“إسرائيل” وسياسة القضاء على المسيحيين.. ما الحكمة من ذلك
في ظل حملات استهداف المسلمين والمسيحيين ومقدساتهم من قبل “إسرائيل” تحت مُسمى “السلام”، و ممارسة الإجرام ضد كلّ ما هو غير يهوديّ في فلسطين، اتهم بطريرك الروم الأرثوذكس في العاصمة الفلسطينيّة القدس، ثيوفيلوس الثالث، الجماعات الإسرائيلية المتطرفة بتهديد وجود المسيحيين في المدينة المقدسة، بالتزامن مع محاولات العدو الممنهجة لإضعاف وتهميش وشطب الوجود المسيحيّ من مدينة القدس المحتلة ودفعهم لمغادرتها، والدليل هو تراجع أعداد المسيحيين في المدينة المقدسة من جراء سياسات تل أبيب وظلمها للفلسطينيين على حد سواء.
هجوم شرس
في تصريحات رفضها مسؤولون صهاينة وزعموا بأنه “لا أساس لها”، أوضح ثيوفيلوس الثالث بالتزامن مع الاحتفال بعيد الميلاد المجيد للروم الأرثوذكس ، أنّ هدف الكيان الصهيونيّ هو إخراج المجتمع المسيحيّ من البلدة القديمة في القدس، بحسب مقال نشرته صحيفة “تايمز أوف لندن” مؤخراً، حيث احتل العدو الغاشم شرق القدس بما في ذلك البلدة القديمة، إلى جانب الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب عام 1967، وضم “القدس الشرقية” بعد الحرب في خطوة لم تحظ باعتراف دوليّ.
“كنائسنا مهددة من قبل الجماعات الاسرائيليّة المتطرفة”، هكذا بيّن البطريرك الذي كشف أنّ المجتمع المسيحيّ في القدس يعاني كثيرا بسبب هؤلاء المتطرفين الصهاينة، وقد أصبح المسيحيون بطوائفهم المختلفة أمام حقيقة مُرة اليوم، فقد أصبح عددهم في مدينة القدس لا يتجاوز الـ 8 آلاف مسيحيّ، بعد أنْ كانوا يفوقون الـ 35 ألف مسيحيّ عام 1948، وتعود أسباب تلك القضيّة، إلى سياسات الاحتلال المتبعة بحق المقدسيين من مسلمين ومسيحيين، إلى جانب الظروف الاقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة التي يعاني منها الأهالي نتيجة لسياسات الاحتلال العدوانيّة.
وباعتبار أنّ عدداً من العائلات المسيحيّة لم يبق لها أيّ أثر في مدينة القدس، تحدث ثيوفيلوس الثالث أنّ المسيحيين أصبحوا ضحايا جرائم الكراهيةـ فيما تتعرض كنائسهم بانتظام للتدنيس والتخريب، ويتعرض رجال دينهم للترهيب المتكرر، ما يعني أنّ ما يتعرض له المسيحيون يتعرض له المسلمون، فالتهجير عن المدينة المقدسة لم يطَل المسلمين وحدهم بل طال المسيحيين أيضاً، في وقت يُجمِع فيه الفلسطينيون بمختلف أطيافهم على أنّ العدو الغاشم يسعى بكل الطرق والأساليب العدوانيّة لطمس هويتهم الإسلاميّة والمسيحيّة.
وبالتوازي مع الممارسات الصهيونيّة المتصاعدة للتضييق وتشديد الخناق على أبناء هذا الشعب على حد سواء وتعكير صفو حياتهم، يستمر الاعتداء الصهيونيّ على المقدسات كافة وبالأخص المسجد الأقصى والذي يعبره الجميع اعتداء على المسيحيين والمسلمين في العالم، مثلما أنّ التعدي على الأوقاف المسيحيّة هو تعدٍّ على المسلمين في فلسطين التي كانت وستبقى أنموذجاً للعيش المشترك بين أبنائها، رغم التطرف من قبل العصابات الصهيونيّة.
ولا يخفى على أحد حتى حلفاء العدو، أنّ الصهاينة يستغلون هذه الفترة العصيبة على فلسطين من أجل تنفيذ مخططاتهم وجرائمهم في مدينة القدس المحتلة التي حولتها “إسرائيل” إلى مدينة أشباح بعد أن كانت تنبض بالحياة، حيث يحاول الاحتلال جعل واقع مدينة القدس أكثر مأساويّة وصعوبة، من أجل محاولة فرض السيطرة على القدس والمسجد الأقصى المبارك والبلدة القديمة، وقد أشار تقرير سابق لوزارة الخارجية الأمريكيّة، حول الحرية الدينيّة في جميع أنحاء العالم، أنّ رجال الدين المسيحيين والحجاج استمروا في الإبلاغ عن حالات يقوم فيها يهود أرثوذكس متطرفون في القدس بمضايقتهم أو يبصقون عليهم.
وإنّ الاعتداءات المستمرة التي تنتهجها القيادات الإسرائيليّة وعصاباتها، تهدف بشكل كلمل إلى إنهاء الوجود المسيحيّ كما الإسلاميّ في القدس، وسرقة العقارات والأماكن الدينيّة للمسلمين والمسيحيين ونهبا، ويعي الفلسطينيون بمختلف ألوانهم لما يُخطط لبلادهم فالمسيحيون والمسلمون أسرة واحدة وهدف واحد للصهاينة، وشراكتهم الإنسانيّة والروحيّة والوطنيّة راسخة في الدفاع عن عاصمتهم.
موقف إسرائيليّ ضعيف
ضعيف بدا الموقف الإسرائيليّ في محاولة التستر على الإرهاب الذي يمارسه بحق الفلسطينيين بمختلف مكوناتهم، حيث إن حديث تل أبيب أنّ الواقع على الأرض بالنسبة للمسيحيين يختلف تماما عن الواقع الذي وصفه البطريرك، هو مُجرد هراء في ظل تسارع المخططات الاستيطانيّة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة المحتلة والقدس خاصة في السنتين الأخيرتين من أجل محاولة وسم هوية مدينة القدس كعاصمة يهوديّة لكيان الاحتلال القاتل واغتيال أيّ مساعٍ فلسطينيّة أو دوليّة لإقامة دولة فلسطينيّة في الأراضي المحتلة عام 1967 من جهة أخرى.
والمثير للسخريّة هو بيان وزارة الخارجية في حكومة الاحتلال والتي ادعى أنّ “الاحتلال منذ تأسيسه، التزمت بحرية الدين والعبادة لجميع الأديان، وكذلك ضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة”، في وقت لا يكف فيه جنود الاحتلال المجرم عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، للهيمنة على الفلسطينيين بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لصالح الإسرائيليين اليهود، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق منهج “القبضة الحديديّة” وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، عندما صُنع هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته قيد أُنملة، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، بعد أن فرضه المستعمرون على العالم وعلى المنطقة، والتاريخ أكبر شاهد على الوحشيّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة العربيّة.
بناء على ما ذُكر، لا تفرق قوات العدو العنصريّ بين المسلمين والمسيحيين في قمع واستهداف المقدسيين، فالعدو لا يفرق بين مسجد أو كنيسة، أو أوقاف مسيحيّة أو إسلاميّة، فكل الفلسطينيين مستهدفون ويراد لهم التحول إلى عابري سبيل في وطنهم وأرضهم، لكنهم ليسوا كذلك وليسوا ضيوفاً عند أحد، فالقدس والمقدسات لهم، ولأنّهم أصحاب الأرض، مُصرّون على الدفاع عن هويتها العربيّة والإسلاميّة.
وإنّ عصابات العدو منذ بداية احتلالها لفلسطين بعكس الأكاذيب الإسرائيليّة، دأبت على مهاجمة كل سكان هذه الديار، دون النظر أو الاكتراث في مرجعياتهم الدينيّة وغيرها، فعانى الجميع من هول الممارسات العدوانيّة والاعتداءات الهمجيّة التي وصلت إلى القتل والتدمير، فلم تَسلَم المقدَّسات المسيحية الدينيّة من بطشهم، ومنذ “النكبة” عام 1948، تقبع المعالم الأثريّة وكنائس وأديرة المسيحيين تحت دائرة بطش الصهاينة ونيرانهم، فيما فشل الاحتلال الغاشم في اقتلاع الفلسطينيين والمسيحيين من جذورهم.
في النهاية، من الضروريّ على مسيحيي العالم الدفاع عن فلسطين وعن مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، لأنّ ذلك وفقاً لرجال الدين الإسلاميين والمسيحيين يُعدا واجباً إنسانيّاً وأخلاقيّاً وحضاريّاً، إضافة إلى أنّ توحد القيادة السياسيّة والفصائل الفلسطينيّة ضمن مشروع وطنيّ واحد هو أكبر صفعة للصهاينةـ تتمثل في مواجهة كل جرائم العدو والمشاريع التي تعصف بالقضية الفلسطينيّة، ومحاولات اسكات واغتيال كل من يتحدث أو يدافع عن شعبه وقضيّته وحقوقه.
المصدر/ الوقت