشددين، وصدّ محاولات سلب منازل الفلسطينيين.
كما أنّ إسماعيل هنية برهن للقاصي والداني أنّ فصائل المقاومة الفلسطينيّة لا تقبل محاولة فرض أيّ معادلات جديدة من قِبَل الاحتلال على الفلسطينيين، وخاصة في ظل محاولة العدو القاتل فرض معادلة جديدة بشأن العديد من الملفات، وقد حذر الكيان الصهيوني من أي اعتداء على المسجد الأقصى والأماكن المقدسة بالقدس، مشيرًا إلى أن “حماس ملتزمة بالعهد الذي قطعته مع القدس وأهلها وتواصل الدفاع عنها”، بالتزامن مع ما يقوم به العدو من عمليات التهجير الجماعيّ بحق الفلسطينيين والاستيلاء على منازلهم، في استهداف علنيّ للهوية الفلسطينيّة المقدسيّة وللوجود الفلسطينيّ.
وبما أن “حماس” وقائدها السياسيّ يدركون جيداً أنّ سلطات العدو التي تمنع أصحاب الأرض والمقدسات من ممارسة شعائرهم في عاصمة بلادهم، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق حلم الصهاينة بأن تكون القدس عاصمة لمستوطنيهم وكيان احتلالهم، وتحاصر أبناء غزة وتمنع عنهم أبسط مقومات الحياة بل ترتكب مجازر جماعيّة بحقهم، فإنّ هنية عبر مراراً عن وقوفه إلى جانب أهالي غزة وألزم نفسه وحركته بوعد كسر الحصار وإعادة بناء الخراب في هذه المنطقة، مشدداً على أنّه لن يسمح للعدو الصهيوني باستغلال قضية تبادل الأسرى، خاصة أن إطلاق سراح أولئك الأسرى من سجون الاحتلال الغاصب أصبح يخضع لـ “صفقة تبادل” أكثر منه استجابة مطلبية لواقعهم الصعب.
يُذكر أنّ لجنة الانتخابات التابعة للحركة ثمنت الروح العالية التي تحلى بها أبناء “حماس” الذين شاركوا في هذه العملية الانتخابيّة في كل الأقاليم، والتي شارك فيها عشرات الآلاف في جو من الأخوة والالتزام والتنافس الشريف وفق النظم واللوائح المقرة، وسبق أن انتخبت حماس كلاً من: خالد مشعل رئيساً لإقليم الخارج في إبريل/ نيسان المنصرم، وصالح العاروري رئيساً لإقليم الضفة الغربيّة في يوليو/ تموز (إضافة لشغله منصب نائب رئيس المكتب السياسيّ)، ويحيى السنوار رئيساً لإقليم قطاع غزة المحاصر في مارس/ آذار، حيث تجري تلك الانتخابات الداخلية كل 4 سنوات، في ظروف مُحاطة بالسريّة، نظراً لاعتبارات تتعلق بالاستهدافات الأمنيّة من قبل العدو الباغي، لأنّ تل أبيب والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبيّ يصنفون حركة حماس على أنّها “إرهابية” ويستهدفونها وقادتها بعقوبات وقوانين عدوانية بشكل دائم، كما أدرجت الإدارة الأمريكيّة اسم هنية على لائحة الإرهابيين عام 2018.
انتصار جديد
ضجة كبيرة أثارها نجاح نائب رئيس المكتب السياسيّ في حركة حماس، صالح العاروري، في الانتخابات الأخيرة، وخاصة عقب نجاحه في الانتخابات الداخليّة للحركة لمنصب زعيم حماس في الضفة الغربيّة، حيثُ فسر حينها انتخاب العاروري للمنصب من قبل محللين إسرائيليين وعرب على أنّه انتصار لمحور المقاومة فيما قالت مؤسسة فكريّة إسرائيليّة إنّ انتخاب العاروري يعكس تنامي شعبية إيران في الضفة الغربية، واعتبر مركز الفكر الإسرائيليّ المختص في دراسة القضايا الأمنيّة والاستراتيجيّة والدبلوماسيّة وقتها، أنّ سبب انتخاب صلاح العاروري زعيما لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس في الضفة الغربية يزيد من قوة الجمهوريّة الإسلاميّة وشعبيتها في الضفة الغربيّة، وبالتالي زاد هذا الأمر بعد انتخابه لمنصب نائب رئيس الحركة.
