التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024

مجزرة الدالوة .. الأسباب والدلالات 

منيب السائح –

رغم كل ما قيل عن احتمال ان تتعرض المواكب الحسينية والحسينيات والمساجد في المنطقة الشرقية من السعودية لهجمات ارهابية بمناسبة احياء ذكرى عاشوراء ، الا انه كان من الصعب تصديق ذلك ، لان الشيعة في السعودية لا يُقتلون عادة ، كما يُقتل الشيعة في باكستان وافغانستان والعراق ولبنان واليمن بالسيارات المفخخة والانتحاريين والعبوات الناسفة والرشاشات والسيوف والسكاكين ، فشيعة السعودية يُقتلون بوسائل وطرق اخرى اكثر فتكا وقسوة.

ان جريمة الهجوم الارهابي بالاسلحة الرشاشة التي نفذتها مجموعة من التكفيريين العائدين من سوريا والعراق ، يوم الاثنين التاسع من شهر محرم ، على حسينية المصطفى (ص) في قرية الدالوة في الاحساء ، واسفرت عن استشهاد خمسة مواطنين شيعة وجرح العشرات وتمكن المجرمون من الفرار ، هذه الجريمة ، فاجأت المراقبين ، لمغايرتها الطريقة التي تتعامل بها السلطات السعودية شقيها السياسي والديني مع شيعة السعودية.

ان عنصر المفاجئة يكمن في ان التكفيريين والارهابيين والمتعصبين ليسوا بحاجة للمخاطرة بانفسهم لقتل الشيعة في السعودية ، لانهم يعرفون ان هذه المهمة تقوم بها السلطات السعودية نيابة عن الجميع ، فالسلطات السعودية السياسية والدينية ، حشرت ومنذ تاسيس الدولة السعودية ، مواطنيها الشيعة في مثلت اضلاعه ، الشرك والنفاق والارتباط بالخارج، وهو ما جعل هؤلاء الناس مواطنين من الدرجة الثانية  ومهمشين في مناطقهم التي تعتبر افقر مناطق السعودية رغم انها تطفو على بحر من نفط.

كانت مصيبة الشيعة في السعودية تهون لو كانوا مهمشين من قبل السلطات السياسية والامنية فقط وان سبب هذا التهميش سياسي ، لكن كارثة الشيعة تتلخص في نظرة قطاعات واسعة من المجتمع السعودي ، لهم ك”مشركين” و”منافقين،  وليسوا مسلمين بالمرة ، وهذه النظرة مستمدة من تعاليم الوهابية التي تعتبر المذهب الرسمي للمملكة السعودية ، والتي تطبق بحذافيرها على كل مناحي الحياة في المملكة  ، بل ان الوهابية تعتبر سلطة موازية للسلطة السياسية ، وان هاتين السلطتين هما اساس الحكم القائم في السعودية ، فلا يمكن فصل اي من هاتين السلطتين عن الاخرى ، ففي هذه الحاله سينهار النظام برمته.

ان ما يمنع السعوديين الغارقين في الوهابية من التعرض للشيعة ، هو اتفاق غير معلن بين المؤسسة الدينية والسياسية ، مفاده ان من الافضل الابقاء على الشيعة داخل اضلاع المثلث الذي اشرنا اليه ، وهو ما يقلص “شرورهم” و يجعلهم تحت مطرقة الخوف الدائم ، الذي يؤدي في النهاية الى تهميشهم وعزلهم وبالتالي اضمحلالهم و زوالهم على المدى البعيد، بدلا من قتلهم على الطريقة الوهابية بنسخها الباكستانية والافغانية والداعشية ، والتي قد تثير مشاكل داخلية واقليمية ودولية للسلطات السعودية هي في غنى عنها.

لا يمكن للمرء ان يدرك سبب كل هذا الحقد الاعمى على الشيعة والذي يدفع بالشاب المسلم ليفجر نفسه ، فقط ليقتل الشيعة ويتقرب بذلك لله زلفى ، الا بعد ان يطلع على كتب الوهابية وخاصة كتب ائمتهم امثال ابن تيمية وابن قيم الجوزية ومحمد بن عبد الوهاب ، وهم جميعا حنابلة ، وكذلك كتب متاخريهم وفتاواهم ومواقفهم من الشيعة .

