خلافات في الاتحاد الإفريقي حول وجود “اسرائيل” في هذه المنظمة
تتجه الأنظار إلى قمة الاتحاد الإفريقي على مستوى الرؤساء، المزمع عقدها في الخامس من الشهر المقبل، لتحديد مستقبل بقاء الكيان الصهيوني كمراقب في المنظمة القارية، حيث تجد الجزائر نفسها رفقة دول أفريقية وعربية تدعمها في مساعيها، أمام تحدي كسب رهان تجريد الاحتلال من الصفة التي كسبتها بقرار منفرد لرئيس المفوضية الأفريقية موسى فقي.
وأدرج الاتحاد الأفريقي على رأس أجندة قمته الـ35 على مستوى الرؤساء المنتظر أن تحتضنها العاصمة الإثيوبية أديس ابابا، في 5 فبراير/شباط، مصير عضوية إسرائيل كعضو مراقب، حسب ما أعلن وزير الخارجية الإثيوبي دينا مفتي، وذلك بعد مساع وضغوط قادتها الجزائر ودول عربية وأفريقية منها مصر وتونس وجنوب أفريقيا ونيجيريا، بعدما أرجأ المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي خلال اجتماعه الأخير في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي الفصل فيه، بسبب خلافات بين الدول الداعمة لطرد الكيان الصهيوني ودول تدعم إبقاء تمتعه بصفة عضو ملاحظ.
ونجحت المساعي والضغوط التي مارستها الجزائر، إلى جانب عدد من الدول الأفريقية كجنوب أفريقيا، ودول عربية كمصر وتونس، في إدراج ملف طرد إسرائيل من عضوية الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب على رأس لائحة الملفات التي ستناقش في قمة الرؤساء الأفارقة في الخامس من شهر فبراير المقبل، في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا.
وذكر مصدر دبلوماسي جزائري، أن مساعي الجزائر منذ أشهر “تكلّلت بالنجاح” في إدراج طرد إسرائيل من الاتحاد الأفريقي في أجندة القمة الأفريقية الـ35 ومؤتمر الرؤساء ورؤساء الحكومات الأفارقة في الخامس من فبراير، مشيرا إلى أن “الجزائر ما زالت تنسق المواقف مع الدول الأفريقية والعربية الأعضاء في الاتحاد، لتحقيق هدف سحب صفة ملاحظ، التي كانت حصلت عليها إسرائيل بقرار إداري منفرد اتخذه مسؤول في الاتحاد الأفريقي”.
وفي الثالث من أوت الماضي، قدّمت سفارات سبع دول عربية أعضاء في الاتحاد الأفريقي في أثيوبيا، هي الجزائر ومصر وجزر القمر وتونس وجيبوتي وموريتانيا وليبيا، مذكرة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسي فقي، أكدت فيها اعتراضها على قراره قبول الكيان الصهيوني عضوا مراقبا في الاتحاد، وطالبت بإدراج القرار للمناقشة، لكون الطلب الصهيوني لم يتم النظر فيه وفق نظام الاتحاد، ولم يُطرح لأي نقاش أو تشاور بين أعضاء منظمة الاتحاد الأفريقي، وهو “ما يمثل تجاوزا إجرائيا وسياسيا غير مقبول من جانب رئيس المفوضية لسلطته التقديرية”.
وقادت الجزائر وجنوب أفريقيا و24 دولة أخرى حملة داخل الاتحاد للدفع نحو “مراجعة قرار انفرادي اتخذه مفوض الاتحاد موسى الفقي في جويلية الماضي، بمنح دولة الاحتلال صفة مراقب في الاتحاد”، وفي أكتوبر الماضي، وافق المجلس التنفيذي للاتحاد على طرح القرار للمراجعة والنقاش في اجتماع وزراء الخارجية الذي عُقد في الشهر نفسه، لكن في الاجتماع الأخير، قرّر رفع الملف إلى مؤتمر القمة، الذي يتوقع أن يقرّر سحب الصفة من إسرائيل، خصوصا في ظل توافق دول أفريقية كبرى، بينها الجزائر ومصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، بشأن الملف.
خطوة منح صفة مراقب للكيان الصهيوني، أفرزت تكتلات داخل أروقة الاتحاد الأفريقي بين دول، تمثل الأغلبية، ترفض انضمام إسرائيل، وأخرى تدافع عن عضويتها، وهو ما أثار المخاوف من انقسامات خطيرة، وفق ما عبر عنه رئيس الدبلوماسية الجزائرية خلال اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي الأخير بقوله “إن وزراء الأغلبية الحالية أدركوا أن الأزمة المؤسسية التي نجمت عن القرار غير المسؤول لموسى فقي تنزع إلى جعل تقسيم القارة أمرا لا رجعة فيه”. وأوضح أن “وزراء الخارجية وافقوا على طرح السؤال على قمة رؤساء دول الاتحاد الأفريقي المقرر عقدها في فبراير المقبل ويحدونا الأمل أن يكون مؤتمر القمة بمثابة بداية صحية لأفريقيا جديرة بتاريخها وألا تؤدي إلى كسر لا يمكن جبره”.
وفي السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور أسامة بوشماخ أن “قبول العضو المراقب ينبغي أن يخضع للنقاش بين الأعضاء، وفق ما ينص عليه نظام الاتحاد، وعليه فقرار السيد الفقي سابقا يعتبر تجاوزا سياسيا وإجرائيا غير مقبول، تعدى سلطة التقدير التي يمنحها له النظام”.
وربط الدكتور بوشماخ إدراج القضية في مؤتمر القادة الأفارقة بمعطيين، الأول “عدم إجماع الأفارقة حول قبول عضوية إسرائيل كمراقب”، والمعطى الثاني مرتبط بـ”خطورة الموقف من قبول عضوية إسرائيل كمراقب”. وذكّر في هذا السياق بزيارة رئيس الكونغو فيليكس تشيسكيدي، تل أبيب في 24 أكتوبر/تشرين الأول، مباشرة بعد اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي، حيث حاولت الكونغو، التي ترأس الدورة، تمرير قرار رئيس المفوضية موسى فقي، دون استشارة الدول الأعضاء، وهو ما تصدت له دول بقيادة الجزائر ونيجيريا وجنوب أفريقيا.
وتوقف المتحدث عند نشاط ودور المحدد الأفريقي في السياسة الخارجية الإسرائيلية خاصة في السنوات الأخيرة، حيث أعادت تل أبيب تكثيف نشاطها مع العديد من العواصم الأفريقية، واستطاعت “اختراق أفريقيا غربا وشرقا ثم توجهت إلى الساحل والمغرب العربي لتنهي حركتها بدعوة إثيوبيا انضمام الكيان الصهيوني إلى الاتحاد الأفريقي كعضو مراقب دون مشاورات مع باقي الدول”.
وقال المتحدث إن “إسرائيل استطاعت أن تقيم علاقات مع 46 دولة أفريقية من أصل 55، لهذا فالجزائر أمام معضلة كبيرة جراء الاختراق الناعم طيلة هذه السنوات والتي استثمرت فيه تل أبيب من مداخل عدة”.
في المقابل، يقول المحلل السياسي الجزائري إن الجزائر كثفت نشاطها على الصعيد السياسي والدبلوماسي و”اتفقت مع 13 دولة في الصيف الماضي، كان من ضمنهم دولتان كبيرتان في القارة (جنوب أفريقيا ونيجيريا )، حيث باركت هذه الدول أي خطوة تتخذها الجزائر في هذا الشأن، تبعتها خطوة أخرى في ديسمبر/كانون الأول الماضي حين احتضنت الجزائر “المؤتمر الثامن رفيع المستوى للسلم والأمن في أفريقيا “، الذي رأى فيه العديد من الخبراء مبادرة جزائرية لتأسيس “جبهة مشتركة” ضد قبول إسرائيل عضوا مراقبا في الاتحاد الأفريقي، حيث افتكت الجزائر في هذا الاجتماع دعم 20 دولة تعترض هذا القرار”.
وأشار بوشماخ إلى الزيارة التي قادت الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى كل من تونس ومؤخرا إلى مصر، معتبرا أن “السكوت عن الدور الصهيوني في شمال أفريقيا والسماح بالتوغل في القارة سيعزز من مكانة إسرائيل وهو ما لا يخدم مصر بعد تشبيك العلاقات بين تل أبيب وإثيوبيا”.
واعتبر أن جهود الجزائر لجمع الفصائل الفلسطينية وتمكين عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية “يضع الجزائر على التماس والتضاد مع المصالح الإسرائيلية”. حيث حظيت المساعي الجزائرية بإشادة فلسطينية. فأكدت حركة “حماس”، في بيان لها، تقديرها جهود الجزائر التي تتوجت بإدراج ملف طرد إسرائيل من عضوية الاتحاد على رأس لائحة الملفات التي ستناقش خلال القمة الأفريقية المقبلة في العاصمة الإثيوبية، المزمع عقدها يوم الخامس من شباط/فبراير المقبل.
واعتبرت الحركة أنّ طرد إسرائيل من عضوية الاتحاد الأفريقي “يمثّل مسألة أخلاقية بالنسبة للدول الأفريقية التي عانت هي أيضاً من الاستعمار والظلم لعقود”، مؤكدة أنّ “وجود الاحتلال في أيّ من مستويات الاتحاد إنما يتعارض مع مبادئ القارة الأفريقية وإرثها التاريخي بالتخلّص من أنظمة الفصل العنصري التي يمثلها اليوم الاحتلال الإسرائيلي بأبشع صوره، وهو يهدف إلى استغلال موارد الاتحاد وثرواته، وإذكاء نيران الحروب في القارة، لتسريع وزيادة صفقات السلاح الإسرائيلية”.
من جهته، أكد القيادي في “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” محمود الهمامي، دعم وإسناد الفصائل الفلسطينية لجهود الجزائر بشأن طرد إسرائيل من الاتحاد الأفريقي، مشيراً إلى أنّ “الجهود الجزائرية هي تأكيد للموقف الوطني والالتزام الثاتب بدعم الشعب الفلسطيني، ومنع تمدد الكيان الإسرائيلي في القارة الأفريقية”.
المصدر / الوقت