التكتم الأمريكي الغربي بشأن جرائم الحرب في أفغانستان
استمرت الجرائم الأمريكية في حق المدنيين العزل الأفغان، بحيث سقط آلاف القتلى من المدنيين بنيران القوات الأمريكية، وفي هذا السياق كشف “جوناثان ستيل” من صحيفة الجارديان أن عدد القتلى في أفغانستان منذ عام 2001م، يصل إلى ثلاثة ملايين، تقريبًا 900 ألف منهم أطفال دون سن الخامسة، وما زال عدد ضحايا الحرب الأمريكية في أفغانستان في ارتفاع، إذ أحصى عضو مجلس البرلمان الأفغاني “رمضان بشار دوست” ما يزيد على مئة وخمسين ألف قتيل حتى سنة 2011م. هذه الأرقام الكارثية لعدد القتلى المدنيين الأفغان بالنيران الأمريكية تعيدنا إلى بعض المجازر التي لا يزال الأرشيف محتفظًا بها بين براثنه؛ ففي اليوم الرابع من بداية الحملة الأمريكية على أفغانستان ارتكبت القوات الأمريكية مجزرة رهيبة في حق المدنيين الأفغان راح ضحيتها العشرات من المدنيين، حيث قال الملا “عبد السلام ضعيف” سفير طالبان لدى باكستان إن تقارير أفادت بأن 100 شخص قتلوا خلال قصف أمريكي لقرية في شرق أفغانستان قرب مدينة جلال أباد. وفي يونيو 2007م ارتكبت الطائرات الأمريكية مجزرة مروعة استهدفت مجموعة أطفال كانوا داخل مسجد في ولاية بكتيكا على الحدود القبلية الباكستانية، وكان مبرر القوات الأمريكية أن المسجد كان يتحصن به أفراد من قوات طالبان. ولعل أبشع مجزرة ارتكبتها القوات الأمريكية بأفغانستان كان في أبريل من سنة 2018م، حين استهدفت الطائرات الأمريكية طلاب مدرسة تحفيظ القرآن الكريم في قندوز شمال أفغانستان يحتفلون بتخرجهم.
لقد غيّر الجيش الأمريكي مساره في سبتمبر الماضي وسط ضغوط دولية واسعة وأدلة إعلامية قوية إثر تحقيقين إعلاميين، وأعترف بأن هجومه الذي نفذته قواته في أغسطس على العاصمة الأفغانية كابول والذي وصفه في ذلك الوقت بأنه “هجوم دقيق”، بأنه “خطأ محزن”. وبحسب صحيفة “جلوبال تايمز”، استهدفت غارة للطائرات المسيرة الأمريكية عائلات مدنية بدلًا من استهداف مواقع إرهابية. ولقد اعتذر “كينيث ماكنزي” أحد كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين عن الضربة الجوية، لكن ماذا حدث بعد الاعتذار؟ لقد تم ببساطة تجاهل طلب الناجين من ضحايا هذه الضربات الجوية للتحقيق في “الجريمة الواضحة” وتقديمهم إلى العدالة، وحتى الآن لم يتم التحقيق مع أي مسؤول أمريكي كان مسؤول عن هذه الهجمات ومعاقبته. وخلال السنوات العشرين التي قضاها الجيش الأمريكي في أفغانستان، ارتكب هذا الجيش جرائم حرب مروعة في البلاد، لكن واشنطن والبنتاغون رفضا بشكل روتيني الاعتراف بهذه الجرائم وسعيا لإخفائها. كما قدمت الولايات المتحدة الحماية الكاملة لمرتكبي جرائم الحرب وعاملتهم بلطف. واستمر هذا السلوك حتى عندما يكون هناك دليل واضح وقوي على انتهاكهم للقوانين الدولية في حق المواطنين العزّل.
لقد كانت الولايات المتحدة قد فرضت في السابق عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، التي فتحت تحقيقًا في جرائم الحرب. وفي نوفمبر / تشرين الثاني 2020، خلص تحقيق في جرائم حرب إلى أن “معلومات استخبارية موثوقة” أظهرت أن القوات الاسترالية الخاصة قتلت بشكل غير قانوني 39 مدنياً وسجين في أفغانستان؛ كما تعاملت تلك القوات الاسترالية مع اثنين من المدنيين بشكل غير لائق. وبعد ذلك دعت اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان (AIHRC)، البلدان الأخرى ولا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى بدء التحقيق في عمليات القتل غير القانونية المحتملة على يد القوات الخارجية في أفغانستان، لكن لم تتخذ الولايات المتحدة ولا المملكة المتحدة أي إجراء. ويقّدر “مشروع تكاليف الحرب” الذي أعدته جامعة براون أن أكثر من 46000 مدني أفغاني فقدوا حياتهم في أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة. ولم تكن الضربة الأمريكية الأخيرة بطائرة بدون طيار في كابول هي المرة الأولى التي يُقتل فيها مدنيون أفغان في غارات بطائرات بدون طيار تحت راية الحرب على الإرهاب. وتُظهر البيانات التي جمعتها مؤسسة خيرية مقرها لندن أنه بين عامي 2016 و 2020، قُتل حوالي 3977 شخصًا في غارات جوية للتحالف الأمريكي في أفغانستان، من بينهم 1598 طفلًا. ولقد أفاد العديد من الأفغان العاديين بأنهم استهدفوا أو أنهم شاهدوا العديد من الغارات الجوية الأمريكية على المدنيين، لكنهم لم يبلغوا عن ذلك. وفي عام 2010، أفادت التقارير أيضًا أن 12 جنديًا أمريكيًا كانوا يتمركزون في ولاية قندهار بجنوب أفغانستان شكلوا “فريق قتل” سريًا وقاموا باستهداف وقتل المدنيين الأفغان، وأنهم أطلق النار عليهم وانتزعوا أصابعهم كغنائم.
وعلى صعيد متصل، صرحت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية “فاتو بن سودا” أن القوات الأمريكية ووكالة الاستخبارات الأمريكية قد تكونان ارتكبتا جرائم حرب في أفغانستان، خاصة القيام بأعمال تعذيب بحق معتقلين. وأعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية مساء الاثنين الماضي أن القوات الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قد تكونان ارتكبتا جرائم حرب في حق المعتقلين في أفغانستان بين عامي 2003 و2020، وخصوصا القيام بأعمال تعذيب ومعاملة وحشية. وقالت “فاتو بن سودا” في تقرير يستند إلى أبحاث أولية، وهي مرحلة تسبق فتح تحقيق “هناك قاعدة معقولة من المعلومات تسمح بالاعتقاد أنه خلال استجواب هؤلاء المعتقلين، لجأ عناصر من القوات المسلحة الأمريكية وسي آي إيه إلى أساليب تشكل جرائم حرب”. ومن المفترض أن تقرر المدعية العامة سريعا ما إذا كانت ستطلب من القضاة فتح تحقيق في هذه الجرائم التي تشتبه في أنه تم ارتكابها من جانب عناصر في القوات المسلحة الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وعناصر من القوات الحكومية الأفغانية. وسيكون من الواجب تحديد ما إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية مختصة للتحقيق في هذه الجرائم المزعومة.
واستنادا إلى العناصر التي في حوزتها، تعتقد المدعية العامة أن عناصر من القوات المسلحة الأمريكية أخضعوا “ما لا يقل عن 61 معتقلا للتعذيب والمعاملة الوحشية، والاعتداء على كرامة الإنسان على الأراضي الأفغانية”. وبحسب تلك العناصر أيضا، فإن أعضاء في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “قد يكونون أخضعوا 27 معتقلا على الأقل” لتلك الأساليب أيضا على الأراضي الافغانية وعلى أراضي بلدان أخرى أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية مثل بولندا ورومانيا وليتوانيا”. وشددت المدعية على أن هذه المزاعم “لا تتعلق فقط بحالات معزولة”. ورأت أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن هذه الجرائم “تم ارتكابها تنفيذا لسياسة أو عدد من السياسات الهادفة إلى الحصول على معلومات من خلال أساليب الاستجواب المستندة إلى طرق قاسية أو عنيفة هدفها خدمة الأهداف الأمريكية في النزاع بأفغانستان”.
لقد تكبد التحالف العسكري الدولي ما يزيد عن 3500 قتيل منذ 2001م بينهم حوالي 2400 أمريكي بحسب بيانات الكونجرس الأمريكي، وأصيب أكثر من 20 ألف جندي أمريكي بجروح، ويقدر موقع مهتم بحصر أعداد الضحايا أن عدد القتلى 3577. وبلغ قوام قوات الأطلسي الذروة في أفغانستان عام 2011م عندما زاد عدد الجنود الأجانب عن 130 ألف جندي أجنبي من 51 دولة حليفة وشريكة في أفغانستان، ومنذ 2003م يدرب الحلف مئات الألوف من الجنود الأفغان وضباط الشرطة، وتضمن ذلك إنشاء قوة جوية أفغانية. ولقد نشرت ألمانيا ثاني أكبر قوة عسكرية في أفغانستان بعد الولايات المتحدة، وفي ولاية قندوز معقل طالبان في شمال أفغانستان، فقدت ألمانيا عددا من الجنود في المعارك يفوق أي مكان آخر في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولقد أنفقت الولايات المتحدة وحدها أكثر من 140 مليار دولار في شكل مساعدات لأفغانستان منذ عام 2002م حسبما تشير بيانات الكونجرس. وقدرت وزارة الدفاع (البنتاجون) تكلفة العمليات القتالية الأمريكية بما في ذلك دعم القوات الأفغانية بما يزيد عن 820 مليار دولار في المدة الزمنية نفسها. ولا تزال أفغانستان واحدة من أشد دول العالم فقرا، وتحتل المرتبة 169 بين 189 دولة على مؤشر التنمية البشرية الذي نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمتوسط عمر متوقع 64 عاما ونصيب للفرد من الدخل القومي الإجمالي يبلغ 2200 دولار.
المصدر/ الوقت