“الشيخ جراح” في دائرة الاستهداف الإسرائيليّة.. ما عواقب ذلك
في ظل الهجوم المتصاعد الذي تشنّه قوات الاحتلال الإسرائيليّ على المقدسيين في منطقة “الشيخ جراح” بأشكال المختلفة، وقيام المستوطنين باستفزاز الأهالي عبر توجيه الشتائم المتواصلة لهم، وما تبع ذلك من تنفيذ عملية دهس أدّت إلى إصابة مستوطن بجروح في الحي رداً على الاعتداءات الإسرائيليّة، أبلغت حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس” الوسيط المصريّ أنّ ما يجري على الساحة الفلسطينيّة يُعد تصعيداً خطيراً لا يمكن السكوت عنه، مؤكّدة أنّ تل أبيب “تلعب بالنار من جديد”.
وتأتي تلك الأنباء عقب بضعة أيام على رسالة احتجاج شديدة اللهجة سلمتها “حماس” للمصريين، نتيجة للتطورات الميدانية المُقلقلة وبالتحديد ما يجري في الضفة الغربية، بالتزامن مع مواصلة سياسة الاستيطان والقتل المروعين التي تنتهجهما الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، بالتزامن مع فشل القاهرة بشكل ذريع في وضع حد للعنجهيّة الصهيونيّة، منذ انتهاء الهجوم الصهيونيّ الفاشل على قطاع غزة المحاصر في أيار/ مايو المنصرم، والذي استمر 11 يوماً بسبب رد المقاومة على الاعتداءات الممنهجة في الحي نفسه، في فرض معادلة متزنة ومستمرة لوقف التصعيد الصهيونيّ المتكرر من مختلف النواحي.
وضع خطير
جاهداً يسعى العدو الصهيونيّ المجرم لمصادرة منازل الفلسطينيين في حي “الشيخ جراح” بالقدس المحتلة، من خلال كافة الوسائل وبالأخص هدم بعض المنازل فيه، خاصة بعد انتصار المقاومة الفلسطينيّة في معركة “سيف القدس” والضربة القوية التي وجهتها “حماس” والفصائل الفلسطينيّة للمحتل الصهيونيّ الباغي، والانتصار الكبير للفلسطينيين باعتراف الإعلام العبريّ نفسه وفشل المصريين في وقف الاعتداءات الصهيونيّة، حيث تؤكّد حماس أنّ إخلاء الفلسطينيين من حيّ الشيخ جراح “خط أحمر تعرف المقاومة كيف ترد عليه”، في تهديد جديّ من المقاومة الفلسطينيّة التي شدّدت مراراً على أنّ محاولة فرض أيّ معادلات جديدة من قِبَل الاحتلال على الفلسطينيين باتت وراء ظهورهم.
ومنذ يومين يسود التوتر هذا الحيّ بسبب اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال على أهالي الحي والمقدسيين المتواجدين في المكان، وذلك استمراراً للنهج الإسرائيليّ العنصريّ بحق الشعب الفلسطينيّ، حيث تواصل قوات العدو اعتداءاتها وهدم ومصادرة منازل السكان في الشيخ جراح المقدسيّ، بعد أن طردت شرطة العدو الإسرائيليّ في الفترة الأخيرة أسرة فلسطينيّة من منزلها وهدمته في عدوان خطير لفتت انتباه المجتمع الدوليّ وأثارت حفيظته، نتيجة لعودة “إسرائيل” إلى أساليبها التصعيديّة التي أشعلت معركة “سيف القدس”.
ومع تزايد احتمال أن تقلب الأمور رأساً على عقب في أي لحظة، تعود الحملة الإسرائيليّة الشرسة للاعتداء على الفلسطينيين وطردهم من منازلهم شرق العاصمة الفلسطينيّة القدس، لأنّ تل أبيب تحاول عبر كافة الوسائل طرد الفلسطينيين بشتى ألوانهم من عاصمة بلادهم، تحت مُسميات زائفة وواهية وممارسة الإجرام ضد كلّ ما هو غير يهوديّ في فلسطين وبالأخص في مدينة القدس، ضمن سياسات الاحتلال المتبعة بحق المقدسيين إلى جانب الظروف الاقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة التي يعاني منها الأهالي نتيجة لسياسات الاحتلال العدوانيّة، لتهجيرهم عن مدينتهم المقدسة، في وقت يُجمِع فيه الفلسطينيون بمختلف أطيافهم على أنّ العدو الغاشم يسعى بكل الطرق والأساليب العدوانيّة لطمس هويتهم وصبغها صبغة يهوديّة.
لذلك، حذرت حركة الجهاد الإسلامي أيضاً “إسرائيل” من “فجر الأوضاع برمتها بسبب تكرار الاعتداءات في الشيخ جراح، داعية الفلسطينيين إلى إعلان الغضب والنفير العام نصرة للقدس، حيث يُدرك أبناء فلسطين وفصائل المقاومة أن ممارسات العدو هي استهداف علنيّ للهوية الفلسطينيّة المقدسيّة وللوجود الفلسطينيّ في المدينة المحتلة، وأنّها سلوك عدوانيّ عنصريّ خطير وجريمة جديدة تضاف إلى سجله الأسود بحق أهالي القدس، وقد شاهدنا كيف أنّ تل أبيب لم تأبه لتهديد حياة وأرواح العائلات التي باتت تشاهد منازلها أكواماً من الحطام المختلطة بالأثاث المحطم والمقتنيات والصور العائلية ولعب الأطفال.
وباعتبار أنّ الصهاينة المحتلين يفترون بأنّ القدس -العربيّة – الفلسطينيّة- بشطريها الشرقيّ والغربيّ عاصمة لكيانهم، لا تكف الممارسات الصهيونيّة المتصاعدة للتضييق وتشديد الخناق على أبناء هذا الشعب على حد سواء وتعكير صفو حياتهم، ويستمر الاعتداء الصهيونيّ على المقدسات في المدينة كافة وبالأخص المسجد الأقصى، وهذا ما دفع السلطة الفلسطينيّة المتعاون مع تل أبيب، للقول على لسان وزارة خارجيتها بأنّ ما يحدث في حي الشيخ جراح يُعد “إمعانا إسرائيليّاً رسميّاً في عمليات أسرلة وتهويد المدينة المقدسة”.
ويستغل الصهاينة ومؤسساتهم العسكريّة والأمنيّة هذه الفترة العصيبة على فلسطين وشعبها من أجل تنفيذ مخططاتهم وجرائمهم في مدينة القدس المحتلة التي حولتها “إسرائيل” إلى مدينة أشباح بعد أن كانت تنبض بالحياة، حيث يحاول الاحتلال جعل واقع مدينة القدس أكثر مأساويّة وصعوبة، من أجل محاولة فرض السيطرة على القدس والمسجد الأقصى المبارك والبلدة القديمة، والدليل هو اعتداء عشرات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين في الحي بحماية من شرطة العدو وقيامهم بإلقاء الحجارة على المواطنين ومركباتهم ومنازلهم.
حماقة إسرائيليّة
من المعروف أنّ الحملة الإسرائيليّة لطرد الفلسطينيين من القدس الشرقية ليست أمراً جديداً، بل إن السياسة العدوانيّة للعدو وإرهابه الذي يمارسه بحق الفلسطينيين تأتي ضمن منهج الإسرائيليين من أجل محاولة وسم هوية مدينة القدس كعاصمة يهوديّة لكيان الاحتلال القاتل واغتيال أيّ مساعٍ فلسطينيّة أو دوليّة لإقامة دولة فلسطينيّة في الأراضي المحتلة عام 1967 من جهة أخرى، وإنّ المخططات الاستيطانيّة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة المحتلة والقدس خاصة في السنتين الأخيرتين تثبت ذلك.
وبناء على ذلك،، لا يكف جنود الاحتلال عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، للهيمنة على الفلسطينيين بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لصالح الإسرائيليين اليهود، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق منهج “القبضة الحديديّة” وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، عندما صُنع هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته قيد أُنملة، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، بعد أن فرضه المستعمرون على العالم وعلى المنطقة، والتاريخ أكبر شاهد على الوحشيّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة العربيّة.
ولأنّ العصابات الصهيونيّة تتناسى التداعيات الخطيرة لحماقاتها التي من شأنها المساس بأهالي القدس وبالأخص الشيخ جراح، تحمل المقاومة الفلسطينيّة العدو المسؤوليّة عن تداعيات كل هذه السياسات العنصريّة المتطرفة والأعمال الاستفزازيّة التي يقوم بها المستوطنون بحق المقدسيين، مع تصاعد مخططات الاستيطان والضم التي لا تتوقف عن قضم ونهب أراضي الفلسطينيين وبالأخص في العاصمة الفلسطينيّة التي تعد أكبر مدن فلسطين التاريخيّة المحتلّة، من حيث المساحةً وعدد السكان وأكثرها أهميّة دينيّاً واقتصاديّاً، فكل الفلسطينيين مستهدفون ويراد لهم التحول إلى عابري سبيل في وطنهم وأرضهم.
أيضاً إنّ الحماقة الإسرائيليّة وصلت لدرجة إقدام العضو في الكنيست (البرلمان) الإسرائيليّ، إيتمار بن غفير، على نقل مكتبه إلى حي الشيخ جراح، في خطوة اعتبرها كثيرون “استفزازية وتصعيدية” للغاية، تهدد بإشعال الأوضاع وجرها إلى عنف يصعب السيطرة عليه، خاصة مع قيام ما يسمى “جهاز التخطيط” الذي أنشأه العدو العنصريّ بمنع الفلسطينيّين من بناء منازل لهم، ويُعد “الهدم” هو المهمّة الأساسيّة لهذا الجهاز عوضاً عن تخطيط البناء بما يلبّي احتياجات السكّان الحاليّة ويُعدّ لاحتياجاتهم المستقبليّة، فيما تؤكّد منظمات إسرائيليّة أنّ سلطات العدو هدمت مئات المباني والمرافق والمنشآت الإنسانيّة والحيويّة بحجة البناء غير المرخص، كما شردت سلطات الكيان الوحشيّ بفعل سياساتها مئات الفلسطينيين بذريعة ما تسميه تل أبيب “إنفاذ القانون” لكي تبرّر حملات هدم المنازل والمرافق والمنشآت، في الوقت الذي لا تمت فيه هذه السياسة إلى القانون بأيّ صلة.
ومن الجدير بالذكر أنّ حي الشيخ جراح الذي تنتشر على جوانبه الأشجار ويضم منازل من الحجر الرملي وقنصليات أجنبيّة وفنادق فاخرة، شهد في الفترة الماضية حالات عدة من الاضطراب نتيجة اعتداءات المستوطنين وعمليات التهجير الجماعيّ التي تقوم بها قوات العدو للاستيلاء على منازل أبناء المدينة، ما يُهدد بعودة التوتر الشديد واستئناف الهجمات الصاروخيّة على المدن والمناطق التي تحتلها العصابات الصهيونية في حال استمر هذا التطاول غير المسبوق.
إضافة إلى ذلك، وجهت حماس مؤخراً رسالة للمصريين فحواها: “لن نقف مكتوفي الأيدي” أمام ما يجري من عمليات استهداف مستفزة ومتعمدة من قبل جيش العدو الإسرائيلي، والتي كان آخرها جريمة اغتيال بحق 3 مقاومين في الضفة، ما يشي باحتماليّة كبيرة لأن تفتح أبواب جهنم على الكيان الغاصب الذي اختار تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، حيث يتوقع أغلب المتابعين والمراقبين أن تنفجر الأوضاع في أي لحظة بسبب التمادي الإسرائيليّ التي بات ملموساً بالنسبة لجميع الأطراف الفلسطينيّة والعربيّة والدوليّة، وبالتالي ستكون تل أبيب قد تسببت بتوتر أكبر مما تتخيل في المنطقة التي تعيش أساساً أوضاعاً مشحونة للغاية.
نتيجة لكل ما ذُكر، إنّ الحماقات الإسرائيليّة ستوصل الأمور في فلسطين إلى ما لا يحمد عقباه، وقد حذر الفلسطينيون أكثر من مرة من أنّ السياسات العنصريّة المتطرفة والأعمال الاستفزازيّة التي يقوم بها العدو ومستوطنوه بحق المقدسيين هي المسؤولة عن نتائجها، في ظل ضعف دور مصر التي تحدثت في الفترة الماضية أنّ الكيان الصهيونيّ أبلغها أنه سيحاول تخفيف التوترات والاشتباكات في القدس، لكن الانتهاكات والجرائم المتصاعدة ضد القدس ومواطنيها باتت أخطر من أي وقت مضى، ما يعني أنّ المقاومة الفلسطينيّة ربما ترد في أيّ لحظة للجم هذا العدوان، وتعزيز صمود المقدسيين ودعم مقاومة الشعب الفلسطينيّ، وأنّ الإسرائيليين وحدهم هم المسؤولون عن تداعيات جرائمهم بحق أصحاب الأرض والمقدسات.
المصدر/ الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق