بعد مليونية 17 نوفمبر الدامية.. الأوضاع في السودان إلى أين
شهد السودان یوم الأربعاء الماضی أكثر أيامه دموية منذ انقلاب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وذلك بمقتل 14 متظاهرا معارضاً للحكم العسكري، فيما عزل السودانيون عن العالم بقطع خدمات الهواتف والإنترنت بالكامل.
و نزل عشرات الآلاف من السودانيين مجددا إلى الشوارع أمس الأربعاء رغم إغلاق جسور العاصمة، وذلك احتجاجا على انقلاب الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر.
وكان المناهضون للانقلاب وعلى رأسهم “لجان مقاومة الانقلاب” قد دعوا في الأيام الماضية إلى التظاهر.
وتفيد معظم وكالات الأنباء نقلا عن شهود عيان أن قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع في وسط الخرطوم وفي منطقة بحري (شمال شرق) ما أدى إلى سقوط جرحى في العاصمة التي قطعت عنها كل خدمات الاتصالات الهاتفية، كما قطعت عنها شبكة الإنترنت منذ 24 ساعة.
وانتشرت قوات الشرطة والجيش بكثافة في العاصمة السودانية وكانوا مسلحين ببنادق آليه وأغلقوا الطرق المؤدية إلى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة وإلى قصر الرئاسة ومقر الحكومة. وكانت السلطات قد أعلنت مساء أول أمس الثلاثاء قرارها بإغلاق الجسور.
وتطالب الاحتجاجات التي نظمتها لجان المقاومة المحلية بتسليم كامل للسلطات المدنية ومحاكمة قادة انقلاب يوم 25 أكتوبر تشرين الأول.
وفي أحد شوارع الخرطوم الرئيسية أحرق المحتجون الإطارات ورددوا هتافات.
وحمل آخرون صور من قتلوا في احتجاجات سابقة وصور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء المدني الذي أطيح به ووضع قيد الإقامة الجبرية في منزله.
ونشرت صور الاحتجاجات في عدة مدن وبلدات منها بور سودان وكسلا ودنقلة وجنينة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأفاد شاهد من رويترز بأن خدمة الهاتف المحمول داخل السودان انقطعت الأربعاء في حين تجمع محتجون في أرجاء العاصمة الخرطوم ومدن أخرى للاحتجاج على سيطرة الجيش على البلاد.
وخدمات اتصال الهواتف المحمولة بالإنترنت معطلة في السودان منذ استيلاء الجيش على السلطة. وأدى ذلك إلى تعقيد جهود الجماعات المؤيدة للديمقراطية لشن حملة مسيرات مناهضة للجيش وإضرابات وعصيان مدني.
واثر قمع التظاهرات المناهضة للانقلاب في السودان قتل 14 شخصا الأربعاء وفق ما أعلنت لجنة الأطباء المركزية وهي نقابة مؤيدة للحكم المدني، من بنيهم 11 في ضاحية الخرطوم الشمالية حيث يواصل مئات المحتجين تحركهم.
وأوضح الأطباء أن غالبية القتلى وعشرات الجرحى الذين أصيبوا بالرصاص في العاصمة السودانية استهدفوا في “الرأس والصدر والعنق”. وكانت حصيلة سابقة أشارت إلى مقتل عشرة متظاهرين.
وقالت اللجنة، في بيان عبر صفحتها الموثقة بـ”فيسبوك”: “ارتقاء 3 شهداء في (منطقة) بحري (بالخرطوم) ومدينة أم درمان (غرب) بالرصاص الحي من جراء قمع قوات الانقلاب لمواكب (مظاهرات) مليونية 17 نوفمبر”.
وأضافت: “يرتفع عدد الشهداء اليوم إلى 14 (..) وعشرات الإصابات متفاوتة الخطورة يجري معالجتها وحصرها”.
ولم يتسن على الفور الحصول على تعقيب من السلطات الراهنة بشأن هذه الاتهامات.
وقالت الأمم المتحدة، إن الأرقام الخاصة بسقوط ضحايا في المظاهرات التي شهدها السودان، الأربعاء، “مقلقة للغاية إذا تأكدت”.
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة: “نحن في انتظار الحصول على بعض التفاصيل من زملائنا على الأرض (في السودان) لكن من الواضح، إذا تم تأكيد هذه الأرقام، فإنها مقلقة للغاية”.
وأضاف: “من الأهمية بمكان أن يُسمح للناس بالتعبير عن أنفسهم بحرية والتظاهر بحرية”. وتابع: “نحن نواصل حث السلطات العسكرية على العودة إلى الاتفاقيات الانتقالية”.
وتعليقاً على التطورات قال عبد الجليل الباشا مساعد رئيس حزب الأمة القومي إن قوات الأمن السودانية استخدمت المدرعات والرصاص الحي والمطاطي في وجه المتظاهرين السلميين من أبناء الشعب السوداني، مضيفا أن ما وقع في “شارع 44 بأم درمان يمثل حالة واضحة للعنف ضد المتظاهرين، حيث درات معركة امتدت ثلاثة ساعات بين قوات الأمن والمتظاهرين”.
وأضاف الباشا أن الشعب السوداني وصل إلى حقيقة أن “البلاد تعرف حالة انقلاب كامل العناصر مع قتل المتظاهرين واعتقال الصحفيين واحتجاز الساسة”.
وأشار الباشا إلى ان الخروج من الأزمة يقتضي عودة العمل بالوثيقة الدستورية وما يستتبعها من قرارات مرتبطة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ورفع حالة الطوارئ وعودة رئيس الحكومة المنحلة عبد الله حمدوك لممارسة مهامه السياسية كمدخل للشراكة.
وتابع قائلا: “السودان اليوم ليس أمامه سوى العودة إلى حكومة عبد الله حمدوك الشرعية، في حين أن مجلس السيادة غير شرعي ومجلس الحكومة الذي يسعى قادة الجيش إلى تنصيبه غير شرعي أيضا”.
وخلص القيادي بحزب الأمة القومي إلى أن حالات القتل المسجلة في الشارع السوداني دفعت بأبناء السودان إلى رفع شعار الإسقاط، مضيفا أن التظاهر السلمي يبقى حقا مصونا في جميع الدساتير العالمية وأن الاعتداء على المتظاهرين السلميين يمثل جريمة.
ومنذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يعاني السودان أزمة حادة، حيث أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعفاء الولاة، عقب اعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، مقابل احتجاجات مستمرة ترفض هذه الإجراءات، باعتبارها “انقلابا عسكريا”.
ويقول البرهان إن الجيش ملتزم باستكمال عملية الانتقالي الديمقراطي، وإنه اتخذ إجراءات 25 أكتوبر الماضي لحماية البلاد من “خطر حقيقي”، متهما قوى سياسية بـ ”التحريض على الفوضى”.
وقبل تلك الإجراءات، كان السودان يعيش منذ 21 أغسطس/ آب 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020.
المصدر/ الوقت