راشد الغنوشي يعلن تأثر النهضة بالاستقالات التي عصفت بها.. هل سنشهد ولادة حزب تونسي جديد
أعلن رئيس حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي، أن الاستقالات من حركته سوف تؤثر عليها وتدفعها إلى تطوير مؤسساتها، وشدد على أن “باب الصلح مفتوح دائما”، وأضاف أنه لن يفرط في منصبه كرئيساً للبرلمان التونسي.
تونس التي تعاني أزمة سياسية داخلية شديدة عصفت في مؤسساتها منذ 25 يوليو/ تموز الماضي حينما اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد سلسلة قرارات منها: تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة.
وحول الاستقالات من حزب “النهضة” قال الغنوشي، في حوار نشره موقع “الجزيرة”: “آسف شديد الأسف لهذه الاستقالات التي لا شك أنها تؤثر على الحركة وعلى تماسكها”.
وأضاف الغنوشي: “بجانب أن المستقيلين استثمرت فيهم الحركة لعشرات السنوات، ومناضلين ضمن هياكلها وقيادتها. هؤلاء الإخوة سارعوا إلى إعلان الاستقالة رغم أنه كان بالإمكان الحوار والبحث عن الحلول الوسطى في أفق المؤتمر المقبل قبل نهاية هذه السنة، ولكن لكل تقديره”.
ورأى أن تلك الاستقالات “تدفعنا إلى تطوير مؤسساتنا لتكون فضاءات حوار وإدماج لكل التوجهات الموجودة داخل الحركة، وباب الصلح مفتوح دائما”.
وأعلن أن حزب النهضة (صاحب أكبر كتلة برلمانية بـ53 نائبا من 217) “سيتفاعل بمسؤولية مع كل الأنشطة والفعاليات الهادفة إلى حماية التجربة الدّيمقراطية وإيقاف التدهور، بالشراكة مع أوسع طيف وطني”.
إن غالبية الأحزاب التونسية ترفض قرارات سعيد الاستثنائية، ويعتبرها البعض “انقلابا على الدستور”، بينما تؤديها أحزاب أخرى ترى فيها “تصحيحا للمسار”، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا).
وقال الغنوشي إن “الأستاذ قيس سعيد، منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية (في 25 يوليو الماضي)، صرّح أنه سيحترم الإجراءات الدّستورية، ولكنه أخلّ بها لاحقا”.
وأردف: “أعلن أن تعليق البرلمان سيكون لمدة شهر، ولكنه قام بتعليقه لاحقا إلى أجل غير مسمى، وهو إجراء غير دستوري ويمسّ مؤسسة سيادية تم انتخابها بنفس شروط انتخاب رئاسة الدّولة ولها نفس الشّرعية”.
ودعا الغنوشي رئيس البلاد إلى “التراجع عن هذا الإجراء غير الدّستوري وكل الإجراءات الاستثنائية، التي مثلت انقلابا على الدّستور وإرادة الشّعب، وفتح باب الحوار والتّشاركية”.
اسباب الاستقالات الجماعية
الاستقالات التي عصفت بحزب النهضة جائت عندما أعلن أكثر من 100 قيادي في حركة “النهضة” التونسية استقالتهم من مناصبهم. ومن بين القيادات المستقيلة من حركة “النهضة” محمد بن سالم وسمير ديلو وعبد اللطيف المكي.
وفي هذا السياق نقلت قناة “نسمة” التونسية أنَّ قائمة المستقيلين تضمنت نواباً وأعضاء سابقين في المجلس التأسيسي، وأعضاء في مجلس الشورى، ومسؤولين جهويين.
وكان المستقيلون من الحركة قد أصدروا بياناً حمّلوا فيه مسؤولية استقالتهم لما وصفوه بالـ “الخيارات السياسية الخاطئة لقيادة حركة النهضة”، والتي أدت إلى “عزلتها وعدم نجاحها في الانخراط الفاعل في أي جبهة مشتركة لمقاومة الخطر الاستبدادي الداهم الذي تمثله قرارات 22 أيلول/سبتمبر 2021”.
ومن بين أبرز المستقيلين، آمال عزوز عضو المجلس التأسيسي للحركة، سمير ديلو عضو مجلس النواب، نسيبة بن علي عضو مجلس النواب، عبد اللطيف المكي عضو المجلس الوطني التأسيسي.
و بدوره لفت القيادي المستقيل من “النهضة” سمير ديلو إلى أنَّ الحركة وصلت إلى حالة عزلة، قائلاً إنها لم تعد قادرة على القيام بعمل مشترك ضد الخروج عن الشرعية الدستورية.
وأضاف أنَّ الحركة لم تبقِ صديقاً بسياساتها في البرلمان وخارجه، مشيراً إلى أن هناك أسماء أخرى ستلتحق بهذه الاستقالة. وأكّد أن عدد الاستقالات أكبر بكثير من عدد الموقّعين على البيان.
هل هي استقالة أم محاولة لتشكيل حزب جديد!
إن الاستقالة الجماعية من حزب النهضة لم تكن مستغربة باعتبار الانشقاقات والصراعات المعلومة التي شقت صفوف الحركة منذ مدة وأدت إلى انسحاب عدد هام من رموزها وشبابها بسبب الخيارات الخاطئة والسياسات التي اتبعتها والتحالفات التي عقدتها، لتشمل اليوم قيادات معروفة سبق وأن هددت بالاستقالة.
أما بالنسبة لاختيار التوقيت لهذه الاستقالة فكان ما حدث في 25 تموز بمثابة محفز لهذه القيادات للاعلان عن استقالتها خاصة بعد أن عبر جزء التونسيون عن رغبتهم في رحيل المنظومة الحالية ومن ضمنها حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي.
يبدو أن العديد من قادات حركة النهضة وجدوا أنفسهم في موضع ضعف بعد أن كانوا في موضع قوة، وهو ما دفعهم إلى التخلي عن الحزب الضعيف والقفز من السفينة المثقوبة للحفاظ على “قوتهم السياسية” وعدم تحمل وزر ما قامت به الحركة من خيارات وتحالفات فاشلة.
كما يبدو أن هؤلاء الذين تخلوا اليوم عن راشد الغنوشي إنما يريدون التأسيس لحزب جديد تم الحديث عنه ولن يكون فقط مكونا من طرف هؤلاء المستقيلين وإنما أيضا من آخرين يشاركونهم نفس الأماني فيما يتصل بالانتخابات القادمة، بمعنى أنهم سوف يخوضون الاستحقاق الانتخابي المقبل تحت راية جديدة وحزب جديد.
تماماً كما كان يحدث في باقي التجارب الإقليمية وخاصة في مصر وتركيا حيث أثبتت هذه التجارب أنه كلما اشتدت أزمات الإسلام السياسي فإن الأحزاب الممثلة لهذا التيار تلجأ إلى تغيير التسميات والتشكل من جديد على غرار ما حدث مع حزب العدالة والتنمية في تركيا الذي أسسه منشقون من حزب الفضيلة الإسلامي.
ولكن من الطبيعي أن يكون للاستقالات الجديدة داخل حركة النهضة تأثير على الحركة ولكنها لن تهدد وجودها السياسي على اعتبار أن النهضة تستمد قوتها وبقاءها من رئيسها راشد الغنوشي الذي يمتلك الحقيبة المالية من ناحية وشبكة علاقات واسعة من الداخل والخارج من ناحية أخرى.
الانفراد بالحكم من قبل سعيد بتحريض خارجي
أدى تحرك الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو 2021 للإطاحة برئيس الوزراء هشام المشيشي وتعليق عمل البرلمان لمدة 30 يومًا، إلى تحول المشهد السياسي في البلاد إلى أزمة كاملة. لا شك في أن السبب الجذري لقرار قيس سعيد الجديد يمكن إرجاعه إلى اختلاف دام عقدًا من الزمان بين العلمانيين والإخوان المسلمين. في كل السنوات التي أعقبت ثورة 2011 الكبرى في تونس، كان هناك تنافس شديد وتوتر بين التيارات الإسلامية، وخاصة الإخوان بقيادة راشد الغنوشي وحزب النهضة، مع التيارات العلمانية حول طبيعة النظام السياسي والدستور والحكم.
لكن بالإضافة إلى الأزمة الداخلية والتنافس بين الجماعات السياسية التونسية، لفت انتباه المراقبين السياسيين في الأيام الأخيرة دور ومشاركة الجهات الأجنبية في إثارة الأزمة الحالية في تونس. في اليوم الأول بعد أمر الرئيس، اتهم رشيد الغنوشي زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي الإعلام الإماراتي بالوقوف وراء الأحداث في تونس واستهداف حركة النهضة. وقال مجتهد على تويتر “الإمارات والسعودية وعدتا الرئيس التونسي بخمسة مليارات دولار مقابل نجاح الانقلاب”. بالإضافة إلى هذه الادعاءات، وبالنظر إلى تسلسل التطورات والمعادلات الميدانية، فإن عمل قيس سعيد والتطورات الداخلية في تونس مرتبطة بمجال المنافسة الإقليمية وعبر الإقليمية، وفي السنوات القادمة سيتوسع هذا التوجه الخارجي في المناطق أكثر فأكثر.
ما يحدث في تونس هو صراع بين دول تدعم الأخوان المسلمين ودول تعارضها وهذا يزيد من صعوبة الوصول الى حل داخلي ولا اعتقد أن الحوار الداخلي قد يصل بالسفينة التونسية إلى بر الأمان لأن كل حزب يريد أن يكون ربان السفينة بنفسه وكل دولة أجنبية ترغب في الإبقاء على أذرعها في كرسي الحكم في هذا البلد لذلك يجب أن يكون الحوار بين هذه الأحزاب الداخلية والدول التي ترعاها أو أن تكف الأحزاب الداخلية عن الارتهان لأوامر الدول الأخرى.
المصدر/ الوقت