التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 25, 2024

الصومال شوكة في حلق الإمارات.. لا إفراج عن الأموال المحتجزة ولا استسلام للاستعمار الحديث 

على الرغم من اعتذار رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي، للإمارات عن حادثة احتجاز أموال تابعة لها في عام 2018، إلا أن العلاقات بين مقديشو وأبوظبي لن تعود لمسارها الطبيعي في الوقت الراهن وذلك بسبب الصراع بين الرئيس الصومالي ورئيس حكومته ويبدو أن أعلى هرم الدولة الصومالية لا يرغب حالياً في استعادة العلاقات مع الإمارات.

صراع بين الرئيس ورئيس الحكومة وتصريحات متضاربة

الجمعة 7 يناير 2022، أعرب رئيس الوزراء الصومالي، محمد حسين روبلي، عن سعي بلاده لفتح صفحة جديدة مع الإمارات، مقدماً اعتذاره لأبوظبي، عقب توتر العلاقات بين البلدين منذ عام 2018.

وجاءت تصريحات روبلي وفق بيان نشره مكتبه الإعلامي، بمناسبة تسلُّمه حزمة مساعدات إنسانية من سفير الإمارات محمد أحمد العثمان.

وقال في التصريحات: “نعبر عن أسفنا عن تلك الحادثة (حادثة ضبط الأموال) وما سببتها من توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين”، مضيفاً أن الصومال “مستعد للإفراج عن الأموال الإماراتية التي تم ضبطها”.

وأضاف روبلي أن الصومال “تسعى إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات مع الإمارات، والتجاوز عن الخلافات السياسية السابقة بين البلدين”.

لكن بعد ساعات قليلة أصدرت الرئاسة الصومالية بياناً مخالفاً تماماً، حيث وجّه فرماجو، البنك المركزي في بلاده بعدم الإفراج عن أموال إماراتية محتجزة منذ عام 2018؛ لدخولها الدولة “بشكل غير قانوني”.

وحسب البيان قال الرئيس فرماجو: إن “تلك الأموال (الإماراتية) دخلت البلاد بطريقة مخالفة للنظام المالي في الصومال والقانون المالي الدولي، وشكلت آنذاك تهديداً لأمن واستقرار اقتصاد البلاد”.

تاريخ العلاقات الاماراتية الصومالية

تعد العلاقات الصومالية-الإماراتية تاريخية، ومرَّت بمراحل مختلفة، بدءًا من عام 1837؛ إذ كانت مناطق في شمال الصومال لها علاقات مع سلطان صقر القاسمي، ويرجع بعض المؤرخين علاقات البلدين إلى العصور القديمة؛ حيث ذكروا وثيقة “بيريبلوس” في القرن الأول الميلادي وغيرها من الوثائق الأخرى، وكشفت تلك الوثائق عن تبادل تجاري بين التجار الذين كانوا يقطنون المدن الواقعة في الساحل الشمالي للصومال والتجار الحميريين والسبئيين الذين بسطوا سيطرتهم على جزء كبير من شبه الجزيرة العربية. كما حافظت مختلف السلطنات الصومالية خلال العصور الوسطى وأوائل العصور الحديثة على علاقات وثيقة مع الممالك الأخرى التي ظهرت في شبه الجزيرة العربية.

أما في الفترة التي أعقبت استقلال الصومال وصعود الجنرال سياد بري إلى سدة الحكم 1969، فكانت هناك علاقات تربط الصومال بالإمارات؛ إذ ساندت دولة الإمارات جمهورية الصومال بتقديم معدات عسكرية للحكم العسكري الجديد، من بينها 12 طائرة حربية من طراز هوكر هنتر بريطانية الصنع للقطاع العسكري الصومالي. استمرت تلك العلاقات وانتقلت إلى الشطر الاقتصادي، فبلغ حجم التعاون الاقتصادي الصومالي-الإماراتي مراحل متقدمة في سبعينات القرن الماضي، من خلال تجارة المواشي والأيدي العاملة الصومالية إلى جانب حركة التصدير والتوريد التي تطغى على العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

بعد سقوط الدولة المركزية، عام 1991، نُشرت وحدة عسكرية إماراتية ضمن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية تحت شعار “إعادة الأمل” إلا أن هذا الشعار سرعان ما تبدد بعد غرق الرامبو الأميركي في الوحل الصومالي أواخر عام 1994.

وفي الألفية الجديدة، كان الدور الإماراتي كغيرها من دول الخليج مقتصرًا على النشاط الإنساني، عبر الهلال الأحمر الإماراتي، إلا أن ذلك الدور تضاءل مع دخول العقد الثاني من الألفية، فأصبح الغطاء الإنساني يختفي تدريجيًّا، فبرز الدور السياسي الإماراتي بقوة منذ قدوم بعثتها إلى مقديشو عام 2013، وتعيين محمد أحمد عثمان الحمادي سفيرًا فوق العادة لدى الصومال.

ما قصة الأموال المصادرة؟

في 9 أبريل 2018، أعلنت وزارة الداخلية الصومالية ضبط مبلغ مالي، قدره 9.6 مليون دولار، كان على متن طائرة من نوع “بوينغ 737” في مطار مقديشو الدولي.

وتبين سريعاً أن الطائرة إماراتية وأن الأموال كانت بحوزة سفير الإمارات محمد أحمد عثمان الحمادي، الذي اصطحب معه هذا المبلغ الضخم؛ لاستخدامه في أغراض قالت وسائل إعلام صومالية، آنذاك، إنها “غير مشروعة وخارجة عن القانون”.

وأعلنت السفارة الإماراتية في ذلك الوقت، أن الأموال تابعة لها، ولا يمكن مصادرتها، وأنها مخصصة لدفع رواتب وحدات من الجيش الصومالي في مقديشو، وإقليم بونتلاند، عملت الإمارات على تدريبهم.

أبرز مشاهد تدهور العلاقات بين الصومال والإمارات

لم يكن هذا السبب هو الوحيد لتدهور العلاقات بين الإمارات والصومال، فهذا الحادث سبقه بقرابة الشهر، تصويت برلمان الصومال لصالح حظر نشاط شركة موانئ دبي العالمية في البلاد، حيث تعمل الشركة على تطوير ميناء بمنطقة “أرض الصومال”، التي تقول إنها مستقلة عن مقديشو.

كما تبعت ذلك حوادث مختلفة، كان أبرزها في فبراير 2021، عندما أصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بياناً تعليقاً على اشتباكات اندلعت في مقديشو، بين قوات موالية للحكومة الصومالية وفصائل معارضة لها.

وأعربت الخارجية الإماراتية في بيانها، آنذاك، عن “قلقها البالغ من تدهور الأوضاع في مقديشو نتيجة اللجوء إلى العنف واستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين”.

ودعت الحكومة الصومالية التي وصفتها بـ”المؤقتة” والأطراف كافة “إلى ضبط النفس من أجل تحقيق تطلعات الصومال في بناء مستقبل آمن ومستقر يتسع للجميع”.

من جانبها، ردت الحكومة الصومالية على البيان الإماراتي، ووجهت له انتقاداً شديد اللهجة، ورد على لسان وزير الإعلام عثمان أبو بكر دبي، خلال مؤتمر صحفي، عقده في العاصمة مقديشو.

وقال دبي، في ذلك الوقت: إن “البيان الذي أصدرته الإمارات يمس الحكومة الفيدرالية الصومالية”. واتهم الإمارات بـ”التدخل في الشؤون الداخلية للصومال”.

تمويل التنظيمات المتشددة

وحسب تقرير لفريق الرصد التابع للأمم المتحدة بشأن العقوبات المفروضة على الصومال الصادر بداية العام الماضي، فإنَّ تدخل الإمارات لم يقف عند حد التشكيك في الحكومة وشرعيتها فقط، بل وصل إلى تمويل التنظيمات المتشددة المسلحة هناك، على رأسها حركة “الشباب المجاهدين”.

وذكر التقرير أن “هذا التمويل ساهم في تعميق حالة عدم الاستقرار الذي يعيشه الصومال وأوقف تعافيه التدريجي”.

وأوضح أن التمويل الإماراتي يكون بشكل غير مباشر، حيث تراجعت أبوظبي عن تنفيذ الحظر المفروض على تصدير الفحم الصومالي الذي يعد المصدر الرئيس لتمويل حركة “الشباب” الإرهابية.

وتنقل الإمارات الفحم الصومالي عبر بعض السفن من موانئ جيبوتي إلى الإمارات، من خلال تزوير بلد المنشأ لتكون جيبوتي وليس الصومال.

جاء في تقرير فريق الرصد الأممي، أن تجار الفحم يقومون باستصدار مستندات الجمارك وشهادات المنشأ المزورة لتيسير الاستيراد غير المشروع للفحم الصومالي المهرب، ووجد فريق الرصد أن النوع الأكثر شيوعاً هو مستندات المنشأ الجيبوتية المزيفة.

وكشف التقرير، أن حركة الشباب تتلقى نحو 10 ملايين دولار سنوياً من تجارة الفحم غير المشروعة، ولا تزال مدينة دبي وجهة التصدير الرئيسة.

وسبق أن اتهم البرلمان الأوروبي الإمارات بزعزعة الاستقرار في الصومال، وطالبها بالتوقف عن كل عمل من شأنه أن يهدد استقراره، وباحترام سيادته ووحدة ترابه.

وقال البرلمان الأوروبي، في بيان سابق، إن أبوظبي تواصل تقويض المكاسب الأمنية والسياسية التي تحققت في الصومال، معتبراً ذلك سبباً في الانقسام الوطني بين حكومة الصومال الفيدرالية والأعضاء بالفيدرالية.

ولمّح بيان سابق للخارجية الصومالية صدر في فبراير 2021، إلى أن الإمارات تسعى لعرقلة الاتفاق بين الحكومة من جهة ورؤساء الأقاليم والمعارضة من جهة أخرى، فيما يتعلق بآلية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ما أدى إلى تأجيل الانتخابات أكثر من مرة، دون تحديد موعد واضح لها.

التدخل الإماراتي في الصومال كان في البداية تحت ذرائع إنسانية وضمن منضمات دولية ولكن سرعان ما تحول إلى تدخل في الشأن الداخلي الصومالي ومحاولة للضغط على صناع القرار في هذا البلد الإفريقي. وهي محاولة من الإمارات لتوسيع نشاطها في القرن الأفريقي الغني بالمواد الأولية والأيدي العاملة وهو شكل من أشكال الاستعمار الحديث الذي يعارضه الصوماليون ويقف في وجهه الرئيس الصومالي.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق