طالبو اللجوء وسط تجاهل تام من قبل الغرب المدافع عن حقوق الإنسان کذباً
أزمة المهاجرين الجديدة على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، أبرزت مرةً أخرى قضية طالبي اللجوء ونهج الاتحاد الأوروبي تجاه هذه القضية.
حيث حاول الآلاف من طالبي اللجوء عبور الحدود بين بيلاروسيا وبولندا إلى الحدود الأوروبية في الأيام القليلة الماضية، لكن المواجهة الشرسة بين الجيش البولندي وحرس الحدود حوَّلت وضع اللاجئين إلى أزمة شاملة.
وتظهر الصور المؤلمة التي تم نشرها للمهاجرين غير الشرعيين على الحدود البولندية مرةً أخرى أن أوروبا عرضة لهذه المشكلة، ومعاملة قوات الأمن القاسية لطالبي اللجوء أظهرت مرةً أخرى ازدواجية المعايير وزيف خطاب حقوق الإنسان الغربي.
الوضع المزري لطالبي اللجوء والسياسة الصارمة للاتحاد الأوروبي
أثيرت أزمة المهاجرين الجديدة على الحدود بين بيلاروسيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا بجدية منذ 8 نوفمبر 2021.
القضية هي أن عدة آلاف من المهاجرين اقتربوا من الحدود البولندية عبر بيلاروسيا ورفضوا المغادرة، وحاول بعض طالبي اللجوء حتى كسر الحواجز والأسلاك الشائكة لکن واجهتهم الشرطة البولندية بشدة.
وفي هذا الصدد، اتهم الاتحاد الأوروبي الرئيس البيلاروسي “لوكاشينكو” بإرسال المهاجرين عمداً إلى الحدود مع لاتفيا وليتوانيا وبولندا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، سعياً للانتقام من تصعيد العقوبات.
وهناك الآن تقارير تفيد بأن المئات من طالبي اللجوء، الذين عبروا الحدود البولندية عبر بيلاروسيا على أمل الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، اقتحموا الأسوار الحدودية وقطعوا الأسلاك الشائكة.
وبحسب وكالة أسوشيتيد برس، دمر طالبو اللجوء جزءًا من السياج الحدودي نتيجة الهجوم الذي عارضه بشدة حرس الحدود البولنديون، لكن حرس الحدود منعوا دخول طالبي اللجوء من خلال بناء جدار بشري.
کما أرسلت وارسو المزيد من قوات الأمن والشرطة للسيطرة على الأزمة على الحدود الشرقية للبلاد. وقد أدت هذه المواجهة إلى تفاقم الأزمة على الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي.
طبعاً، تجدر الإشارة إلى أن المسؤولين البولنديين أعلنوا في أواخر أكتوبر عن عزمهم نشر 2500 جندي، لمساعدة حرس الحدود وحماية الحدود من المهاجرين غير الشرعيين. وقررت بولندا مؤخرًا إرسال اللواء العاشر المدرع بدبابات “ليوبارد” إلى مدينة “بايلا بودلاسكا” على الحدود مع بيلاروسيا.
هناك الآن أدلة على الوضع المزري لطالبي اللجوء على الحدود البيلاروسية البولندية. هذا على الرغم من حقيقة أنه وفقًا لإحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن أزمة اللاجئين المتدهورة في تصاعد منذ عام 2014.
حيث ينتظر العديد من طالبي اللجوء شهورًا وربما سنوات على الحدود للحصول على تصريح لدخول بلد المقصد ويصبحون نازحين، ويفقدون حياتهم أحيانًا في طريق الهجرة؛ غير مدركين أنهم غالبًا ما يكونون ضحايا صراعات على السلطة بين الحكومات، وما يحدث الآن على حدود بيلاروسيا هو مثال واضح على الانتهاك السياسي واستغلال طالبي اللجوء.
تزايد النزوع إلی النزعة اليمينية
خلقت أزمة المهاجرين مشاكل كبيرة للبلدان الأوروبية على مدى العقود القليلة الماضية.
فمن ناحية، أصبحت قضية طالبي اللجوء أداةً سياسيةً لدول مثل تركيا أو مؤخرًا بيلاروسيا، يمكن من خلالها الضغط على الدول الأوروبية. حيث تعدّ إعادة فتح الحدود أمام المهاجرين الذين يدخلون الاتحاد الأوروبي، مشكلةً كبيرةً تم استغلالها أحيانًا خلال نزاع تركيا مع الأوروبيين.
