نظرة على سياسات السعودية تجاه لبنان… من دعم الکيان الإسرائيلي في حرب الـ 33 يوماً إلى تدمير الاقتصاد اللبناني
العلاقة بين السعودية ولبنان لها تاريخ طويل؛ بالطبع، ليس من خلال التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، ولكن من خلال تدخل الرياض أحادي الجانب في لبنان والضربة التي وجهتها إلى البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذا البلد.
بعد ترسيخ قوة حزب الله في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني، ازداد النفوذ السعودي في لبنان مع مرور الوقت من خلال دعم رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، وكذلك إشراف الرياض على اتفاق الطائف بعد الحرب الأهلية اللبنانية، وصولاً إلی دعم الرياض للجماعات الإرهابية وتمويل الحروب التي اندلعت في المنطقة ضد المقاومة.
وفي الوقت الحاضر أيضًا، فإن هدف السعودية في لبنان واضح تماماً: اتهام حزب الله بأنه السبب في انهيار الأوضاع في لبنان، وكذلك مواجهة نفوذ المقاومة في المنطقة.
نستعرض في هذا التقرير بإيجاز السياسات والممارسات السعودية في لبنان، ومدى تدخل الرياض في شؤون هذا البلد الداخلية على مختلف المستويات:
السياسات السعودية في لبنان في عهد رفيق الحريري
كان رفيق الحريري من أغنى رجال الأعمال العرب، وكان يتمتع بمكانة عالية واحترام بين عائلة آل سعود قبل رئاسته للوزراء، وفي عام 1978 حصل على الجنسية السعودية.
ثم ازدادت مکانته لدی السعوديين بعد أن أصبح رئيس وزراء لبنان في عام 1992، ويعتقد الكثيرون أن رفيق الحريري كان شخصيةً سعوديةً ولم يکن يحمل الجنسية اللبنانية.
في ذلك الوقت، كان المشروع السعودي في لبنان واضحًا تمامًا: على المسلمين السنة أن يحكموا هذا البلد، وأن يُطرد الفلسطينيون من الأراضي المحتلة ويستقروا في لبنان بموجب اتفاقية سلام مع الکيان الصهيوني.
الهيمنة السعودية على قرارات لبنان في عهد رفيق الحريري وسياساته المالية الخاطئة، التي كانت بالكامل تحت السيطرة السعودية، أدت إلى خلق ظروف يمكن رؤية نتائجها الآن بوضوح في الأزمة المالية والاقتصادية اللبنانية.
وفي الواقع، كان الهدف من كل هذه السياسات السعودية المنظمة، هو إخضاع اللبنانيين لمشروع التسوية مع الکيان الصهيوني.
الإستفزاز لاندلاع حرب أهلية في لبنان
لضمان استمرار الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً، قدمت السعودية الدعم المالي للمسلحين التابعين لزعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وزودتهم بالأسلحة.
محاولة اغتيال السيد محمد حسين فضل الله
إزداد تأثير دور السعودية في لبنان خلال الحرب الأهلية في البلاد، وبعد الغزو الصهيوني للبنان، ازداد دور الرياض التآمري، كما تجلى ذلك في محاولة اغتيال “السيد محمد حسين فضل الله” في 8 آذار (مارس) 1985.
في 8 آذار (مارس) 1985، حوالي الساعة 4:40 مساءً، فجرت مجموعة من المرتزقة الصهاينة سيارةً مفخخةً في منطقة “بئر العبد”. وبهذا التفجير حاولوا اغتيال المرحوم العلامة السيد محمد حسين فضل الله. وقد خلَّف الانفجار 80 شهيداً، أكثر من 40 منهم من النساء والأطفال.
في كتابه “الحجاب”، يقتبس بوب ودورد، المؤلف المتخصص في الحروب الأمريكية، من ويليام كيسي، مدير مركز وكالة المخابرات المركزية في بيروت آنذاك، كاشفاً عن طرق تمويل اغتيال الراحل العلامة فضل الله.
قال كيسي في هذا الصدد، إن الخطة جاءت بعد لقاء بينه وبين “بندر بن سلطان بن عبد العزيز”، سفير السعودية لدى الولايات المتحدة آنذاك، في مقهى بواشنطن.
في هذا الاجتماع، تم تحديد العلامة فضل الله كعنصر غير مرغوب فيه في السياسة الأمريكية، وقرر الحاضرون التخلص منه.
وهكذا، قدم بندر بن سلطان شيكاً بثلاثة ملايين دولار لأجهزة المخابرات الأمريكية، لتمويل اغتيال العلامة فضل الله.
التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية من بوابة اتفاق الطائف
تُعرف اتفاقية الطائف باسم وثيقة الاتفاق الوطني اللبناني، وهي المرجع الأول للشعب اللبناني للسلم الأهلي بعد الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عامًا.
تم توقيع الاتفاقية في مدينة الطائف السعودية في 22 أكتوبر 1989. وبحسب الاتفاقية، لم يعد منصب رئاسة الجمهورية وصياً علی البلاد وقرارات الحكومة، وتُرك تحديد اختصاص رئيس الوزراء لأعضاء مجلس النواب.
كما نصت اتفاقية الطائف على أن رئيس الوزراء هو الذي يجري المشاورات النيابية بهدف تشكيل الحكومة، وهكذا، وبدعم من السعودية، ازدادت صلاحيات رئيس الوزراء في لبنان، الذي ينتمي إلی الطائفة السنية، ومدعوم من الرياض، بالتوازي مع تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية.
أدوات السعودية في لبنان
في الحقيقة، لولا الدعم السعودي لما استطاع رفيق الحريري البقاء في السلطة في لبنان لفترة طويلة.
في الواقع، بفضل هذا الدعم تمكن الحريري من تشكيل أكبر کتلة برلمانية عام 1992، والتي سيطرت على جميع قرارات وقوانين البلاد. ومن عام 1992 إلى عام 1998، اتبع رفيق الحريري سياسةً اقتصاديةً في لبنان سيطرت عليها السعودية، وأدت إلى زيادة الدين العام للبنان بمقدار 15.7 مليار دولار.
ومن تشرين الأول 2000 إلى 2004، دخل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ساحة لبنان، وبسبب السياسات الخاطئة والعمياء للحكومة اللبنانية آنذاك، أفلست البلاد بالكامل.
لكن فيما يتعلق بقضية إسکان الفلسطينيين في لبنان، كشف الرئيس اللبناني ميشال عون في مقابلة تلفزيونية عام 2008 عن وثيقة سرية للغاية، كانت مرتبطةً بتصريحات رفيق الحريري الخاصة والسرية في 17 كانون الثاني (يناير) 2000، والتي ألقاها بحضور بعض الشخصيات اللبنانية في منزله.
وبحسب الوثيقة، قال رفيق الحريري إنه لا توجد إمكانية للهروب من توطين الفلسطينيين في لبنان، وإنه من مصلحة لبنان تسوية جميع ديونه من خلال توطين الفلسطينيين.
يشكل هذا الإجراء الإطار العام للأجندة السعودية، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية للبنان، من المستوى السياسي والاقتصادي إلى المستوى الاجتماعي وحتى البيئي.
إغتيال رفيق الحريري عام 2005 وتداعياته
في عام 2004، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 1559 للضغط على سوريا بسبب دورها في دعم المقاومة اللبنانية، ودعا إلى انتخابات رئاسية حرة في لبنان وانسحاب جميع القوات الأجنبية من البلاد والقضاء على القوات المسلحة، بما في ذلك حزب الله.
وبعد ذلك بوقت قصير، في فبراير 2005، اغتيل رفيق الحريري، مما أدى إلى انقلاب على الوجود السوري في لبنان، وتحت ضغط دولي متزايد، سحبت سوريا قواتها من لبنان في أبريل 2005.
بعد اغتيال رفيق الحريري، قاد نجله سعد تحالفاً باسم 14 آذار من الأحزاب المناهضة لسوريا المدعومة من الدول الغربية والسعودية. كما احتشد حلفاء سوريا في تحالف أطلق عليه اسم 8 آذار، أعقبته حملة سياسية بين التيارين في لبنان استمرت حتى يومنا هذا.
الدعم السعودي للغزو الإسرائيلي للبنان عام 2006
خلال حرب تموز (يوليو) 2006 بين لبنان والکيان الإسرائيلي، زادت السعودية مشترياتها من الأسلحة الأمريكية بمقدار 2.6 مليار دولار.
يقول المفكر والقاضي والمؤرخ المصري “طارق البشري” عن صفقات السلاح السعودية الأمريكية خلال حرب تموز (يوليو) 2006 بين لبنان والکيان الصهيوني: خلصنا في ذلك الوقت إلى أن الحكومة السعودية قدمت مليارات الدولارات لمصانع الأسلحة الأمريكية، بينما توفر هذه المصانع أسلحة وذخائر لإسرائيل من أجل قتل اللبنانيين.
وهكذا، أصبحت العلاقة بين السعودية وحزب الله أكثر توتراً خلال حرب تموز (يوليو) 2006، ووصفت السعودية اختطاف حزب الله لمقاتلين صهيونيين بأنه مغامرة غير مدروسة.
والواقع أن السعودية دعمت الکيان الصهيوني خلال هذه الحرب، وكان موقف الرياض هو تبرير العدوان الإسرائيلي على لبنان. كما كانت الآلة الإعلامية السعودية في خدمة الصهاينة بشكل كامل.
بالإضافة إلى ذلك، كانت الرياض راعياً رئيسياً لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنته حكومة الولايات المتحدة آنذاك، من خلال وزيرة الخارجية في ذلك الوقت كوندوليزا رايس.
الحرب مع المقاومة في 7 مايو 2008
بعد انتصار المقاومة في حرب تموز (يوليو) 2006، شن رئيس الوزراء اللبناني آنذاك فؤاد السنيورة هجوماً واسعاً على شبكة اتصالات حزب الله في عام 2008.
وفي 6 أيار / مايو، صدر بيان عن الحكومة اللبنانية آنذاك جاء فيه أن مجلس الوزراء قرر إعلان عدم شرعية شبكة الاتصالات التي أنشأها حزب الله، والتي تتخذ شكل اعتداء على سيادة لبنان حكومةً وشعباً. وعليه، يجب ملاحقة جميع الأجهزة والشركات والشخصيات المنتسبة لشبكة حزب الله هذه.
فجّر هذا القرار الوضع في لبنان في 7 أيار (مايو) 2008، ولکن تم إحباط مؤامرة 14 آذار ضد المقاومة بإجراءات حزب الله.
أساليب التدخل السعودي في لبنان في عهد سعد الحريري
أساليب التدخل السعودي في لبنان مختلفة وتشمل المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والقضائية في هذا البلد.
عقوبات السعودية ضد لبنان استمرت في الارتفاع خلال العقد الماضي، حتى توترت العلاقات بين الرياض وسعد الحريري بشكل غير مسبوق.
دخل عداء السعودية مع لبنان مرحلةً جديدةً بعد احتجاز سعد الحريري في الرياض عام 2017، وإصدار بيان تحت ضغط سعودي ضد حزب الله واستقالته من منصب رئيس الوزراء اللبناني في السعودية.
وبعد ذلك، كانت احتجاجات أكتوبر 2019، والعقوبات الأمريكية على لبنان، والقيود المفروضة على لبنان بموجب قانون قيصر 2020، مجالاً جيدًا للسعودية لاستغلال الأجواء المتوترة في لبنان.
وفي مارس 2021، حظرت الرياض استيراد الخضار والفواكه من لبنان بحجة ضبط شحنة مخدرات في شاحنة فواكه تمر عبر لبنان، ووجهت اتهامات ضد حزب الله في هذه القضية.
وضع حزب الله على لائحة التنظيمات الإرهابية
وفي عام 2016، أعلن مجلس التعاون وجامعة الدول العربية حزب الله منظمةً إرهابيةً بأمر من السعودية. ومنذ ذلك الحين، تحرض السعودية دولًا مختلفةً، بما في ذلك حلفاؤها، على الضغط على حزب الله ومحاصرته. كما عملت الرياض بجد داخل لبنان لمنع الجماعات اللبنانية من التحالف مع حزب الله.
إنتشار الإرهاب في لبنان
تزامناً مع التطورات الميدانية في سوريا بعد اندلاع الأزمة عام 2011، والحرب الإرهابية العالمية عليها، والتي لعبت فيها السعودية دورًا مهمًا، درست الرياض إطلاق جبهة جديدة للإرهابيين في شمال لبنان، وبالطبع الفكرة الأولية لهذا العمل تم طرحها من قبل مؤسسة قريبة من الكيان الصهيوني.
وقد سمحت هذه الخطوة السعودية للجماعات السلفية المحلية وآلاف النازحين السوريين بدخول الصراع في لبنان، وفتح الطريق أمام الإرهابيين لدخول هذا البلد.
من ناحية أخرى، في عام 2014، بدأت عناصر من تنظيم داعش الإرهابي التكفيري، المدعوم مباشرةً من السعودية، عملياتها في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ومن بين الإجراءات السعودية الأخرى ضد لبنان في العقود القليلة الماضية، يمکن الإشارة إلی إشعال الأزمة الاقتصادية في لبنان، ومحاولة نشر الفكر الوهابي في البلاد، والتدخل في الشؤون العسكرية، وإطلاق حملات إعلامية مناهضة للمقاومة، وهو الأمر الذي وصل الآن إلى ذروته بمقاطعة لبنان بذريعة نشر تصريحات وزير الإعلام اللبناني “جورج قرداحي” بشأن الحرب في اليمن.
بشكل عام، مشكلة السعودية في لبنان تكمن في وجود جماعات المقاومة وحركات التحرير، بما في ذلك حزب الله، ومطلب الرياض النهائي في المنطقة هو ضمان أمن الکيان الصهيوني وخدمة المشاريع الأمريكية، حتى على حساب تدمير الأمتين العربية والإسلامية.
المصدر/ الوقت