أزمة الوقود والفوضى في شوارع لبنان
أثار خفض دعم الوقود وزيادة الأسعار في لبنان، احتجاجات شعبية ضد قرار الحكومة وأزمة محروقات.
وکانت الحكومة اللبنانية قد رفعت أسعار الوقود بأكثر من الثلث يوم الثلاثاء الماضي، بسبب محدودية الموارد المالية ومن أجل منع تخفيض الدعم للخدمات الأساسية الأخرى، لكن القرار يزيد الضغط على المستهلكين الفقراء.
وأعلنت وزارة الطاقة اللبنانية أن متوسط سعر 20 لترًا من البنزين 95 أوكتان ارتفع بنسبة 35٪ ووصل إلى 61.100 ليرة. كما ارتفع وقود الديزل بمقدار 12.800 ليرة، أي بنسبة 38٪، ووصل إلى 46.100 ليرة.
وأدى ارتفاع الأسعار هذا إلى تصاعد الاحتجاجات في الشوارع وتشكيل طوابير طويلة أمام محطات الوقود، وأحيانًا اشتباكات بين المواطنين. من ناحية أخرى، تصاعدت التوترات بين مسؤولي الحكومة اللبنانية.
في غضون ذلك، لقي ما لا يقل عن 20 شخصاً مصرعهم وأصيب العشرات في انفجار صهريج وقود في عكار شمال لبنان الأحد، بحسب الصليب الأحمر اللبناني.
وقع هذا الانفجار صباح الأحد الماضي. وفي هذا الصدد، قال مصدر عسكري ومصدر أمني لوكالة رويترز للأنباء إن الانفجار كان من صهريج وقود مخفي.
كما أفادت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن الانفجار وقع بعد اشتباكات بين “السكان الذين تجمعوا حول الصهريج للتعبئة”.
کذلك، أدى النقص الحاد في الوقود وانقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 22 ساعة في اليوم، إلى حرمان العديد من الشركات ومنازل الناس من الديزل اللازم لتشغيل المولدات الخاصة، الأمر الذي أغرق البلاد في الظلام.
کما اضطرت المستشفيات والمخابز والمحلات التجارية الأساسية والشركات في جميع أنحاء البلاد، إلى الحد من أنشطتها أو الإغلاق تمامًا بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
في السياق نفسه، أعلن مستشفى لبناني كبير يوم السبت إنه مضطر إلى قطع أجهزة التنفس وغيرها من المعدات الأساسية في أقل من 48 ساعة. وقال المركز الطبي في الجامعة الأمريكية في بيروت((AUBMC في بيان، إن موارده لتوفير الکهرباء للمعدات والأجهزة قد استنفدت بحلول صباح يوم الاثنين.
کذلك، فإن الخدمات الأولية في لبنان، الذي يمر بأزمة مالية حادة منذ عام 2019، آخذة في الانهيار. کما تراجعت الليرة اللبنانية بشكل حاد، وقد قضى التضخم الذي ارتفع إلی ثلاثة أرقام على مدخرات الناس.
وبحسب وكالة فرانس برس، يعيش 78 بالمئة على الأقل من اللبنانيين تحت خط الفقر، ومن الصعب على الوظائف الاستمرار في العمل.
ومقاطع الفيديو التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي يوم السبت، تظهر المئات من السيارات مصطفةً في محطات الوقود في جميع أنحاء لبنان على مدار الساعة. كما أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى تعزيز السوق السوداء، وقد قام البعض باحتكار البنزين لبيعه بسعر أغلی.
ونتيجةً لذلك، تحرك الجيش اللبناني يوم السبت لمعالجة هذه القضية، وأعاد فتح محطات الوقود المغلقة التي احتكرت الوقود.
کما صادر الجيش عشرات الجالونات من الوقود من أصحاب محطات الوقود، الذين قيل إنهم يعتزمون بيعه بسعر أعلى للمواطنين. وقال الجيش في بيان إنه صادر أكثر من 78 ألف لتر من البنزين المخزن في محطتين للوقود، وضبط 57 ألف لتر من المازوت من محطة ثالثة.
کذلك، تعامل الجيش اللبناني مع المهربين الذين يعملون على طول الحدود السورية، وصادر آلاف اللترات من البنزين خلال الأيام القليلة الماضية. من ناحية أخری، اتهم أصحاب محطات الوقود ومستوردو الوقود البنك المركزي بالتباطؤ في فتح خطوط الائتمان، والتسبب في نقص الوقود.
الخلاف بين الحكومة والمصرف المركزي
أزمة الوقود الناجمة بعد قرار البنك المركزي بخفض دعم الوقود، قوبل باعتراض الرئيس اللبناني ميشال عون واستيائه، والذي اعتبر القرار تعسفياً وتنسيق البنك المركزي مع الحكومة ضرورياً.
وقال عون في بيان، إن حاكم مصرف لبنان المركزي “رياض سلامة” رفض تغيير رأيه، وحمَّله مسؤولية تصعيد الأزمة. وأضاف أن “البنك المركزي مؤسسة حقوق عامة، والحكومة هي صانع القرار العام في جميع المجالات”.
يشار إلی أن الحكومة تطلب من سلامة التراجع عن قراره، لحين تنفيذ برنامج منح البطاقات النقدية للمواطنين.
ورداً على الانتقادات، قال محافظ البنك المركزي رياض سلامة في مقابلة مع إذاعة لبنان الحرة، إن دعم الوقود قلل من احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي. “في الشهر الماضي، تم إنفاق حوالي 800 مليون دولار على الواردات. يجب أن يكون هذا الرقم كافياً لمدة ثلاثة أشهر.”
ولمواصلة دعم أسعار الوقود، قال البنك المركزي إنه بحاجة إلى تشريع للسماح باستخدام احتياطيات الطوارئ. وبحسب سلامة، فإن احتياطي النقد الأجنبي قد انخفض ووصل الآن إلى 14 مليار دولار.
ويقول منتقدو خطة الدعم إنها شجعت التهريب والتخزين والاحتکار، من خلال بيع البضائع بأقل من أسعارها الحقيقية. وقال سلامة إن لبنان بإمکانه أن يخرج من أزمته إذا تشکلت الحكومة، وأن الليرة “رهينة تشكيل الحكومة الجديدة والإصلاحات”.
لم يتفق السياسيون اللبنانيون على تشكيل حكومة جديدة منذ استقالة رئيس الوزراء حسان دياب في آب/أغسطس الماضي بعد تفجير دام في مرفأ بيروت. وبالتالي، بقي دياب رئيس الوزراء لتصريف الأعمال.
وبعد اعتذار سعد الحريري من مسؤولية تشكيل الحكومة وتقديم نجيب ميقاتي كمرشح جديد للمنصب، أعرب ميشال عون عن تفاؤله بتشكيل حكومة جديدة قريباً.
کما دعا الرئيس اللبناني ميشال عون إلى اجتماع طارئ يوم الجمعة لبحث تفاقم أزمة الوقود، لكن الطلب قوبل برفض رئيس الوزراء لأن الخلافات السياسية أعاقت جهود إيجاد حل.
المقاومة إلى جانب الشعب لحل الأزمة الاقتصادية
بينما جعل المانحون الدوليون إرسال القروض والمساعدات المالية مشروطاً بتشكيل الحكومة، فإن حزب الله بصفته القوة السياسية الأولى والحامي العسكري للبنان ضد التهديدات الخارجية للأعداء، وخاصةً من الكيان الصهيوني، أكد مرارًا استعداده للتوصل إلى اتفاق مع المجموعات الأخرى وضرورة تشكيل الحكومة.
ومع ذلك، فإن جشع واعتماد بعض القادة والجماعات السياسية على الجهات الأجنبية، مثل السعودية والولايات المتحدة، الذين يسعون إلى زعزعة الاستقرار وخلق الأزمات في لبنان، قد عقَّد مهمة تشكيل الحكومة.
بالتأكيد، من خلال تبني النهج الوطني والواقعي من قبل تيار 14 آذار المقرب من الحريري، يمكن للمقاومة اللبنانية التي نجحت في الدفاع عن حدودها الإقليمية وخلق قوة الردع ضد الکيان الصهيوني، أن تسارع لمساعدة اللبنانيين في حل أزمة البلاد الاقتصادية.
المصدر/ الوقت