خارطة طريق لتعاون طويل الأمد بين إيران وتركيا… المتطلبات والمصالح
وصل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى طهران الأحد 15 نوفمبر، في إطار زيارة رسمية للقاء مسؤولين سياسيين في جمهورية إيران الإسلامية.
إلتقى جاويش أوغلو خلال الزيارة بوزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان والرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي. وتأتي زيارة وزير الخارجية التركي إلى طهران في وقت طغى فيه مستوى من الخلافات في الرأي على العلاقات بين البلدين.
يقرأ العديد من المراقبين السياسيين زيارة جاويش أوغلو إلى طهران، على أنها استمرار لنهج هذه الدولة في تهدئة التوترات مع الجهات الفاعلة الأخرى في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا.
وجرى خلال لقاء جاويش أوغلو مع المسؤولين الإيرانيين مناقشة مجموعة من القضايا المهمة، من بينها تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية، ومناقشة العقوبات على إيران، والوضع في أفغانستان، والتطورات في المنطقة.
في غضون ذلك، كانت إحدى القضايا المهمة التي ناقشها الجانبان خلال هذه الزيارة، تتعلق بوضع خارطة طريق للتعاون طويل الأمد بين إيران وتركيا.
في الواقع، أشار كل من جاويش أوغلو وأمير عبد اللهيان إلى الحاجة إلى تشكيل مجموعات عمل واجتماعات متخصصة لرسم خارطة طريق. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما هي المتطلبات التي تتطلبها خريطة الطريق للتعاون طويل الأمد بين إيران وتركيا؟ وما هي الفوائد التي ستجلبها لكلا الجانبين؟
من أجل معالجة هذه الأسئلة، من الضروري أولاً تسليط الضوء علی الجو العام للعلاقات الإيرانية التركية قبل زيارة جاويش أوغلو إلی طهران.
خارطة طريق طويلة الأمد في خضم خلافات دامت عقدًا من الزمن
تأتي زيارة أحمد جاويش أوغلو إلى طهران في وقت ظهر فيه مستوى من الخلافات حول مواقف الجانبين بشأن الأزمات الإقليمية، في السنوات التي تلت عام 2011، وبعد عدة سنوات من العلاقات الجيدة والتعاون الكبير بين حزب العدالة والتنمية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
في غضون ذلك، كانت الأزمة السورية وسياسة تركيا ضد الحكم الشرعي لبشار الأسد بين عامي 2011 و 2016، سبب الخلافات بين الجانبين أکثر من أي قضية أخرى.
في السنوات القليلة الماضية، أدت أزمة كورونا وطموحات رجب طيب أردوغان لتصدير الطاقة، وكذلك تطور العلاقات مع دول مثل الصين وروسيا، إلى انخفاض كبير في مستوى العلاقات بين إيران وتركيا بمختلف أبعادها، ولا سيما في المجال الاقتصادي.
كما أن زيارة جاويش أوغلو لطهران مهمة بعد التطورات في منطقة جنوب القوقاز والتوترات الدبلوماسية بين باكو وأنقرة مع طهران، وذلك بسبب توقيف السائقين الإيرانيين وإيقاف وتفتيش حافلات وشاحنات تحمل لوحات ترخيص الجمهورية الإسلامية على طريق جورس-قبان قادري، لأن تركيا هي بلا شك مديرة التطورات في كاراباخ.
من جهة أخری، أدت التوترات اللفظية بين الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف وإيران في الآونة الأخيرة، نظرًا لقرب باكو من أنقرة، إلى زيادة توتر العلاقات الدبلوماسية بين إيران وتركيا.
ومجموع هذا الوضع جعل من الممكن الادعاء بجرأة أن الحديث عن خارطة طريق طويلة المدى في التعاون بين إيران وتركيا خلال زيارة جاويش أغلو إلى طهران، قد أثير في سياق الخلافات في المواقف تجاه ملفات المنطقة.
متطلبات ومصالح خارطة الطريق طويلة المدى بين إيران وتركيا
على الرغم من أن الخلافات بين إيران وتركيا حول القضايا الإقليمية واضحة ولا يمكن إنكارها، لكن في ظل الوضع الحالي، يبدو أن الحكومة التركية، في إطار مواصلة استراتيجيتها الإقليمية لتهدئة التوترات مع مختلف الجهات الفاعلة، تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع طهران كما قبل تفشي كورونا.
وفي هذا الصدد، نرى أن مولود جاويش أوغلو، في مؤتمره الصحفي مع وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، اتخذ موقفاً متعاطفاً مع إيران في مسألة العقوبات والقضية النووية، مؤكداً: “نحاول عقد هذا الاجتماع في أقرب وقت ممكن. ويجب التوقيع على العديد من الوثائق فيه، ووضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق للتعاون بين البلدين في المستقبل. مسؤولو البلدين على اتصال وتشاور مع بعضهم البعض، وسيتم تحديد الموعد النهائي للاجتماع من خلال المشاورات والاتفاقيات التي ستجرى”.
كما أعرب وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان ووزير الخارجية التركي عن أملهما في أن تتم زيارة الرئيس التركي لطهران في المستقبل القريب، بهدف عقد الاجتماع السابع للمجلس الأعلى للتعاون بين البلدين.
واعتبر عبد اللهيان أنه من المفيد صياغة وثيقة شاملة حول التعاون بين البلدين، مضيفاً أن “تسهيل التجارة والاستثمار وتنمية التعاون الاقتصادي لهما أهمية كبيرة في العلاقات بين البلدين”. کما أكد وزير الخارجية الإيراني خلال الاجتماع على التعاون بين البلدين، في حماية البيئة وإدارة الموارد المائية المشتركة.
حقيقة الأمر هي أن جمهورية إيران الإسلامية أظهرت دائمًا أنها في مسألة تعزيز العلاقات مع جيرانها، وخاصةً الحكومة التركية، لم تحدد أبدًا حدوداً، وشددت دائمًا على تطوير التعاون بشکل متزايد.
لکن في الوضع الحالي، يتطلب رسم خارطة طريق للتعاون طويل الأمد في العلاقات بين البلدين، بالإضافة إلى المجالات الموضوعية مثل تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري، تعديل سياسات أنقرة على المستوى الإقليمي.
على رجال الدولة الأتراك أن يدركوا أن لطهران اعتباراتها الخاصة في معادلات وأزمات إقليمية مهمة، مثل ناغورنو كاراباخ والأزمة السورية واليمن وما إلى ذلك.
ولذلك، فإن التقارب في المواقف وحتى التعاون بين البلدين في مواجهة أي من الأزمات، يمكن أن يكون شرطًا مسبقًا للدخول في خارطة الطريق لتعاون طويل الأمد واستراتيجي مع إيران.
على مستوى آخر، من المهم ملاحظة أن رسم خارطة طريق طويلة الأمد بين إيران وتركيا يمكن أن يكون ضروريًا ومفيدًا لكلا الطرفين.
إن الطريقة التي تعاملت بها الدول الغربية مع تركيا على مدى العقود القليلة الماضية، أظهرت أن الولايات المتحدة وأوروبا لن تقبلان بتركيا أبدًا كحليف استراتيجي وحقيقي لهم. حتى التناقضات بين سياسة تركيا الخارجية والغرب على مدى العقد الماضي، أوضحت للجميع أن أنقرة ليس لديها حل سوى التقارب مع الشرق.
يبدو أن السياسيين الأتراك يدركون أنه سيتم فرض المزيد من العقوبات الغربية على هذا البلد في المستقبل القريب. ومجموع هذه الظروف يشير إلی أن تقارب تركيا وتعاونها الاستراتيجي مع إيران، كلاعب قوي على المستوى الإقليمي، يصبّ في مصلحة البلدين.
المصدر / الوقت