من المعروف ان الوهابية لا ترى في الصهيونية التي تحتل ومنذ اكثر من ستين عاما اقدس مقدسات المسلمين وتحتل ارضهم وتقتل شبابهم ، اي خطر يمكن ان يهدد المسلمين ، بل على العكس تماما هناك جملة يفتخر كل وهابي باعلانها جهارا وهي “ان الشيعة اخطر على المسلمين من اليهود”، وان “الشيعة سبب تخلف المسلمين” ، وان “الشيعة هم اساس الفتن بين المسلمين”  و” ان الشيعة مشركون منافقون”  ومن “اهل البدع والاهواء” ، والى اخر الخطاب الوهابي التكفيري المعروف.

هذا الفكر الوهابي الذي انتشر في المجتمعات الاسلامية كالسرطان ، هو الذي شل قدرة الكثير من شباب الامة وافرغ ادغمتهم الا من التكفير والتطرف والعنف ، وكل هذه الطاقة السلبية الضخمة الكامنة في هذا الشباب تم توجيهها نحو هدف واحد هو القضاء على الشيعة لاغير ، وبذلك يمكن فهم البيان الذي صدر عن “داعش” الوهابية مؤخرا والذي تم التاكيد فيه على ان لا مكان للصهيونية في تفكير “الدواعش” ، ولهذا السبب لا تخشى “اسرائيل ” منهم ، بل على العكس كانت “اسرائيل ” من الجهات الرئيسية الداعمة للزمر التكفيرية الوهابية امثال “داعش” و”جبهة النصرة” في سوريا.

لهذه الاسباب ، فان المحرض الرئيسي على قتل الشيعة في حسينية المصطفى في محافظة الارهاب هي الوهابية ومشايخها الذين ينفخون ليل نهار في الفتنة الطائفية وفي اتهام الشيعة باسوء ما يتضمنه القاموس من الصفات السيئة ، ولولاهم لما وقعت الجريمة اصلا ، وان من نفذ الجريمة ليس سوى شباب جاهل مغرر بهم تم غسل ادمغتهم بهذه الترهات على انها دين ، واي دين ، ليس من عدو له الا الشيعة ومن يخالف تعاليمه.

الرسالة التي يمكن ان ترسلها هذه الجريمة الى السلطات الدينية والسياسية في السعودية ، هي انه ولى ذلك الزمن الذي كانت السعودية تصدر التكفيريين ليعثوا في ارض الله فسادا وتقتل الشيعة والسنة الذين يخالفوهم ، ويصبغون شوارع البلدان الاخرى بدماء الابرياء ، فهذه البضاعة الكاسدة الفاسدة ردت اليهم ، وعلى السلطات السعودية  ان تدفع اليوم ثمن كل الحقد والضغينة والطائفية والتكفير  الذي زرعته المؤسسة الدينية الوهابية المدعومة منها ، في عقول الاجيال السعودية ومنذ تاسيس الكيان السعودي على احتياطي ضخم من النفط والحقد.

لكن ما ذنب الشيعة المظلومين في السعودية ان يدفعوا ثمن هذا الحقد المرضي الذي انتقل من الكتب الصفراء لمجانين اعتبروا الدين يتلخص في قتل الشيعة وامتهان المراة وتعبد التخلف وكراهية الاخر والعلم والتطور ، الى رؤوس شباب مغرر به لا يعرف طريقا الى الجنة الا عبر قتل الشيعة وكل من يخالفه عقيدته من المسلمين؟.

هناك رسالة اخرى وجهتها هذه الجريمة الى السلطات السياسية والدينية في السعودية ان الشباب المتخم حقدا وطائفية لم ولن يعد يكتفي بما تمارسه  هذه السلطات ضد الشيعة في السعودية ، لذلك قاموا بما يمليه عليهم مذهبهم ، ولكن على هذه السلطات ان تعرف ان قتل الوهابية للاخر ، لن ينحصر في الشيعة ، بل سيتجاوزهم الى كل من يخالف طريقتهم للوصول الى الجنة من جيش وقوات امن ومواطنين عاديين ومن مثقفين ونخب ، فعلى السلطات السعودية ان تواجه الخطر الحقيقي الذي يفرخ هذا الارهاب ، والا تكتفي بمطاردة مجموعات من الشباب ، اذا ارادت ان تحافظ على الامن في البلاد كما تقول ، فلا امن لاي بلد في ظل الشحن الطائفي وانعدام العدل وتفشي التمييز بين ابناء الشعب الواحد.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق