هل انتهت صلاحية التعاون بين موسكو وتل أبيب في سوريا
توصف الأزمة السورية، التي أودت بحياة مئات الآلاف من الأرواح ووصلت نيرانها إلى دول المنطقة وحتى الاستقرار الدولي، بأنها من أعقد الأزمات في العالم في القرن الحادي والعشرين.
كان وجود المنافسة الجيوسياسية الشديدة، ولعب الأدوار بين القوى الإقليمية والدولية المختلفة، من العوامل الرئيسية لاستمرار هذه الأزمة على مدى العقد الماضي.
لكن كما أن الانتصارات الميدانية للجيش السوري وحلفائه على جبهة الإرهابيين، أعادت اليوم الاستقرار والهدوء إلى أجزاء كثيرة من سوريا، فإن استمرار هذا الاتجاه يقود نحو إغلاق القنوات الرئيسية لتدخل الجهات الأجنبية الداعمة للإرهابيين.
اليوم، إضافة إلى التراجع الحاد في دور وتأثير الدول الغربية، بقيادة حكومة الولايات المتحدة في التطورات في سوريا، يتقلص مجال الجهات المتدخلة الأخرى مثل تركيا والکيان الصهيوني أيضًا. ومن خلال مراقبة التطورات، يمكننا أن نأمل أنه في المستقبل غير البعيد، أولاً وقبل كل شيء، سينتهي الاحتلال الأجنبي وستكون جميع الأراضي السورية تحت حكم الحكومة المركزية.
وثانيًا، مع العودة الكاملة للسيادة إلى الحكومة السورية، ستنتهي فترة الانتهاك السهل لوحدة الأراضي السورية، ولا سيما من قبل الصهاينة والأمريكيين.
وفي هذا الصدد، أجرى الجيشان السوري والروسي، خلال الأيام الماضية، مناورةً جويةً مشتركةً فوق هضبة الجولان، الأمر الذي دق ناقوس الخطر للصهاينة بالنسبة لقرب نهاية الحقبة الماضية التي شهدت حرية التصرف في العمليات الجوية العدوانية في عمق سوريا.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، الاثنين الماضي، 24 يناير/كانون الثاني، في بيان أن الطيارين العسكريين الروس والسوريين قاموا بمهمة دورية جوية مشتركة، بما في ذلك طائرات روسية من طراز سوخوي 34 و سو 35 وطائرات A-50 للإنذار المبكر والتحكم، إضافة إلى طائرات ميغ 23 وميغ 29 السورية، بمحاذاة مرتفعات الجولان ونهر الفرات شمال سوريا.
وأضافت الوزارة إن طياري البلدين مارسوا في هذا التمرين المشترك مهاجمة أهداف جوية وبرية في ميدان تدريبي وسط سوريا.
ستحتوي هذه المناورة على رسائل مهمة للکيان الصهيوني حول مستقبل عمله في سوريا، خاصةً أن مسار التدريبات العسكرية للقاذفات والطائرات التحذيرية قد شمل مرتفعات الجولان، وخط وقف إطلاق النار مع إسرائيل، التي نفذت في السنوات الأخيرة غارات جوية منتظمة على مواقع مختلفة داخل الأراضي السورية من هذه المنطقة.
وتأكيدًا على ذلك، ذكرت صحيفة إسرائيل تايمز أن المسؤولين الصهاينة كانوا يحاولون فهم سبب تغيير روسيا لسياستها تجاه إسرائيل.
الصهاينة، الذين دعموا جبهة الإرهابيين من خلال العمليات العسكرية والاستخباراتية طوال العقد الماضي، لإضعاف وتفكيك عدوهم التاريخي ومواجهة تقوية محور المقاومة الذي تلعب فيه سوريا دور طريق سريع استراتيجي، مع بداية عملية هزيمة الإرهابيين ورؤية تعزيز الموقع العسكري لمحور المقاومة على طول حدود الأراضي المحتلة مع سوريا، حاولوا باستمرار إقناع روسيا بمعالجة مخاوفهم الأمنية.
وكان أهم مطلب الصهاينة في هذا الموضوع، هو مسايرة موسكو للعمليات الإسرائيلية العدوانية في عمق الأراضي السورية، واستهداف مراكز ومواقع فصائل المقاومة.
في صيف 2018 على سبيل المثال، أفادت وسائل إعلام روسية عن اتفاق بين موسكو وتل أبيب لسحب الأسلحة الثقيلة من الجيش السوري وجماعات المقاومة حتى 85 كيلومترًا(53 ميلاً) من هضبة الجولان المحتلة.
لكن اليوم، مع تحرك دمشق نحو المراحل الأخيرة من الأزمة، ستتغير أيضًا العلاقات السابقة بين موسكو وتل أبيب فيما يتعلق بالتطورات في سوريا.
الصهاينة وروسيا في تناقض كامل من حيث المصالح والأهداف الاستراتيجية في الأزمة السورية. فبينما تفكر روسيا في إعادة الاستقرار إلى سوريا والوجود طويل الأمد في هذا البلد من خلال توسيع دائرة نفوذها عبر تعزيز القوة الناعمة، فإن الاعتداءات الإسرائيلية بذرائع مختلفة أدت إلى استياء الحكومة والشعب السوري من الصمت الطويل لحليفهم(موسكو) في مواجهة هذه الاعتداءات وخاصةً أن الصهاينة يروِّجون باستمرار دعايةً إعلاميةً لتقويض التحالف بين روسيا ودمشق وطهران، ويتحدثون عن التنسيق مع روسيا في أعقاب اعتداءاتهم.
وفي هذا الصدد، وبعد عدة هجمات على ميناء اللاذقية في الأسابيع الماضية، والتي نفذت بدوافع مختلفة، من بينها المنافسة الاقتصادية للموانئ السورية مع الموانئ الإسرائيلية المهمة، أثارت وسائل الإعلام السورية تساؤلات حول أداء الروس في مواجهة هذه الهجمات، ما أدی إلی استياء الرأي العام السوري.
وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن صلاحية الاتفاقات بين موسكو وتل أبيب بشأن التحركات العسكرية الصهيونية على الأراضي السورية قد انتهت، وأن المناورات الجوية المشتركة فوق الجولان المحتل هي جرس إنذار للصهاينة لمثل هذا التطور.
بالطبع، ليس هذا هو البعد الوحيد للقضية، وبالنظر إلی تزامن التدريبات الروسية السورية المشتركة مع تصاعد التوترات بين موسكو والغرب في أوكرانيا، تكهنت وسائل الإعلام بأن الكرملين قد يقرر تكثيف المواجهات الجيوسياسية مع الغرب.
وفي هذا الصدد، فإن رسالة روسيا للصهاينة هي تحذير حول مصالح موسكو الاستراتيجية في شرق سوريا. حيث وقعت روسيا في السنوات الأخيرة عددًا من الاتفاقيات الاقتصادية طويلة الأمد مع دمشق، وخاصةً فيما يتعلق بعقود الاستثمار في قطاع النفط والغاز، إضافة إلى عقد مدته 49 عامًا في ميناء طرطوس.
وبما يتماشى مع مصالح روسيا أيضًا، وقعت موانئ سوريا وشبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها روسيا، اتفاقيات الأسبوع الماضي لتعزيز العلاقات الاقتصادية، وسوريا حريصة على استقبال المزيد من السياح في اللاذقية. وبطبيعة الحال، فإن مواجهة هجمات الكيان الصهيوني شرط ضروري لدفع وتنفيذ مثل هذه الاتفاقية.
المصدر / الوقت