إلى أين وصل ملف “إدلب” السورية
التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في سوتشي، لمناقشة العديد من الملفات بما فيها، ملف “ادلب” السورية، ومحاولة ايجاد حل وسط يرضي أطراف النزاع، ومع ذلك، لايزال هناك مخاوف من اندلاع مواجهات بين القوات التركية والميليشيات الموالية لها من جهة، والجيش السوري من جهة أخرى، خاصة بعد أن وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا الحكومة السورية بأنها “باتت تمثل خطرا على تركيا”، حسب موقع “أحوال” التركي.
وكانت دمشق قد أكدت مرارا أن قواتها عازمة على تحرير كل أراضيها بما في ذلك تلك الخاضعة لسيطرة القوات التركية التي يصفها بالمحتلة.
وتسعى تركيا لتوسيع نطاق تواجد قواتها شمالي سوريا، وتسعى لتغيير هوية المناطق التي تقع تحت سيطرتها، عبر مراكز تابعة لها في مختلف المجالات.
وشهدت “إدلب” تصعيداً عسكرياً خلال الشهرَين الماضيَين، وسط توقّعات بأن يفضي هذا اللقاء إلى حلّ قد يكون جذرياً لقضيّتها. ويأتي الاجتماع الجديد بعد أكثر من عام ونصف عام على قمّة مشابهة جمعت الرئيسَين في سوتشي (آذار 2020)، عندما سافر إردوغان إلى روسيا بعد تصادم عسكري بين جيشَي البلدَين على تخوم إدلب، خلال عمليات للجيش السوري استهدفت فتح طريق حلب – دمشق (M5) بالقوة، بعد أن نكثت أنقرة بتعهّداتها وفق “اتفاقية سوتشي” المُوقَّعة مع موسكو عام 2018، حيث تمكّن السوريون آنذاك من السيطرة على الطريق، فيما استهدفت طائراتهم قافلة تركية في منطقة بليون في إدلب، ما أدّى إلى مقتل وإصابة أكثر من 150 جندياً تركياً.
كذلك، يتزامن هذا اللقاء مع مجموعة من المتغيّرات على الأرض السورية، أبرزها التكهّنات باقتراب موعد انسحاب القوات الأميركية من سوريا، والفراغ المتوقّع جرّاء ذلك والذي تتمنّى أنقرة أن تملأه، وسط رفض موسكو لأيّ نشاط عسكري تركي، وإصرارها على استعادة دمشق السيطرة على كامل الأراضي السورية، وهو ما أكده بوتين خلال استقباله الرئيس السوري بشار الأسد، قبل نحو أسبوعين، عندما قال صراحة إن “المشكلة الرئيسة تكمن في أن القوات الأجنبية موجودة في مناطق معيّنة من البلاد من دون قرار من الأمم المتحدة ومن دون إذن منكم (من سوريا)، وهو ما يمنعكم من بذل أقصى الجهود لتعزيز وحدة البلاد”، الأمر الذي يشير بشكل مباشر إلى الوجود الأميركي شرق البلاد، والتركي في الشمال والشمال الغربي. وفي الاتجاه نفسه، أكد وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الاثنين الماضي، أن “موقف سوريا هو أن أيّ وجود أجنبي على أراضيها دون موافقتها غير شرعي، ويشكّل خرقاً سافراً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ولكلّ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة”، لافتاً إلى أن “الاحتلال التركي يمارس سياسة التهجير والتتريك”، و”يدعم المنظمات الإرهابية وعلى رأسها جبهة النصرة”.
وبينما تواجه أنقرة ضغوطاً متزايدة، تأتي قمّة بوتين ـــ إردوغان في وقت تشهد فيه دمشق انفراجات سياسية واقتصادية على صعد عدّة، أبرزها الانفتاح الأردني، واتفاقية تمرير الغاز المصري إلى لبنان عبر “خطّ الغاز العربي”، والتي جاءت بموافقة أميركية، بالإضافة إلى عودة التقارب مع دول عربية عدّة، وهو ما ظهر خلال اللقاءات التي أجراها المقداد على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ـــ والتي يُعدّ بعضها الأوّل من نوعه منذ نحو عشر سنوات ـــ وبينها لقاؤه وزيرَي خارجية مصر سامح شكري وتونس عثمان الجرندي.
وعلى المستوى الميداني، سبقت القمّةَ سلسلة من التحرّكات السورية على الأرض والروسية في الجو، حيث نفّذت الطائرات الروسية مجموعة من الغارات على مواقع انتشار الفصائل في ريف إدلب، على حدود منطاق التماس مع الجيش السوري في منطقة جبل الزاوية التي يُنتظر أن يتمّ إفراغها من المسلحين، كما استهدفت طائرة روسية معسكراً لفصيل “فيلق الشام” التابع بشكل مباشر لأنقرة في مدينة عفرين، في خطوة كانت مفاجئة بالنسبة إلى الفصائل المسلّحة. وبينما خرجت تصريحات تركية متفاوتة تَعتبر التحركات العسكرية على حدود إدلب “خرقاً” لاتفاقية خفض التصعيد، وسط استقدام تعزيزات عسكرية من الفصائل المسلحة والقوات التركية إلى إدلب، لم تعلّق تركيا أبداً على الغارة الروسية على عفرين، في وقت أطلقت فيه الفصائل بضع قذائف في محيط اللاذقية، وأعلنت القوات الروسية إسقاط طائرة مسيّرة انطلقت من إدلب وحاولت الوصول إلى حميميم. ويبدو أن روسيا أرادت استباق اللقاء برسائل ميدانية من الأرض مُوجّهة إلى أنقرة من جهة، وإلى “قسد” من جهة أخرى، عبر التأكيد على عدم وجود استثناءات، ورفض تحويل مناطق “غصن الزيتون” في أقصى شمال حلب إلى “ملاذ آمن” للفصائل المسلّحة تعيد فيها بناء نفسها لشنّ هجمات على مناطق أخرى، بالإضافة إلى تأكيد الحضور الروسي الرادع في مناطق الاحتكاك بين القوات المدعومة تركياً و”قسد”، خصوصاً مع ارتفاع حدة المواجهات بين الطرفين في الآونة الأخيرة في مناطق شمال شرقي سوريا.
وأمام هذه الظروف والعوامل، من المنتظر أن يؤدي اللقاء إلى وضع حدّ للمماطلة التركية، وإلى إعادة رسم المشهد الميداني في الشمال السوري عموماً، وفي إدلب على وجه الخصوص، بما من شأنه إعادة المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق بشكل تدريجي وتوافقي، وتجنيب جميع الأطراف الخوض في مواجهات عسكرية ستكون فيها تركيا والفصائل التي تدعمها في موقف حرج، خصوصاً في ظلّ توتّر الأجواء التركية ـــ الأميركية، وتعمّق حاجة أنقرة إلى تمتين علاقاتها بروسيا. وما يعزّز احتمالات التوصّل إلى حلول دبلوماسية، موجة التغيّرات “التهدوية” التي تشهدها المنطقة عموماً، وأبرزها الانفتاح المتصاعد على دمشق، والتقارب السعودي ـــ الإماراتي ـــ القطري، والحوار السعودي ـــ الإيراني، وعودة النشاط السياسي والاقتصادي المصري والعراقي في المنطقة التي تشهد أساساً عمليات إعادة هيكلة وتشكيل للتوازنات والتحالفات السياسية والاقتصادية.
المصدر/ الوقت