وإنّ النجاح السياسيّ للقياديّ البارز، صالح العاروري، أدى بالتأكيد لانتخابه لهذا المنصب، وهو انتصار آخر لمحور “حماس” الموالي للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بقيادة إسماعيل هنية الذي تغلب على المحور المحسوب على جماعة “الإخوان المسلمين” بقيادة خالد مشعل والمدعوم من قطر وتركيا، وشارك صالح العاروري العام المنصرم كممثل عن حماس في محادثات إسطنبول التي اتفق فيها مع ممثل حركة “فتح”، جبريل الرجوب، على عملية الانتخابات البرلمانيّة والرئاسيّة، وهي عملية أحبطها الرئيس عباس، عقب تزايد التوقعات الإسرائيليّة التي تحدثت أنّ حماس هي المنتصرة في تلك الانتخابات.
ومن الجدير بالذكر أنّ العاروري يُعد من أهم الشخصيات في حماس كما إسماعيل هنية، ويحيى السنوار، ومحمد ضيف، وروحي مشتهى، وفتحي حماد، و أحمد الغندور، المدرجين على قائمة الإرهاب الأمريكية، وإنّ القيادي العاروري يتنقل كثيراً في العالم العربيّ وله زيارات عديدة إلى قطر وإيران ولبنان وتركيا حسب مواقع إخباريّة، وهو ابن الضفة الغربية، وقضى 18 عاماً في سجون العدو بسبب تأسيس الجناح العسكريّ لحركة حماس داخل الضفة، وفي العام 2010 أطلق سراحه وتم ترحيله إلى سوريا، وبعد أن غادرت حماس سوريا وانتقلت إلى قطر، عاش في تركيا ومن ثم رُحِّل تحت الضغط الأمريكيّ – الصهيونيّ إلى قطر، لكنه تم ترحيله أيضاً من هناك، فاستقر في لبنان وبالتحديد في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ومن الضروري الإشارة إليه، هو أنّ إدارة الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، اتخذت موقفاً متشدداً للغاية ضد حركة المقاومة حماس وكبار ضباطها، حيث أعلنت في 31 كانون 2018، أنها وضعت رئيس الحركة، إسماعيل هنية، فيما تسمى “قائمة الإرهاب الأمريكيّة”، كما أعلنت بعد ذلك بوقت قصير أنها صنفت أيضاً صالح العاروري، نائب إسماعيل هنية، ضمن القائمة نفسها، لأنّه رئيس الجناح العسكريّ لحماس في الضفة الغربيّة، وتربطه علاقات جيدة مع إيران والمقاومة اللبنانيّة، لدرجة أنّ الولايات المتحدة خصصت 5 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عن مكان وجوده وشخصيتين أخريين من حزب الله.
خلاصة القول، تُصبح حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين أكثر فأكثر، حاضرة بشخصياتها المهمة في النظام السياسيّ الداخليّ والفلسطينيّ لتقود تحولاً تاريخياً مفصليّاً في تاريخ البلاد المستهدفة بشراسة، ما يجعلها بالفعل تهتم أكثر في مجالات أريد لها لمدة طويلة أن تبقى بعيدة عنها، لتبقى حكراً على فئة دون أخرى، الأمر الذي يدل بشكل واضح على مدى النضج المتزايد الذي تصل إليه حركة المقاومة بفعل التجارب الصعبة التي مرت بها، لذلك ستبقى حماس وفية لأرض فلسطين وهويتها وتاريخها، وهي الرسالة المختصرة التي وجهها هنية للعدو أكثر من مرة.
المصدر/ الوقت