تصعيد إسرائيليّ خطير عنوانه المعابد اليهوديّة.. هل يؤدي لحرب شاملة؟
بالتزامن مع تسارع المخططات الاستيطانيّة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة المحتلة والقدس، من أجل محاولة وسم هوية مدينة القدس كعاصمة يهوديّة لكيان الاحتلال القاتل، وقتل أيّ مساعٍ فلسطينيّة أو دوليّة لإقامة دولة فلسطينيّة في الأراضي المحتلة عام 1967 من جهة أخرى، كشفت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبريّة مؤخراً، أنّ تل أبيب تعتزم إنشاء معابد لليهود في مستوطنات الضفة الغربيّة المحتلة، متحدثة أنّ حكومة العدو تعتزم إنشاء معابد يهوديّة في مستوطنات الضفة الغربيّة وفي المدن والبلدات داخل فلسطين المحتلة عام 1948، ضمن خطة إسرائيليّة عدوانيّة تتوجب مواجهتها ومصدها عبر تفعيل كل وسائل المقاومة في الضفة الغربيّة المحتلة.
أولويّة صهيونيّة
في إطار محاولات الكيان الغاصب حسم المعركة في الساحة الرئيسة للمواجهة مع الكلّ الفلسطينيّ والعربيّ والإسلاميّ والمسيحيّ في الأمة، ذكر وزير ما تُسمى شؤون الأديان التابع للعدو، ماتان كاهانا، أنّ كيانه يدعم إنشاء المعابد اليهوديّة داخل مستوطنات الضفة الغربية، وكذلك في البلدات والمدن في فلسطين المحتلة، وأنّ حكومة العدو أعطت الأولوية لذلك، ومن المقرر أن توزع 6.25 ملايين دولار على 30 مستوطنة صهيونيّة، بزعم وجود نقص في المباني والمعابد المخصصة لإقامة الطقوس اليهوديّة.
وإنّ التصعيد الصهيونيّ المتواصل لا يمكن أن يتوقف بأيّ حال من الأحوال عن إجرامه وقضمه لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وأكبر دليل على ذلك نص إعلان الدولة المزعومة، والذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من بلادهم، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في “إسرائيل” وأنّ الجرائم المختلفة التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.
وباعتبار أنّ الضفة الغربيّة مرهونة بقرارات السلطة الفلسطينيّة برئاسة محمود عباس، والمتعاونة مع العدو الغاصب، فإنّ الإجرام والاستخفاف الصهيونيّ بأرواح ومقدسات الفلسطينيين ستستمر، لأنّ حركة “فتح” ترتكب “خطيئة تاريخيّة” لا تغتفر من خلال اعتقادها بأنّ وجود علاقة مع تل أبيب ربما تصب في مصلحة الفلسطينيين، في الوقت الذي يثبت فيه التاريخ والواقع أنّ الصهاينة يتمادون أكثر فأكثر في عدوانهم الذي لا يمكن أن يوقفه إلا القوة والوحدة والمقاومة.
وفي سياق المنهج الصهيونيّ المعتدي على حقوق الشعب الفلسطينيّ وأرضه ومقدساته، ترتفع يوماً بعد آخر احتماليّة أنّ تتحول الضفة الغربيّة المحتلة إلى “غزة” ثانيّة تردع الكيان وتوقفه عند حده، نتيجة تصاعد تجاوزات قوات الاحتلال الغاصب بحق المقدسات الإسلاميّة في فلسطين التاريخيّة، ومن ضمن تلك الانتهاكات، العدوان على المسجد الأقصى المبارك بشكل خاص بالإضافة إلى قبة الصخرة المباركة والمدينة المقدسة.
ويقوم العدو العنصريّ أيضاً إلى نقل مئات الآلاف من الصهاينة إلى الضفة الغربية المحتلة، حيث يستخدم الكيان الصهيوني قضيّة إدخال عدة دول عربيّة إلى حظيرة التطبيع الأمريكيّة، لطرد الفلسطينيين تدريجياً ونقلهم إلى أراض عربية أخرى، وقد اتخذت تل أبيب بالفعل ترتيبات لإضفاء الشرعية على المستوطنات المقامة في الضفة الغربية في الكنيست لإضفاء الشرعية على احتلال معظم الأراضي الفلسطينيّة، وتشير هذه الإجراءات إلى أن تطبيع بعض الدول العربيّة لعلاقاتها مع تل أبيب سيعطي العدو المجال لسعيه في التوسع في الأراضي الفلسطينية، إلى جانب عربدة العصابات الصهيونيّة بشكل أكبر.
بؤرة استيطانيّة
بعد أن بات مؤكداً للقاصي والداني أن العدو الصهيوني لن يكون في أيّ وقت مستعداً للقبول بدولة فلسطينية على حدود كيانه السياسيّة وتحويلها إلى تهديد بالنسبة له، أدان رئيس هيئة شؤون الجدار والاستيطان في السلطة الفلسطينيّة، وليد عساف، مخطط الكيان لدعم إنشاء معابد لليهود في مستوطنات الضفة الغربية، معتبراً إياه بمثابة “بؤر استيطانية” جديدة بصورة كنس يهوديّة.
ومع غياب الإجراءات العمليّة للمنظمات الدوليّة ضد استمرار نهج الإجرام الصهيونيّ وانتهاكاته الكارثيّة للقانون الدوليّ وفرضه لغة القوة والاحتلال، بيّن عساف أن المخطط الصهيونيّ الجديد يهدف إلى توسيع المشروع الاستيطانيّ في الضفة الغربية، قائلاً: “هذا أمر مرفوض وسنواجهه ونتصدى له كما يتم التصدي للبناء الاستيطانيّ وإقامة البؤر الاستيطانيّة العشوائيّة، وإنّ المستوطنين يسعون لإقامة المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية وشرق القدس بأشكال مختلفة ومتعددة من ضمنها الكنس في المستوطنات التي تتم لأول مرة”، في انتهاك صارخ لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدوليّ، لترسيخ الاحتلال وتقوض آفاق تحقيق أيّ حل في فلسطين.
ولأنّ الاحتلال الوحشيّ يعتقد أنّه يسيطر على بقعة واسعة من الأراضي الفلسطينيّة وله اليد الطّولى للقيام بأيّ شيء فيها، يحاول بشكل جديّ ومتصاعد حسم المعركة التاريخيّة لمصلحته عبر الاستيطان وتدمير وتشويه كل الآثار التاريخيّة الفلسطينيّة، لطمس الهوية الثقافيّة والحضاريّة الفلسطينية وإخفاء معالمها بشكل كامل، في الوقت الذي لا يكف فيه الاحتلال المجرم عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، في مساع حثيثة من قبل قوات العدو في فلسطين للهيمنة على مقدرات البلاد بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لمصلحة الإسرائيليين اليهود.
ويكمن الهدف الرئيس للكيان الصهيونيّ المجرم من وراء مشاريع الاستيطان وسرقة الآثار الفلسطينية، في تشويه التاريخ عبر تزوير تلك الآثار وإعطائها صبغة يهوديّة، لخدمة الرواية الصهيونيّة المخادعة حول احتلال فلسطين، لتحقيق المشروع الصهيونيّ في إنشاء الدولة العبريّة المزعومة على تراب فلسطين عبر عمليات تطهير عرقيّ كاملة وتهجير قسريّ جماعيّ للسكان الأصليين، مثل تلك التي رافقت إنشاء وطنهم اليهوديّ على أرض فلسطين.
تحدٍ كبير
لا يخفى على أحد أنّ ملف الاستيطان هو من أبرز أوجه الصراع مع العصابات الصهيونيّة وأحد الأسباب الرئيسة لتوقف آخر مفاوضات للسلام بين الفلسطينيين والمحتلين عام 2014، حيث يقطن ما يزيد على 600 ألف مستوطن صهيونيّ في الضفة الغربية وشرق القدس، واحتلت تل أبيب الضفة الغربية في عام 1967 وأقامت عليها المستوطنات، التي تعتبر بشكل كامل مخالفة للقانون الدوليّ.
وفي هذا الخصوص، اعتبرت وزارة الخارجيّة والمغتربين في السلطة الفلسطينيّة، أنّ الاستيطان الاسرائيليّ هو التحدي الأكبر والعقبة الأساس أمام أيّة جهود إقليميّة ودوليّة مبذولة لإحياء ما تسمى “عملية السلام” وإطلاق المفاوضات بين الجانبين، مشيرة إلى أنّ الموقف الصهيونيّ الرسميّ الداعم للاستيطان والمواقف المعلنة الرافضة للانخراط في عملية سياسيّة ذات جدوى هو “تقويض متواصل لأي فرصة لإقامة دولة فلسطينيّة”، وتعمق المشروع الاستعماريّ التوسعيّ في أرض فلسطين وسلب مساحات واسعة من الضفة الغربية لصالح الاستيطان، بهدف خلق تواصل جغرافيّ بين الكتل الاستيطانيّة والبؤر المنتشرة في طول وعرض الضفة وتحويلها إلى تجمع استيطانيّ ضخم مرتبط بالعمق الذي يحتله العدو.
وفي الوقت الذي أدانت فيه السلطة الفلسطينيّة المواقف الصهيونيّة الداعمة للاستيطان والمعادية للسلام، حملت رام الله الحكومة الإسرائيليّة المسؤولية كاملة عن نتائجها وتداعياتها على عملية السلام برمتها، مطالبة المجتمع الدوليّ بتحمل مسؤولياته واحترام قراراته وخاصة القرار 2334 واتخاذ ما يلزم من الإجراءات العملية الكفيلة بالضغط على تل أبيب وإلزامها بوقف استيطانها وكف يدها عن جميع المناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربيّة بصفتها جزء لا يتجزأ من أرض دولة فلسطين.
نتيجة لكل ما ذُكر، إنّ الشعب الفلسطينيّ جاهز دوماً لصد أي مساعٍ إسرائيليّة لسلب حقوق أصحاب الأرض والمقدسات، باعتبار أنّ قوات العدو القاتل ماضية في حملتها الإجراميّة المنظمة لتهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطينيّ، ونهب أرضهم وممتلكاتهم ومنازلهم، بالإضافة إلى استماتة تل أبيب لتغيير معالم المدينة المقدسة وتهويدها، بهدف بسط السيطرة الصهيونيةّ الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، والمقدسات التاريخيّة للشعب الفلسطينيّ، لهذا فإنّ التصعيد الإسرائيليّ ربما يفرز اشتعال “مقاومة شاملة” لاستعادة الحقوق وتحرير الأرض والمقدسات، وإنّ انتفاضة الشعب الفلسطينيّ في معركة سيف القدس التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة على تصديها للعدوان الصهيونيّ الهمجيّ على قطاع غزة، وتأكيد وحدة الفلسطينيين حول المقاومة، يفرض العمل الجاد لإعادة الاعتبار للمشروع الوطنيّ المتمثل في التحرير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينيّة على كل التراب الوطنيّ، واعتباره قاعدة بناء التوافق الوطنيّ على برنامج نضاليّ جامع.
المصدر / الوقت