التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, نوفمبر 20, 2024

سيناريوهات مستقبل مأرب اليمنية بعد مبادرة “أنصار الله” للسلام 

بعد أشهر من القتال العنيف بين قوات أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية “أنصار الله” والمرتزقة التابعين للسعودية على جبهة مأرب، ورغم كل الإجراءات البربرية التي قام بها تحالف العدوان السعودي الإماراتي كالضربات الجوية الشديدة التي نفذها خلال الأيام الماضية ونقل العناصر التكفيريّة إلى هذه المحافظة، إلا أن جهود أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية جارية لتحرير هذه المحافظة الاستراتيجية المهمة ولقد وصل أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية الى خلال الايام الماضية إلى أبواب المدينة وأصبح تحرير هذه المدينة قاب قوسين أو أدنى. وفي غضون ذلك، وعلى الرغم من المعارضة المتوقعة من الجانب السعودي لدفع العملية السياسية، اشتدت نيران الحرب خلال الايام الماضية في مأرب، لكن حركة “أنصار الله” اليمنية قدموا يوم الثلاثاء الماضي مبادرة من أربع نقاط لوقف الصراع والتوصل إلى حل سياسي في مأرب لحكومة الفنادق في عدن والرياض.

وفي هذه المبادرة، يُقترح مبدئيًا إنشاء آلية إدارة مشتركة لسكان محافظة مأرب للحفاظ على الأمن والاستقرار وطرد جميع عناصر القاعدة وداعش. وتؤكد الفقرة الثانية من هذه المبادرة على ضمان حرية الحركة والإفراج عن جميع المختطفين وتعويض الضحايا وعودة اللاجئين وعدم الاعتداء على المدنيين. كما دعت حكومة صنعاء إلى تخصيص أموال الشحنات النفطية في الحديدة لدفع الرواتب في اقتراحها الثالث. وخصصت الفقرة الرابعة من مبادرة صنعاء لموضوع موارد النفط والغاز في محافظة مأرب، وقد طلب فريق التفاوض في حكومة صنعاء في مقترحه استئناف محطات ضخ الغاز عملها وإعطاء حصة المحافظات الأخرى من النفط والغاز وتشكيل لجنة مشتركة لإصلاح خط أنابيب “صافر – رأس عيسي”.

وعلى صعيد متصل، رأى “محمد عبد السلام” رئيس وفد صنعاء المفاوض والمتحدث باسم حركة “أنصار الله”، أن السعودية وأمريكا تريدان تجميد الوضع العسكري في اليمن، كاشفاً عن زيارة قام بها الجانب السعودي إلى العاصمة اليمنية صنعاء، ومشيراً إلى أن قائد الثورة اليمنية السيد “عبد الملك الحوثي” قدم مبادرة جديدة خاصة بمأرب. وحسب “عبد السلام” فإن السعوديين لا يريدون وقف إطلاق نار حقيقي في مأرب، موضحاً أن “السعودية وأمريكا تريدان وقف عملياتنا العسكرية واستمرار غاراتهما الجوية”. وأكد أن “من يحارب في مأرب ليسوا أهالي المحافظة بل مجاميع معينة جلبها العدوان من هنا وهناك”، مضيفاً: إن “الإمارات لم تخرج من اليمن وسنسمع عن انسحاب ثان وثالث”. وأكد “عبد السلام” على استعادة الجيش واللجان الشعبية السيطرة على العديد من المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات حكومة “هادي” المستقيلة وتحالف العدوان السعودي في محافظة مأرب اليمنية. وأوضح أن قوات الجيش واللجان باتت على أبواب مدينة مأرب، ففي بعض المناطق أصبحت على بعد 5 كم وبعضها 7 كم وبعض الآخر 6 كم”، قائلاً: إن “القوات المسلحة اليمنية أحرزت تقدماً كبيراً جداً في شهر رمضان”.

أهمية السيطرة على العدو بالنسبة لـ”أنصار الله”

إن جهود صنعاء المكثفة للسيطرة على مأرب والمقاومة القوية لتحالف العدوان السعودي حتى لا تفقد هذه المحافظة، تُظهر أهمية هذه المحافظة في تحديد مستقبل الحرب اليمنية. وبالنسبة لـ”أنصار الله”، فإن السيطرة على مأرب يعتبر نجاحًا كبيرا في الاستيلاء على آخر معقل للمرتزقة في شمال اليمن. وبالإضافة إلى موقعها الذي يربط العديد من خطوط التجارة اليمنية، تمتلك مأرب أكبر محطة كهرباء في اليمن وثروات كبيرة من الموارد الطبيعية، خاصة وأنها تمتلك 90 في المائة من موارد اليمن النفطية والغازية.

وفي نوفمبر 2015، أعلن مسؤولون محليون تابعون لحكومة الرئيس المستقيل “منصور هادي”، تحت ضغط من المملكة العربية السعودية، أنهم فصلوا آلياتهم المالية والإدارية عن صنعاء، وبعد ذلك توقف الفرع المحلي للبنك المركزي اليمني عن ارسال عائدات النفط إلى مقر البنك المركزي في صنعاء. والآن وبعد أن مواجه صنعاء مشاكل اقتصادية ونقص في الموارد المالية لتسيير وإدارة اقتصاد المناطق الواقعة تحت سيطرتها، فإن السيطرة على عائدات النفط والغاز المرتفعة في مأرب يمكن أن تحل بعض هذه المشاكل، خاصة لدفع متأخرات ورواتب موظفي الحكومة. ولكن الآن بعد أن أصبحت حركة “أنصار الله” اليمنية لها اليد العليا في الحرب، وأصبحت إمكانية تحرير مأرب متاحة بالكامل، تسعى صنعاء لفتح سبل دبلوماسية لحل الأزمة لأسباب متنوعة.

أولاً، بعد أربعة أشهر من الحرب الدموية في صنعاء، أدركوا أن معركة طويلة في مأرب ستضعف التقدم على الجبهتين الجنوبية والغربية وتمنعهم من التقدم إلى مناطق أخرى. ثانيًا، أصبحت مأرب في السنوات الأخيرة ملاذًا لوجود أعداد كبيرة من لاجئي الحرب. وفي غضون أربع سنوات فقط، زاد عدد سكانها خمسين ضعفًا، مما جعل مأرب مدينة كبيرة ومزدحمة. ووفقًا للمسؤولين المحليين، ارتفع عدد سكان المدينة من حوالي 40.000 إلى أكثر من 1.5 مليون. ولقد تم إيواء العديد من اللاجئين في عشرات المخيمات الكبيرة المؤقتة بالقرب من سفوح الجبال، مما زاد من تعرض المدنيين لخطر نيران الحرب.

ومن ناحية أخرى، كان لضربات “أنصار الله” الصاروخية والطائرات بدون طيار تأثير مدمر على الاستقرار الاقتصادي للمملكة السعودية. وقد دفع ذلك صنعاء إلى الأمل في أن يضطر السعوديون في المستقبل القريب إلى قبول شروط “أنصار الله” وتحويل عائدات النفط إلى صنعاء. كما تدرك صنعاء الاختلافات بين بعض قبائل مأرب والحكومة المستقيلة والمملكة العربية السعودية، ويمكن أن تغير نقاط الاحتكاك والتحديات هذه الوضع بسهولة لصالح صنعاء وذلك لأن بعض زعماء القبائل غير راضين عن أداء المسؤولين المحليين، وقد أدت معارضتهم أحيانًا إلى وقوع صدامات مسلحة مع قوات الأمن في هذه المحافظة. وغالبًا ما تتهم القبائل المسؤولين المحليين بالانتماء إلى “حزب الإصلاح”، فرع من جماعة الإخوان المسلمين في اليمن ولكن المسؤولين اليمنيين ينفون هذه المزاعم، مشيرين إلى أن معظم قادتهم، بمن فيهم محافظ مأرب هم من أعضاء “المؤتمر الشعبي العام” الحزب السياسي للرئيس السابق “علي عبد الله صالح”. وهناك أيضًا خلاف بين قبائل مأرب خارج المدينة وعلى سبيل المثال، هناك عشرات المواقع التاريخية، بما في ذلك “عرش ملكة سبأ ومعبد العوام وسد مأرب القديم”، كأشهر بقايا الحضارات اليمنية القديمة تضررت وأصبحت في حالة سيئة بسبب ضعف السيادة ووجود الاختلافات القبلية في تلك المناطق.

سيناريوهات مستقبل محافظة مأرب

عند دراسة مستقبل مدينة مأرب اليمنية، هناك سيناريوهان محتملان جريئان للغاية: إما أن تسقط المدينة في يد حكومة صنعاء، أو تنجح الجهود الدبلوماسية لحل النزاع في هذه المحافظة الاستراتيجية. وبالنسبة لـ”أنصار الله”، فإن السيناريو الأول يعني تعزيز سلطة الحكومة المركزية وتخفيف الضغوط الاقتصادية التي يمارسها الأعداء، لأن مأرب ستمنح حكومة صنعاء كل الأموال اللازمة للتغلب على مشاكلها المالية في العديد من المناطق الواقعة تحت سيطرتها. لكن في حالة حكومة عدن، فإن خسارة مأرب ستكون بمثابة ضربة قاتلة لوضعها السياسي والعسكري، خاصة وأن المجلس الانتقالي يواصل تعزيز سلطته وموارده في الجنوب. والسيناريو الثاني يقوم على قبول شروط صنعاء لحل سياسي للأزمة بناء على المبادرة المقترحة التي ظهرت للعلن عقب الضغط العسكري الذي مارسه “أنصار الله” على السعودية ونجاح جهود الوساطة العمانية. وفي ظل هذا السيناريو، لا تزال صنعاء قادرة على تخفيف بعض الضغوط الاقتصادية وردم الفجوة على الجانب الآخر من خلال إجبار تحالف العدوان على تقديم تنازلات، فضلاً عن زيادة شرعيتها كحكومة اليمن الشرعية على المستوى المحلي والخارجي. ولا شك أن مصير اليمن مرهون بمعركة مأرب وستؤثر نتيجة هذه المعركة على الكفاح المستقبلي من أجل الازدهار في هذا البلد الذي مزقته الحرب.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق