الضفة الغربية على عتبة الانفجار
تلقى الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ، یوم الثلاثاء، تقريراً من كبار خبراء الأمن والشؤون الاستراتيجية العاملين في معهد الأمن القومي في تل أبيب، يحذرون فيه من غياب عقيدة استراتيجية ثابتة، وأخطاء في السياسة العامة في المواضيع المركزية. وقدموا النصح له أن يؤثر على سياسة الحكومة في مواجهة التهديدات الأساسية، مشيرين إلى أن الأوضاع في المناطق الفلسطينية باتت على «شفير الغليان». وقال الخبراء إنه في الوقت الذي يتعاطى فيه السياسيون الإسرائيليون مع التهديد النووي الإيراني كتهديد مركزي، فإنهم يغفلون تهديدين كبيرين آخرين. وهما تجاهل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، والصراعات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي.
اسرائيل تغفل جميع الحلول السياسية، وتفتعل في الوقت الحالي حالة فوضى أمنية عارمة، تصاعدت مؤخرا، في الضفة الغربية، في ظل عدم محاسبة المستوطنين على جرائمهم ضد الفلسطينيين وبزعم حماية المستوطنات. وتتجلى هذه الفوضى الأمنية بمُركزي الأمن في المستوطنات، الذين لا يخضعون لمسؤولية ولا مراقبة أي جهة.
هناك مشكلة أخرى تهدد انفجار الاوضاع في الضفة، ألا وهي عجز السلطة الفلسطينية عن ادارة الاوضاع في الضفة الغربية، ولم تتمكن ولا بأي شكل من الاشكال من الدفع قدما حول الحصول على حقوق الفلسطينيين، وعوضا عن المقاومة بدأت تتجه نحو التطبيع وبعد ذلك نحو الرضوخ لكل متطلبات العدو الاسرائيلي.
وللتاريخ يجب أن نذكر السلطة بتاريخ منظمة التحرير الفلسطينية التي من خلالها كسبت السلطة الحالية شرعيتها.
احتلت منظمة التحرير الفلسطينية موقعها: «ممثلاً شرعيا وحيداً للشعب العربي الفلسطيني» منذ النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، في القمّتين العربيّتين في الجزائر وفي الرّباط، ثم في منظمة الوحدة الإفريقية، وبعدها في منظمة عدم الإنحياز، وانتهى ذلك إلى اعتراف الأمم المتحدة، ثم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ذاتها أخيراً، سنة 1993.
على أن ذلك لم يأتِ من فراغ، ولم يكن منّة من أحد. جاء ذلك الإعتراف الشامل بالمنظمة، بعد أن ترسّخ دورها هذا لدى الغالبية العظمى، الأشبه ما تكون بالإجماع عند الطّرف المعنيّ مباشرة، وهو الشعب الفلسطيني، بجماهيره: في مخيّمات اللّجوء والمنافي، وفي الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وفي المناطق المحتلة سنة 1948. تم ذلك عندما نجحت الثورة الفلسطينية، وعمودها الفقري حركة فتح، في التصدّي للسياسة الإسرائيلية، وإحباطها.
كان جوهر السياسة الإسرائيلية يقوم على خمسة أُسُس:
1ـ انكار وجود الشعب الفلسطيني كشعب له الحق في تقرير المصير، وفي الاستقلال وإقامة دولته المستقلة الخاصة به.
2ـ إن مشكلة بضع مئات الآلاف من اللاجئين الذين «هاجروا من أرض إسرائيل» بتحريض قادة الدول العربية المجاورة، هي مشكلة هذه الدول العربية، ولا تمانع إسرائيل أن تتولى الأمم المتحدة تشكيل «هيئة إغاثة» لهؤلاء اللاجئين، لبضع سنين، حيث «يموت الآباء وينسى الأولاد» حسب قول غولدا مئير.
3ـ إلحاق الضفّة الغربية، (بمدنها وقراها ومن لجأ إليها) بـ«إمارة شرق الأردن» بأي صيغة يتوافقون عليها، حيث لا علاقة لإسرائيل بهذا الموضوع.
4 ـ إلحاق قطاع غزّة، (ومن لجأوا اليه، وهم أكثر من عدد سكانه الأصليين) بالمملكة المصرية، بأي صيغة يتوافقون عليها، حيث لا علاقة لإسرائيل بهذا الموضوع ايضاً.
5ـ إخضاع مَن بقي مِن العرب الفلسطينيين داخل «خطوط الهدنة» التي تم وضعها ورسم خرائطها في اتفاقيات منفصلة مع «دول الطوق»: مصر والأردن وسوريا ولبنان، (وعددهم نحو 150 ألف نسمة) لنظام «الحكم العسكري» بهدف التضييق عليهم، ودفعهم وتشجيعهم لمغادرة مدنهم وقراهم، وتحويل من يبقى منهم الى «حطّابين وسُقاة ماء» على حد تعبير دافيد بن غوريون.
تم ذلك بفعل تضحيات آلاف مؤلّفة من الشهداء والجرحى والأسرى والمناضلين الفلسطينيين والعرب، وبفعل حنكة قيادة المنظمة السياسية، في توحيد كافة القوى والطاقات الفلسطينية المتوفّرة، والطاقات العربية الممكنة، والتحالفات المتينة على الصعيد الدولي.
ليس أمراً مفروغاً منه أن تكون منظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً. لم يكن الأمر كذلك من قبل، وليس هو كذلك اليوم، ولا في مقبل الأيام ايضا. وبقاء المنظمة «ممثلاً شرعياً وحيداً» مشروط بمواصلة النضال، واعتماد سياسة حكيمة: تجمع ولا تفرّق، تستوعب ولا تُبعد، تحشد الطاقات الفلسطينية ولا تبدّدها. وأي تصرف يخالف ذلك، او اعتماد سياسة تتناقض مع هذه المبادئ، من جانب أي فلسطيني، هو تدمير للعمل الوطني الفلسطيني، وهو خطيئة وطنية، تستوجب المحاسبة والإدانة والعقاب.
إذا لا تريد السلطة الفلسطينية المقاومة ومواجهة العدو، فإن الشباب الفلسطيني سيقاوم حتى اللحظة الاخيرة، وهم على أهبة الاستعداد لأي معركة قادمة.
المصدر / الوقت