ومن ناحية أخرى، أدت قضية طالبي اللجوء أيضًا إلى انقسامات عميقة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي. إذ لا تقبل بعض دول الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي قوانين الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة، وأهم مثال على ذلك هو بولندا. وقد أصبح هذا أيضًا تحديًا كبيرًا للوحدة في الاتحاد الأوروبي.
لكن الأهم من ذلك، أن أزمة المهاجرين قد زادت مرةً أخرى من احتمالية صعود النزعة اليمينية والعنصرية في الدول الأوروبية.
فعلى الرغم من أن قضية الأحزاب والتيارات السياسية اليمينية التي تواجه طالبي اللجوء ليست بقضية جديدة، إلا أن التيارات المتطرفة تتزايد الآن أكثر من أي وقت مضى، وتكتسب أصوات المواطنين.
مؤخرًا، على سبيل المثال، قال السياسي الفرنسي جوليان أودول يوم الجمعة، إنه سيكون من الأفضل للمهاجرين على الحدود البيلاروسية البولندية أن يموتوا من البرد بدلاً من السماح لهم بدخول أوروبا. ومن وجهة نظر مجموعة واسعة من اليمينيين، فإن مهمة أوروبا هي دعم الأوروبيين في المقام الأول، وليس غير الأوروبيين.
وفي الآونة الأخيرة في فرنسا، رأينا “إريك زيمور” مقدم قناة سي نيوز الإخبارية، المعروف باسم ترامب فرنسا، يجتذب الرأي العام من خلال ترديد شعارات عنصرية والتحريض على الكراهية العنصرية.
حتى أن المراقبين السياسيين يعتقدون أن زيمور من المرجح أن يكون قادرًا على تعطيل التنافس بين الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون والقومية اليمينية المتطرفة مارين لوبان.
ولا يقتصر هذا الوضع على فرنسا، بل هناك أدلة على أنه في المستقبل القريب، في بلدان مثل ألمانيا وهولندا وغيرها، سيكتسب اليمين المزيد من القوة.
إزدواجية المعايير الغربية تجاه قضية المهاجرين
إن الطريقة التي تعاملت بها الدول الأوروبية مع طالبي اللجوء في السنوات الأخيرة، تظهر بوضوح ازدواجية معاييرها في التعامل مع حقوق الإنسان وقضية اللاجئين.
نشرت وسائل الإعلام الغربية، على سبيل المثال، مرارًا وتكرارًا تقارير هادفة وكاذبة ومضللة حول وضع اللاجئين الأفغان في إيران، زاعمةً انتهاك حقوقهم في إيران.
وتأتي هذه المزاعم الكاذبة في وقت استضافت فيه إيران دائمًا ملايين اللاجئين الأفغان على مدى العقود القليلة الماضية، الذين أجبروا على الفرار من ديارهم نتيجة الحروب التي يشعلها الغربيون في بلدهم.
في الواقع، في حين أن سياسات التدخل الغربية في العديد من المناطق الأقل نموًا في آسيا وأفريقيا، كانت أحد الأسباب الرئيسية للحرب وانعدام الأمن والتوترات العرقية والطائفية في هذه المناطق وظهور أزمة اللاجئين، ولكن كما نرى اليوم في أفغانستان، لا يتحمل الغربيون أدنى مسؤولية عن العواقب الكارثية لسياساتهم، وكمطالبين، يعتبرون الآخرين مسؤولين عن تحمل عبء تكاليف إجراءاتهم وأفعالهم.
وفي هذا الصدد، أكد مجيد تخت رافانتشي، الممثل الدائم لجمهورية إيران الإسلامية لدى الأمم المتحدة، في وقت سابق من هذا الشهر(تشرين الثاني/نوفمبر)، أن إيران تستضيف أشقائها الأفغان دون تلقي موارد جديدة من المجتمع الدولي تقريبًا.
وهکذا، فإن ما نراه اليوم على حدود أوروبا ضد المهاجرين هو انعكاس كامل لواقع حقوق الإنسان علی الطريقة الغربية، حيث أدرك طالبو اللجوء متأخراً سراب الوصول إلی حياة مزدهرة في بلاد الغرب.
المصدر/ الوقت