التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

تصريحات ماكرون المسيئة للجزائر.. استمالة لليمين المتطرف أم تغطية على أزمات فرنسا الأخرى 

استنكرت الجزائر، السبت، تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضدها، وعدتها “مساسا غير مقبول” بذاكرة أكثر من 5 ملايين مقاوم قتلهم الاستعمار الفرنسي.

جاء ذلك في بيان للرئاسة الجزائرية، ردا على تصريحات لماكرون وصفت بـ”المسيئة” حول الفترة الاستعمارية للجزائر والوضع الداخلي في البلد الأخير.

وحسب البيان، الذي نقله التلفزيون الرسمي، فإن تصريحات ماكرون “تمثل مساسا غير مقبول بذاكرة 5 ملايين و630 ألف شهيد ضحوا بأنفسهم عبر مقاومة شجاعة ضد الاستعمار الفرنسي” بين عامي 1830 و1962م.

وأضاف إن “جرائم فرنسا الاستعمارية، التي لا تعد ولا تحصى، هي إبادة ضد الشعب الجزائري، وهي غير معترف بها (من قبل فرنسا)، ولا يمكن أن تكون محل مناورات مسيئة”. ولفت إلى أن التصريحات المنسوبة للرئيس الفرنسي “لم يتم تكذيبها رسميا”.

وأوضح أن الجزائر “ترفض رفضا قاطعا التدخل في شؤونها الداخلية كما ورد في هذه التصريحات، وأن الرئيس عبد المجيد تبون قرر الاستدعاء الفوري لسفير الجزائر بفرنسا محمد عنتر داود للتشاور”.

وكانت صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية نقلت تصريحات قالت إن ماكرون أدلى بها أثناء استقباله يوم الخميس الماضي أحفاد عدد من الشخصيات التي كان لها دور في حرب استقلال الجزائر.

وتحدث ماكرون -وفقا للصحيفة- عن “تاريخ رسمي” للجزائر “أعيدت كتابته بالكامل”، “وهو لا يستند إلى حقائق” إنما يتكئ على “خطاب يرتكز على كراهية فرنسا”.

وطعن ماكرون في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي للبلاد عام 1830، وتساءل مستنكرا “هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟”.

ورأى أن الجزائر كانت تحت استعمار آخر قبل الاستعمار الفرنسي، في إشارة إلى الحقبة العثمانية بين عامي 1514 و1830.

وقال “أنا مفتون برؤية قدرة تركيا على جعل الناس ينسون تماما الدور الذي لعبته في الجزائر والهيمنة التي مارستها والقول إن الفرنسيين هم المستعمرون الوحيدون وهو أمر يصدقه الجزائريون”.

وفي السياق أعلنت الجزائر، السبت، استدعاء سفيرها في باريس “من أجل التشاور”، حسب التلفزيون الرسمي. ولم يذكر التلفزيون أسباب القرار، لكنه نقل عن رئاسة الجمهورية استدعاء السفير محمد عنتر داود، وقال إن بيانا عن حيثيات الاستدعاء سيصدر لاحقا‎.

ورجحت وسائل إعلام جزائرية، بينها صحيفتا “النهار” و”الشروق”، أن يكون للاستدعاء علاقة بتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نقلتها صحيفة “لوموند”، ووصفت بأنها “مسيئة”.

واستكمالاً للإجراءات الجزائرية أفادت مصادر مطلعة بأن الرئيس عبد المجيد تبون قرر إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام جميع الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل في إطار عملية “برخان”، واكد الجيش الجزائري حظر الطائرات العسكرية الفرنسية التحليق في أجواء الجزائر.

وأوضحت المصادر ان عبور الطائرات العسكرية الفرنسية إلى منطقة الساحل عبر الأجواء الجزائرية “امتياز ممنوح لفرنسا منذ فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وظل ساري المفعول لمدة 4 سنوات”.

وأضافت إن “هذا القرار سيؤثر بشدة على العمليات العسكرية الفرنسية ويصحح خطأ استراتيجيا للرئيس السابق”، كما سيؤدي إلى “تباطؤ التعاون العسكري الفرنسي الجزائري في الأسابيع القليلة المقبلة”. ولم يتم الحصول على تعليق من الحكومة والجيش الجزائريين على اسباب إغلاق المجال الجوي.

وتأتي تصريحات ماكرون تتويجاً لما قالته فرنسا الأسبوع الماضي إنها ستخفض عدد التأشيرات المتاحة لمواطني بلدان المغرب العربي، وهو الأمر الذي دفع الجزائر إلى الاحتجاج رسميا.

وحسب وسائل اعلام جزائرية أعاد الرئيس الفرنسي، العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى مربع البداية، بتصريحات مستفزة، في خطوة فاجأت المراقبين، مثلما كشفت مدى هشاشة العلاقات الثنائية الموبوءة بالعديد من الملفات المسمومة.

كما قال مصدر في الحكومة الجزائرية إن التعليق على وجود الجزائر كأمة أثار الغضب على نحو خاص. ومعظم النخبة الحاكمة في الجزائر منذ الاستقلال من قدامى المحاربين في حرب التحرير من فرنسا.

وقال وزير جزائري سابق “نتفهم أن ماكرون يخوض حملة انتخابية وأنه يريد الحصول على دعم اليمين المتطرف بكل الوسائل مثل إهانة تاريخ الجزائر… هذا غير مقبول بالنسبة لنا”.

كان واضحا من خلال كلام الرئيس الفرنسي، أن مشروعه الموسوم بـ”تهدئة صراع الذاكرة”، والذي أوكله للمؤرخ الفرنسي، بنجامان ستورا، لم يؤت أكله لحد الآن، وهو الذي راهن عليه منذ انتخابه في عام 2017، لأن الطرف الجزائري لم يساير الخطوات الفرنسية التي بقيت من جانب واحد، فيما بدا تحفظا عن المشروع وعما قام به ستورا على صعيد الذاكرة، الذي يعتبر ملفا جد حساس بالنسبة للجزائريين.

وما يعزز هذه القراءة، هو وجود قناعة لدى الرئيس الفرنسي بأن ملف الذاكرة، أو بالأحرى هزيمة فرنسا عسكريا وأخلاقيا أمام الجزائر في حرب مدمرة، يغذي أنفة وطنية غير قابلة للتنازل أو للمساومة، تحت أي مبرر كان، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمستعمرة السابقة، التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لسحب هذه الورقة من الطرف الجزائري.

ويرى الجزائريون ان الأخطر من كل هذا، هو انحدار الرئيس الفرنسي إلى مستوى سحيق من الانحراف في النقاش، بشكل جعله يشكك حتى في وجود أمة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي في عام 1830، وكأن الجزائر كانت أرضا مستباحة، عندما راح يتساءل: “هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ هذا هو السؤال”، تصريح تفوح منه رائحة اللا مسؤولية من مسؤول يرغب في استرضاء شرذمة من اليمينيين، من أجل البقاء في قصر الإيليزي، ولو على حساب مبادئ الاحترام المتبادل بين الدول.

وتأتي تصريحات ماكرون في وقت تشهد فيه العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الجزائر وباريس توتراً وفتوراً، رافقهما نزيف اقتصادي لدى شركات فرنسية غادرت البلاد، ولم تجدد السلطات الجزائرية عقودها.

هذه التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي تعيد فتح كتاب كامل تحوي فصوله أزمات يمكن وصفها بأنها “علامة مميزة لماكرون”، منها ما يخص الجزائر وحلف الناتو، ومنها ما يخص الإسلام والمسلمين.

وكان تحليل لمجلة Worldpoliticsreview ألقى الضوء على دوافع ماكرون وأهدافه منذ وصوله إلى الرئاسة، مركزاً على اعتقاد الرئيس الفرنسي بقدرته على استعادة “أمجاد فرنس”ا كقوة فاعلة أوروبياً ودولياً، بالسير على خطى شارل ديغول وفرانسوا ميتران.

لكنّ كثيراً من المحللين والمراقبين داخل وخارج فرنسا يشككون في قدرة ماكرون على تحقيق أي من تلك الاطماع، مدللين على ذلك بفشل الرئيس الفرنسي في أغلب الملفات الخارجية التي تصدّى لها، وخصوصاً في مستعمرات فرنسا السابقة، التي يفترض أن باريس تتمتع فيها بنفوذ تقليدي.

وبالتالي يطرح هنا تساؤل مهم بشأن تصريحات ماكرون “المستفزة” بشأن ماضي الجزائر وحاضرها، فهل أراد ماكرون إشعال حريق جديد يغطي على أزمة الغواصات لاستمالة أصوات اليمين المتطرف في السباق الانتخابي؟.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق