التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 1, 2024

الرئيس التونسيّ ومعركته ضد “تنظيم الإخوان”.. ما علاقة اعتقال البحيري 

في ظل تداعيات الانقسام الخطرة في الشارع التونسيّ والأوساط السياسيّة في تونس، فيما يتعلق بالسياسات التي يتخذها رئيس البلاد قيس سعيد، هاجم الأخير القضاء التونسيّ، بقوله: إنّ “من وُضعوا تحت الإقامة الجبريّة، ومن بينهم الوزير السابق ونائب رئيس حركة “النهضة” الإخوانيّة، نور الدين البحيري، كان يفترض أن يكونوا في السجن، لكن القضاء رفض هذا الأمر”، مع استنكار كبير من المعارضة التونسيّة لما سمّته “حادثة اختطاف البحيري” من قبل قوات أمن بزي مدني من أمام منزله، ووضعه في مكان مجهول.

باعتبار البحيري “الصُندوق الأسود” والذّراع التي يضرب بها رئيس حركة النهضة ذات التوجهات الإخوانيّة المتشدّدة، راشد الغنوشي، خُصومه، استوقفت فرقة أمنية على متن 4 سيارات مدنية القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري، وزوجته المحامية سعيدة العكرمي، أمام منزلهما في العاصمة تونس أثناء توجههما إلى مقر عملهما، لوجود وثائق لدى السلطات التونسيّة حسب سعيد، تؤكد تورط هؤلاء في جرائم كثيرة، من بينها تزوير جوازات سفر وإجراء عمليات تسفير غير قانونيّة، وهذا ما دفع سعيد للحديث بأنّ “معاملة الموضوعين تحت الإقامة الجبرية تمت بطريقة وصفها بالإنسانية”، نافيّاً وجود خصومة مع القضاء، وداعياً في الوقت ذاته إلى استقلاليّته.

ولا يخفى على أيّ تونسيّ وبالأخص المُطلعين على الجانب السياسيّ في البلاد، مدى الخفايا والأسرار التي يملكها البحيري وهي مرهونة بمدى استقلاليّة القضاء لفتح الكثير من التحقيقات وكشف العديد المعلومات، في وقت يشدّد فيه الرئيس التونسيّ على أنّه لا يمكن تحقيق أهداف الشعب في العدل والحرية إلا بقضاء مستقل، ولا بد من توفير كل العناصر التي تمكن القضاة من القيام بمهامهم السامية في ظروف تحفظ لهم استقلاليتهم.

وفي الوقت الذي قال فيه سعيد: إنه “لا يمكن بحال القبول بتحول القضاء إلى مشروع، أو أن يتحول القضاة لمشرعيّن والأخذ بآرائهم والاستلهام من حلولهم، فلا توجد حكومة قضاة أو دولة قضاة بل هناك قضاة للدولة التونسية يطبقون القانون التونسيّ” في ما يتعلق بقضية النائب والوزير السابق البحيري ومن معه، يستمر الانقسام في الشارع التونسي بشكل غير معهود، ما يهدد بالفعل البنية الداخلية للبلاد، عبر خلق توترات في الأوساط الشعبيّة، حيث إنّ جزءاً من الشعب لا يرى ما يقوم به الرئيس ولا يمثله في بعض القرارات والإجراءات، وبالمقابل جزء آخر من الشعب وليس بهيّن يدعم وبقوة قرارات الرئيس سعيد، لهذا وبالرغم من أنّ الجميع يتحدث باسم الشعب إلا أنّ الانقسام بات شيئاً ملموساً للغاية في البلد العربيّ الأفضل من ناحية الحكم المدنيّ والديمقراطيّة السياسيّة.

ويتحدث سعيد أنّ بعض العواصم الغربيّة تحت تأثير ما أسماها بعض الدوائر الماليّة تُريد أن تقول إنّ الحكومة التونسيّة لا تحترم القانون، متسائلاً: “هل تم وضع أحد في السجن من أجل رأيه؟”، فيما تزعم جماعة الإخوان المسلمين ومن لف لفها في البلاد، أنّها تقوم بما تسميه “انتفاضة كرامة” ضد “انقلاب” يتكلم باسم الشعب ويدوس مجددا على كرامته، مدعية أنّ “روح الثورة ما زالت تنساب في قلوبهم وفي عقولهم، وأنّه لا خيار آخر إلا الديمقراطيّة”.

وتأتي تصريحات الرئيس التونسيّ عق أيام من حديث رياض الشعيبي مستشار رئيس الحركة راشد الغنوشي حول رفض النيابة العامة طلب الرئيس قيس سعيد بطاقة إيداع بالسجن ضد البحيري، وقد ركّز سعيد في تصريحاته الأخيرة على أنّه “مع عدم وجود محكمة عُليا في البلاد، فإنّ محكمة الشعب هي المحكمة العليا”، مضيفاً أنّه لم يعد ينطلي عل الشعب التونسيّ هذه الأراجيف والأكاذيب والادعاءات.

ومن الجدير بالذكر أنّ النائب عن حركة النهضة، نور الدين البحيري، أشار إلى في تصريحات وكتابات سابقة، إلى أنّه “واهم من يتوقع للحظة أن من أفتك حريته وكرامته من أشرس المستبدين والفاسدين بالدماء الزكية الطاهرة وبدموع الثكالى واليتامى والأرامل وآهات المعذبين على مر عقود يمكن أن يخضع للحكم الفرديّ القهريّ وللإذلال فما بالك بتحويل كل وطنه إلى سجن مهما كانت الوعود ومهما كان الثمن”، مضيفاً إنّ “تاريخ الشعوب علمنا أن الاستبداد قرين الفساد والظلم وأنه المدخل لخراب الدول وإفلاسها وفشلها وأن المستبد غاشم بطبعه ولن يقدر على توفير حتى زيت القلي، فما بالك بتحقيق السيادة والتنميّة والشغل والكرامة والثروة والعدل، ولا نجاة لنا من المأزق الذي تورطت فيه بلادنا يوم 25 تموز/ يوليو إلا بالتواضع والتخلص من الأنانية والانطلاق قبل فوات الأوان في حوار جديّ وتشاركي يسرع في العودة للديمقراطية في إطار الدستور الذي أقسم الجميع على احترامه وحمايته”.

من ناحية أُخرى، يُتهم البحيري بتسهيل منح رخص قيادة لشباب كانوا عائدين من بؤر التوتر التي شارك الإخوان المسلمون فيها بقوة وبالأخص سوريا وهم على علاقة وطيدة بالتنظيمات الإرهابيّة والمتشدّدة، وربما سيتم في الأيام القادمة توقيف العشرات من قيادات الإخوان لأنهم مدانون بالفعل في قضايا أخرى، وخاصة بملف الاغتيالات والجهاز السريّ لحركة النهضة، وكلها ملفات أمن قوميّ بامتياز ولا تتطلب مجهودًا كبيراً لإثباتها، ناهيك عن ملفات الفساد الماليّ وما أكثرها.

إضافة إلى ذلك، يصف البعض البحيري بـ “رجل المهمات المشبوهة” في مسيرة تنظيم الإخوان المسلمين في تونس منذ ثمانينات القرن الماضي، وبالذراع القوية لراشد الغنوشي في هندسة الألغام بطريق الخصوم، لخدمة أجنداته الشخصية، كما يعتبر العصا الغليظة التي يضرب بها رئيس إخوان تونس كل معارضيه وفقاً لمحللين كُثر للإطاحة بالحكومة، بغض النظر عن قيادة “مراكز ذباب إلكترونيّ أو حسابات وهميّة” لتشويه خصوم الغنوشي والتنكيل بهم على صفحات التواصل الاجتماعي.

في الختام، ورغم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الرئيس التونسيّ إلا أنّه يدرك مأرب رئيس كتلة الإخوان البرلمانية وهي الإطاحة به وذلك في إطار الصراع المفتوح بين الأخير والإخوان المصنفين في كثير من الدول “جماعة إرهابيّة”، وقد كشف سعيد محاولة اختراق رئاسة الجمهورية من خلال الدفع باتجاه تعيين مستشارين يدينون بالولاء لمشيخة الإخوان وعلى رأسهم الغنوشي المدين بالولاء للتنظيم الدوليّ، لهذا من غير المتوقع أن تتخلص تونس بسرعة من هذه المعضلة بالتزامن مع الوضع الاقتصادي الذي أرهق كاهل الشعب التونسيّ.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق