هل القرار الأممي الأخير يخدم قضية الصحراء الغربية
– اعتمد مجلس الأمن الدولي صباح الجمعة القرار 2602 (2021) في جلسة مفتوحة والذي يدعو إلى تمديد بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الاستفتاء في الصحراء الغربية المعروفة باسم “مينورسو” لمدة سنة جديدة تنتهي بتاريخ 31 تشرين الأول /أكتوبر 2022.
وقد صوت لصالح القرار الذي أعدته الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها حاملة القلم في موضوع الصحراء الغربية، 13 عضوا بينما صوتت كل من روسيا وتونس بـ”امتناع”.
وقالت مصادر دبلوماسية موثوقة أن روسيا كسرت الصمت وطلبت من الولايات المتحدة قبول بعض التعديلات على النص الأصلي ما أدى إلى تأخير التصويت لمدة 24 ساعة إضافية لكن الولايات المتحدة رفضت التعديلات وأصرت على تقديم مشروع القرار للتصويت اليوم علما أن ولاية بعثة المينورسو تنتهي يوم الأحد القادم.
المندوب الروسي أشار إلى أن بلاده صوتت بـ”امتناع” لأن ملاحظاتها على النص لم تؤخذ بعين الاعتبار وأن النص الحالي لا يأخذ بعين الاعتبار التطورات الخطيرة التي حدثت في المنطقة منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2020. وهذا قد لا يساعد المبعوث الخاص الجديد لإطلاق عملية سياسية للبحث عن حل مرض للأطراف يضمن حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية.
وقال إن روسيا تؤكد على موقفها من دعم المفاوضات المباشرة بين أطراف النزاع بحيث يكون المخرج النهائي يرض المغرب والبوليساريو ويضمن حق تقرير المصير للشعب في الصحراء الغربية انسجاما مع قرارات الأمم المتحدة وميثاق الأمم المتحدة.
وفي لقاء مع الصحافة المعتمدة، أكد السفير المغربي عمر هلال أن المغرب يعمل على تنمية المناطق الصحراوية بمشاركة السكان المحليين. أما بالنسبة للوضع السياسي فسكان الصحراء يشاركون بشكل واسع في التطورات السياسية حيث شارك نحو 69% من ساكنة الصحراء في الانتخابات الأخيرة في أيلول/سبتمبر الماضي.
وأضاف السفير هلال أن ساكنة الصحراء في عملية البناء والتنمية حيث تقوم المغرب الآن ببناء أكبر ميناء في مدينة الدخلة بقيمة مليار دولار أمريكي. وقال إن جامعة كبيرة للعلوم الطبية والصيديلة انطلقت في العيون في الأول من تشرين الأول/أكتوبر الحالي. “قارن ذلك بما تقدمه الجزائر والبوليساريو لسكان مخيمات تندوف”.
وقال إن الموقف الأمريكي في عهد بايدن لم يتغير عن موقف سلفه ترامب في الاعتراف بمغربية الصحراء. وأكد أن بلاده ستتعاون مع المبعوث الخاص الجديد للأمين العام وستستجيب لدعوات اللقاء مع كافة الأطراف المعنية.
وقدمت سفيرة جنوب أفريقيا سفير البوليساريو سيدي محمد عمار الذي ألقى بيانا مطولا أمام الصحافة المعتمدة . وجاء فيه أن جبهة البوليساريو بصدد تقييم قرار مجلس الأمن الذي تم تبنيه اليوم وكذلك انعكاساته على الوضع على الأرض وعلى عملية الأمم المتحدة للسلام برمتها، وسيتم الإعلان عن بيان عام بهذا الشأن في الوقت المناسب.
وقال ما أود أن أشير إليه الآن هو أن هناك وضعاً غير مسبوق في الصحراء الغربية منذ 13 نوفمبر 2020 بسبب الانتهاك الخطير لوقف إطلاق النار لعام 1991 والاحتلال غير الشرعي للتراب الصحراوي.
وقال إن الأعمال المغربية في الصحراء الغربية قد أدت إلى إنهاء ما يقرب من ثلاثين عاماً من وقف إطلاق النار ما أدى بالتالي إلى انهيار عملية السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية وإشعال حرب جديدة ستكون لها عواقب وخيمة على السلم والاستقرار في المنطقة بأسرها. وقال إن الجبهة ستمارس “حقها المشروع في الدفاع عن النفس لمواجهة العدوان المغربي والدفاع عن حقوق وسيادة بلدنا”.
وقال إن مجلس الأمن، الذي يتحمل المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين، لم يقم بفعل أي شيء على الإطلاق لمواجهة عواقب الانتهاك المغربي لوقف إطلاق النار مما يعطى الانطباع وكأنه لم يحدث هناك أي شيء خطير.
وأضاف سيدي محمد عمار قائلا إن امتناع الاتحاد الروسي وتونس اليوم عن التصويت، يعبر بوضوح عن تحفظات جدية بخصوص نص وروح القرار الذي تم تبنيه. كما أن امتناعهما عن التصويت يبعث برسالة قوية جداً إلى أولئك الذين يسعون إلى الانحراف بعملية السلام في الصحراء الغربية عن المعايير الثابتة والمتفق عليها بالإجماع.
وقال: “ونتيجة لذلك، فإن مجلس الأمن يكون قد حكم مسبقاً بالفشل على مهمة المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية، السيد ستافان دي ميستورا، ما من شأنه أن يقوض بشكل خطير آفاق إعادة تفعيل عملية السلام ويطيل أمد حالة الجمود الراهنة”.
وفيما يتعلق بموقف جبهة البوليساريو بخصوص وقف إطلاق النار، قال “أود أن أقول بصوت عالٍ وواضح إنه لن يكون هناك أي وقف لإطلاق النار جديد ما دامت دولة الاحتلال المغربية مستمرة، ومع الإفلات التام من العقاب، في محاولاتها لفرض الأمر الواقع الاستعماري بالقوة في الأراضي المحتلة من الجمهورية الصحراوية”.
واختتم سفير البوليساريو بيانه قائلا: “تؤكد جبهة البوليساريو، التي ظلت ملتزمة التزاماً كاملاً بالتوصل إلى حل سلمي، أن السبيل الوحيد والواقعي والعملي للتقدم باتجاه تحقيق حل سلمي وعادل ودائم هو تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه غير القابل للتفاوض في تقرير المصير والاستقلال بحرية وديمقراطية وفقاً لمبادئ الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ذات الصلة”.
ويرى أستاذ العلوم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة مولود معمري بتيزي وزو الدكتور محمد عمرون، أن القرار الأممي الأخير حول النزاع في الصحراء الغربية، يؤكّد مرة أخرى الحالة التي يريد مجلس الأمن أن يعالج بها هذه القضية، لإطالة أمدها وانتظار أوضاع دولية مغايرة لحلحلتها.
واعتبر عمرون، أن مجلس الأمن عاجز عن اتخاذ قرار صارم، صادق وعادل، في نفس الوقت يتوافق مع القرارات الأممية السابقة.
وأفاد المتحدث، أن القرار الأممي الأخير حول النزاع في الصحراء الغربية يتطابق مع روح عمل الأمم المتحدة، بحيث يراعي التوازنات ولا يقدّم حلولا فاصلة ونهائية للأزمات والنزاعات الدولية.
وفي نفس السياق، أضاف أستاذ العلوم السياسة ، أنّ القرار لا يخدم حل النزاع بقدر ما يعقّده، خاصة وأنّه لم يتناول التطورات الأخيرة المهمة والمتعلقة بخرق المغرب لاتفاق وقف إطلاق النار، وهو خرق ميداني يجري بالكركرات، وذلك ابتداء من 13 نوفمبر 2020 وما نتج عنه من عودة إلى الحرب في الأراضي الصحراوية بين جبهة البوليساريو والمغرب، وهو ما يعكس عدم استقرار المنطقة.
و أوضح عمرون، أنّ تعاطي الأمم المتحدة مع هذه المستجدات، يؤكّد أنّها لا تريد الانخراط فعليا في حل النزاع، وإنما نيتها إدارته إلى ما لا نهاية. وأشار ذات المتحدّث، إلا أنّ تعيين دي ميستورا حتى وإن بدا متأثرا بهذا القرار الذي لا يسمح له بالكثير من الحرية في أداء مهامه طالما أنّ القرار ليس مشجعا للبوليساريو أن تعود إلى طاولة المفاوضات، لكن رغم ذلك فإنّ تمديد بعثة المينورسو تؤكّد أنّ النزاع لا يزال قائما ومتواجدا في أروقة الأمم المتحدة، ويحتاج إلى حل، عكس ما يدعيه النظام المغربي أنّ هذا النزاع قد انتهى.
وفي سياق متصل، قال عمرون، إنّ الملفت للانتباه خلال جلسة مجلس الأمن الأخيرة هو امتناع بعض الدول عن التصويت، بعدما كانت اغلب القرارات تؤخذ بالإجماع عندما يتعلق الأمر بملف الصحراء الغربية، فقد بدا واضحا خلال السنوات الأخيرة، أن هناك امتناع للعديد من الدول وعلى رأسها روسيا، التي تعتبر عضوا ثقيلا في مجلس الأمن وتملك حق الفيتو، فهي تتجه شيئا فشيئا إلى معارضة الطريقة التي تتم فيها معالجة هذا الملف، بالإضافة إلى ذلك تونس التي امتنعت هي الأخرى عن التصويت، وهذا أمر مهم باعتبارها دولة مغاربية، كانت دائما تمارس الحياد الإيجابي فيما يتعلق بالصحراء الغربية، وهو ما يعني أن تونس هي الأخرى قد التحقت بركب الدول الإفريقية الرافضة لطريقة معالجة النزاع الصحراوي المغربي، وهي اليوم تعبّر صراحة بالامتناع عن هذا القرار الهش، والذي بدون شك لا يخدم القضية الصحراوية ولا الشعب الصحراوي، بل يعزّز للأسف الشديد الاحتلال، ولكن بالمقابل يزيد من خطر عدم استقرار المنطقة.
المصدر/ الوقت