برنامج “بيغاسوس” التجسسيّ بين سندان القضاء ومطرقة الاستغلال الإسرائيليّة
في الوقت الذي بات فيه برنامج “بيغاسوس” التجسسيّ أداة بيد الاستخبارات الصهيونيّة باعتباره أحد أقوى الأسلحة السيبرانية في العالم وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أوضح محام صهيونيّ مؤخراً أنه يتعاون مع منظمة غير حكومية مَجَرية لمقاضاة الشركة التي تنتجه “إن إس أو” لاختراق الهواتف المحمولة للشخصيات البارزة والهامة على المستوى الدوليّ، بالنيابة عن صحافيين تعرّضوا للتجسس بشكل غير قانونيّ، وقد أثار هذا البرنامج الخبيث ضجة عالمية، بعدما تم الكشف عن تحقيقات موثقة أثبتت أنّه استخدم في التجسس على الهواتف الشخصية للآلاف بينهم قادة دول، كما اخترق عشرات الآلاف من الهواتف لصحفيين وسياسيين ومعارضين ورؤساء وملوك حول العالم.
دعوى قضائيّة
لا يزال برنامج “بيغاسوس” الإسرائيليّ في قلب دوامة التجسّس العالمية التي أحدثها، باعتبار أن مبيعاته باعتراف الصحافة الأمريكيّة، لعبت دوراً سريّاً في الحصول على مواقف سياسية داعمة لكيان الاحتلال الاسرائيليّ، لا سيما في التصويت داخل أروقة الأمم المتحدة، فيما يساعد البرنامج الذي طوّرته شركة تنسق مباشَرة مع الحكومة التابعة للاحتلال بالتجسس على الهواتف الذكية، من خلال اختراقها بفيروس يسمح بالحصول على الصور والمحادثات والوثائق الموجودة داخل الأجهزة الإلكترونيّة، كما أنّ الشركة التي يُزعم أنّها “خاصة” أُسست من قبل أشخاص عملوا سابقاً في الوحدة “8200”، والتي تعتبر إحدى أقوى أذرع الاستخبارات الصهيونيّة، التي يتركز عملها على التجسس على المؤسسات والأفراد في كافة الدول.
وباعتبار أنّ جريمة قرصنة هواتف الأشخاص البارزين والهامين على مستوى العالم تُعد انتهاكاً صارخاً وغير أخلاقي للقوانين والتشريعات الدوليّة ومبادئ حقوق الإنسان، تتحدث المعلومات أنّها المرّة الأولى التي يتقدّم فيها ضحايا مباشرون لصادرات التجسس التي ينتجها الكيان الغاصب، بطلب في تل أبيب لفتح تحقيق جنائي ضد الشركة تلك إضافة إلى مسؤولين صهاينة بارزين.
” جريمة كبيرة ويجب المحاسبة عليها”، هكذا يرى بعض الذين اخترقت هواتفهم من قبل الاستخبارات الإسرائيليّة، الذي يؤكدون أن هناك تنصتاً ومراقبة كاملة على كل ما يقولونه ويرسلونه، مع وجود إثباتات ووثائق تثبت وجود الاختراق الإسرائيليّ، وإن خيار الطلب من المدعي العام الصهيوني فتح تحقيق في كيفية السماح لشركة “إن إس أو” ببيع برنامجها التجسسي، حيث بات من الضروري أن تُحاسب تل أبيب على جرائمها الإلكترونيّة ومعاقبتها على ممارساتها وانتهاكها السافر لكافة الأنظمة والقوانين وحقوق الناس والمسؤولين وخصوصيتهم.
ومن الجدير بالذكر أنّ طلب فتح التحقيق جاء بالتعاون مع الاتّحاد المجري للحرّيات المدنية الذي يؤكّد أنّ “بيغاسوس” استهدف أربعة صحافيّين، فهو قادر على اختراق الكاميرا و الميكروفون في الهاتف المحمول ويحصل على بياناته بشكل كامل، وقد أوضح الاتّحاد المجري للحرّيات المدنية أنّه قدّم شكاوى إلى الوزراء المجريين الذين يشرفون على جهاز المخابرات وإلى المفوضية الأوروبيّة، فيما بينت المنظمة أنّها تعتزم رفع عدد كبير من الدعاوى القضائيّة ضد الإسرائيليين أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، باستخدام كافة الوسائل القانونيّة من أجل فَرض احترام حقوق من تم التجسس على هواتفهم في انتهاك صارخ للقانون، حيث إنّ العضو البارز في الحزب الحاكم في المجر، لاجوس كوسا، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أكّد أن بلاده استخدمت “بيغاسوس” لكن ليس بغرض التجسس المخالف للقانون على المواطنين المجريين.
ومن المستغرب بشكل كبير غض نظر مؤسسات العدالة الجنائية الدولية عن جرائم “إسرائيل” الإلكترونيّة، حيث إنّ المجتمع الدولي ومؤسساته وكافة المنظمات والشركات يجب أن تتجه نحو مقاطعة تل أبيب المتورطة في فضائح التجسس، والعمل بشكل جماعيّ ومؤثر لمساءلتها ومحاسبتها وتقديمها للعدالة الدولية، خاصة أنّ الكيان الصهيونيّ يعتبر نفسه لاعباً قويّاً في مجال الحرب الإلكترونيّة التي تشكل جزءاً أساسياً من “قوته الناعمة” ضد الدول الرافضة لاحتلاله أو التطبيع معه أو تنفيذ أوامر الحلفاء مقابل طلبات إسرائيليّة حول عدة ملفات حساسة، وقد شاهدنا هذا الموضوع في أكثر من دولة.
وما ينبغي ذكره، أنّ العسكريين والأمنيين الصهاينة يفتخرون بامتلاكهم الوحدة رقم 8200 والتي تعد من أخطر الوحدات لدى قواتهم المعتدية، وتعمل تحت مظلة جهاز المخابرات الداخليّة أو ما يطلق عليه ”الشاباك”، وهي المسؤولة عن قيادة الحرب الإلكترونيّة وجمع المعلومات الاستخباريّة، كما تقوم بشكل مستمر في تجنيد عدد كبير من الشباب ليشكلوا أكبر جيش الكترونيّ لنشر الفكر الصهيونيّ والتوغل في أعماق العالم الإسلاميّ وتسميم ثقافة وفكر المسلمين وضرب قيمهم الأخلاقية والإنسانية والعقائدية، وهم يعملون بهدوء على بث الفتن وترويج الإشاعات واستهداف الناشطين والمثقفين وتأجيج الفتن.
دور حاسم
لم يخفِ الإعلام الأمريكيّ أن البرنامج الصهيونيّ كان له بالفعل دوراً حاسماً في تأمين دعم بعض الدول العربية المعروفة في الحملة الإسرائيلية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إضافة إلى التفاوض على ما يُطلق عليها “اتفاقات السلام” التي يدرك العالم العربي حقيقتها، وهي اتفاقيات الاستسلام التي دعمها لدرجة كبيرة الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، عام 2020 وأفضت إلى تطبيع العلاقات بين تل أبيب و4 عواصم عربية هي (المنامة، وأبوظبي، والخرطوم، والرباط).
وإنّ الحديث عن تغيير المواقف السياسية لدول عدة مثل المكسيك وبنما والمجر تجاه سالب الأرض العربيّة –الجلاد الإسرائيليّ- في التصويتات الرئيسية بالأمم المتحدة بعد أن حصلت على موافقة لشراء برنامج “بيغاسوس” الذي طُرح لأول مرة في السوق العالميّة عام 2011، تحت مزاعم تعقب المجرمين والإرهابيين، إلا أن سلطات العدو استخدمت برنامجها للتجسس على الدول والأفراد البارزين ووافقت على بيع ذلك البرنامج إلى دول عدة تملك سجلاً فاضحاً في حقوق الإنسان لأهداف سياسية.
وبالاستناد إلى حقيقة أنّ الحرب الناعمة أو الإلكترونيّة باتت توازي إن لم نقل تنافس الحرب العسكريّة التقليدية، ظهر أنواع كثيرة من تلك الأسلحة في السوق الصهيونيّة، ما جعل تل أبيب تؤثر بشكل مباشر على صانعي تلك الأسلحةـ واشتراط حصولهم على تراخيص تصدير من وزارة الحرب الصهيونيّة لبيع أدواتهم خارج الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، ما يوفر لحكومة العدو فرض تأثيرها الخبيث على البلدان التي تشتري منتجات الشركات الصهيونية، رغم أن أميركا بايدن، وضعت “إن إس أو” على القائمة السوداء لواشنطن التي قالت إن لديها دليلاً على أن الشركة الصهيونيّة كانت تمكّن الحكومات الأجنبية من ممارسة “قمع عابر للحدود”.
المصدر/ الوقت