فرنسا في خدمة الإجرام.. ما علاقة الاتفاقات السريّة مع مصر
في إطار المهمة الاستخباراتية السريّة بين فرنسا ومصر والتي كانت تقودها باريس لحساب القاهرة منذ فبراير/ شباط 2016 في إطار “مكافحة الإرهاب”، كشف موقع “ديسكلوز” الإلكترونيّ الاستقصائيّ مؤخراً أنّ فرنسا تُقدّم معلومات استخباريّة للسلطات المصريّة، تستخدمها مصر لاستهداف مهرّبين على الحدود المصرية المشتركة مع ليبيا وليس جهاديين بخلاف ما هو متّفق عليه، واستشهد الموقع بوثائق دفاع وصفها بـ “السرّية” تظهر انحراف المهمّة الفرنسيّة عن مسارها من قبل الدولة المصريّة التي تستخدم المعلومات الاستخباريّة من أجل شنّ ضربات جويّة على آليات تشتبه بأنها لمهرّبين على الحدود مع ليبيا التي يبلغ طولها 1200 كيلومتراً، ما تسبب في إحراج فرنسا واتهام “القوات الفرنسيّة بأنها ضالعة في ما لا يقل عن 19 عمليّة قصف ضد مدنيين بين عامي 2016 و2018”.
بحسب الوقائع، استنجدت مصر بفرنسا قبل ما يزيد عن خمسة أعوام، إذ سافر وزير الدفاع الفرنسيّ، جان إيف لودريان، في فترة حكم فرانسوا هولاند آنذاك، إلى القاهرة مع مدير المخابرات العسكريّة الجنرال كريستوف غومارت، والتقى بنظيره المصريّ، صدقي صبحي، إذ اشترت مصر 24 طائرة مقاتلة من طراز رافال وسفينتين حربيتين مقابل 5.6 مليار يورو، وضمن تلك الزيارة بينت مصر حاجتها الملحة إلى مساعدة المخابرات الفرنسيّة الجويّة من أجل تأمين الحدود مع ليبيا التي كانت تعاني من الفوضى وانعدام الأمن في تلك الفترة، وفيما بعد تعهد وزير الدفاع الفرنسيّ حينها بتنفيذ “تعاون عمليّ وفوري”، كجزء مما أسموها “مناورة عالميّة ضد الإرهاب”.
عام 2016، انطلقت العملية العسكريّة وتم إرسال فريق من القوات الفرنسيّة بشكل سريّ إلى الصحراء المصريّة الغربيّة، على مساحة 700 ألف كيلومتر مربع تمتد من النيل إلى الحدود مع ليبيا، واليوم يؤكّد موقع “ديسكلوز” المتخصص في نشر استقصاءات محرجة للجيش الفرنسيّ، أنّ تلك المهمة تقوم من حيث المبدأ على مراقبة الصحراء المصرية الغربيّة لرصد تهديدات إرهابيّة محتملة من الأراضي الليبيّة، باستخدام طائرة مراقبة واستطلاع خفيفة مستأجرة من مديريّة الاستخبارات العسكريّة الفرنسية، وبالتالي فحص ومقارنة البيانات التي تُجمَع من أجل تقييم حقيقة التهديد وهوية المشتبه بهم، لكن سرعان ما أدرك أعضاء الفريق أنّ المعلومات الاستخباريّة المقدّمة للدولة المصرية، تُستخدم لقتل مدنيّين يُشتبه في قيامهم بعمليات تهريب.
وفي الوقت الذي باتت فيه القوّات الفرنسيّة ضالعة في عمليات قتل ضدّ مدنيّين، عبرت مديريتا الاستخبارات العسكريّة والقوّات الجوّية عن قلقهما من التجاوزات في هذه العمليّة، حسب المذكرة المسربة التي أُرسلت إلى الرئاسة الفرنسيّة في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، فيما تحدّثت مذكّرة أخرى بتاريخ 22 كانون الثاني/ يناير 2019 أرسلت لوزير القوّات المسلّحة، فلورنس بارلي، قبل زيارة رسميّة لمصر مع الرئيس الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، عن وجود حالات مؤكّدة لتدمير أهداف اكتشفتها الطائرة الفرنسيّة، وتقول المذكّرة إنّه “من المهمّ تذكير الشريك بأنّ طائرة المراقبة والاستطلاع الخفيفة ليست أداة استهداف.
وفي هذا الخصوص، يؤكّد موقع “ديسكلوز” أنّه لم يتمّ توقيع أيّ اتّفاق في هذا الاتّجاه، كما أنّه لم تتمّ إعادة النظر بهذه المهمّة، مضيفاً أنّ الجيش الفرنسيّ ما زال منتشراً في الصحراء المصريّة، فيما قالت وزارة الجيوش الفرنسيّة مؤخراً، أنّ “مصر شريك لفرنسا نُقيم معها علاقات في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في خدمة الأمن الإقليميّ وحماية فرنسا”، وزعمت أنّه “لأسباب واضحة تتعلّق بالسلامة والكفاءة، لن تعطي مزيداً من التفاصيل بشأن طبيعة آليّات التعاون المُنَفّذة في هذا المجال”، مطالبة بفتح تحقيق بشأن المعلومات التي ضجت بها وسائل الإعلام.
ومن الجدير بالذكر أنّه رغم الادعاء الفرنسيّ بالرغبة في إعادة تركيز صادراتها من الأسلحة، تُعدّ مصر أحد المُتلقّين الرئيسيّين للمعدّات العسكريّة الفرنسيّة، وقد تعزّزت هذه المبيعات بشكل كبير مع وصول الرئيس المصريّ، عبد الفتاح السيسي، إلى السلطة عام 2014، ولا سيما بين العامين 2014 و 2016 من خلال بيع مقاتلات رافال وفرقاطة وأربع طرّادات وناقلتين مروحيات “ميسترال”، وفي كانون الأول/ ديسمبر 2020 استقبل ماكرون السيسي ومنحه وسام جوقة الشرف، الذي يُعد من أرفع الأوسمة الفرنسيّة، حيث أثارت الخطوة الفرنسيّة مواقف غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، في بلد تتهمه المنظمات غير الحكومية بانتهاك حقوق الإنسان واستخدام أسلحة ضد المدنيين.
في النهاية، لا تخفي بعض وسائل الإعلام الفرنسيّة الحقيقة السياسة لبلادهم، وتؤكّد دوماً أنّه عندما يتعلق الأمر بالتسامح مع الاستبداد، فإن المثال السيء يأتي من الأعلى في إشارة إلى “قصر الإليزيه”، حيث اعتاد الرئيس الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، التعامل مع الطغاة والديكتاتوريين، خاصة عندما يكونون زبائن جيدين لصناعات الأسلحة الفرنسيّة، كما أنّ الرئيس الفرنسيّ ووزير خارجيته يرفضون رؤية الواقع الاستبداديّ الدمويّ لنظام ما، لأنه يشتري أسلحة فرنسيّة، ويصمتون في وجه جرائم ديكتاتور لكنه زبون جيد.
المصدر / الوقت