التاريخ المضطرب لحزب المؤتمر الشعبي اليمني.. من مواجهة الثورة إلى التحالف مع أنصار الله
تعتبر اليمن من أهم دول منطقة غرب آسيا، والتي شهدت تاريخًا صاخبًا مليئًا بالتغيرات الجوهرية على مدار السنوات الثلاث الماضية، منذ توحيد الشمال والجنوب وتشكيل حكومة موحدة عام 1994.
في الوقت الحالي، فإن الثورة الشعبية عام 2011 والحركة الاحتجاجية عام 2014، والتي كانت بلورة وظهور قوة جديدة قوية في الساحة السياسية اليمنية، تشكل بلا شك نقطة تحول في التاريخ المعاصر للبلاد وحتى هندسة شبه الجزيرة السعودية. في البعد المحلي لليمن، شهدت قوة العلاقات بين الفاعلين والخصوم السياسيين الرئيسيين تغييرات جوهرية منذ سنوات ما قبل الثورة، وتشمل هذه العلاقة بين حزب أنصار الله، الفصيل الرئيسي للسلطة في صنعاء في العهد الجديد، وحزب المؤتمر الشعبي اليمني، السلطة الحاكمة بلا منازع لفترة طويلة من بعد توحيد اليمن حتى ثورة فبراير 2011.
حزب المؤتمر والخلافات الناتجة عن خسارة السلطة
قبل عام 2011، كان حزب المؤتمر يسيطر على الحكومة حصريًا بأغلبية المقاعد في البرلمان، لكن في أعقاب الاحتجاجات الشعبية عام 2011، كانت استقالة بعض المسؤولين من مجلس الوزراء والبرلمان الخطوة الأولى نحو تراجع الحزب، ثم جردت المبادرة الخليجية البرلمان من مكانته كحزب حاكم وحولته إلى شريك وزاري بقيادة المعارضة.
عندما تولى الرئيس اليمني المخلوع والهارب منصور هادي منصبه في فبراير 2012، أصبح البرلمان فعليًا حزبًا برئيسين: علي عبد الله صالح كان زعيم الحزب وكان يقود الشبكة الرئيسية للموالين له، لكن منصور هادي الرئيس اليمني الجديد أراد أن يتم توليته رئاسة حزب المؤتمر، مما أدى إلى منافسة أدت عمليا إلى حدوث شرخ في هيكل حزب المؤتمر. ومع ذلك، فإن مسألة السيطرة على ميزانية الحزب زادت من توتر العلاقات بين هادي وصالح، حيث صادر هادي أموال الحزب من البنك المركزي اليمني بعد توليه منصبه. وأمر فيما بعد بإغلاق قناة “اليوم” التلفزيونية التابعة لصالح، وأغلق مؤقتًا مسجد صالح، الذي بناه صالح كمشروع كبير، وتوقف عن حضور اجتماعات الحزب.
اشتد التنافس في أواخر عام 2014، عندما قاطعت الأمم المتحدة صالح بناءً على طلب هادي، مما دفع عبد الله صالح إلى عزل هادي من منصبه الحزبي. كما أقال عبد الكريم العرياني، الشخصية السياسية المخضرمة في الحزب، من منصب النائب الثاني له، أعقبها إدانت مسؤولي الحزب في الجنوب وعدن تصرفات صالح ودعوا هادي لتولي قيادة الحزب.
تفاقم الانقسام داخل حزب المؤتمر مع غزو التحالف السعودي عام 2015، وغيّرت الشخصيات الرئيسية في الحزب مواقفها، حيث انتقل عبد العزيز بن حبتور، عضو اللجنة الدائمة لحزب مؤتمر منذ عام 1995، من مؤيد هادي إلى صالح ليصبح فيما بعد رئيسًا لوزراء “حكومة الإنقاذ الوطني” التي تم إنشاؤه في نوفمبر 2016 والمرتبطة بالتساوي بين حركة أنصار الله وحزب مؤتمر صالح في صنعاء. من ناحية أخرى، انفصل أشخاص مثل أحمد بن دغر عن صالح وانحازوا إلى هادي وأصبح نائبه عام 2015، وفي أبريل 2016 أصبح رئيس وزراء الحكومة في المنفى في عدن. ونتيجة لهذا السباق في أوائل عام 2016، انقسم حزب المؤتمر إلى فصيلين:
الأول هو الفصيل “الوطني” المعروف باسم فصيل صالح المكون من الموالين لعلي عبد الله صالح.
أما الفصيل الثاني فكان من مجموعة استقالة الرئيس المستقيل.
وصل الخلاف إلى نقطة لم يعد يقبل فيها أي حزب شريكه الآخر كجزء من حزب المؤتمر، والتقى مسؤولون حزبيون موالون لهادي في الرياض في أكتوبر / تشرين الأول 2015 للإطاحة بصالح، بينما أقال فرع الحزب في صنعاء كبار مسؤولي الحزب في أبريل / نيسان 2016 لدعمهم غزو اليمن بقيادة السعودية. مع اغتيال علي عبد الله صالح في عام 2017، حاول نجله أحمد علي صالح وشخصيته المدعومة من الإمارات الاستفادة من الخلافات بين أبو ظبي وحكومة منصور هادي المخلوعة وبدعم من الإمارات، تولى قيادة حزب المؤتمر. في سبتمبر من العام الجاري، كشفت مصادر مطلعة عن اجتماع لأعضاء حزب المؤتمر الشعبي اليمني في الإمارات للإطاحة بالرئيس اليمني المستقيل ونائبه محسن الأحمر. في غضون ذلك، تمت تبرئة الحزب، خاصة من كانوا في الجيش ومسؤولي الحكومة، وأعلنوا عمليا ولائهم لحركة أنصار الله، لأنهم إما يؤمنون أن للحزب دور كبير في المستقبل، أو أنهم كانوا يعارضون سياسات قيادات الحزب في بيع وطنهم ودعم المعتدين في اليمن. لذلك يمكن القول إنه منذ ديسمبر 2017، كان لحزب المؤتمر ثلاثة أجنحة: جناح صنعاء، فصيل هادي/الرياض، وفصيل نجل صالح الأكبر، أحمد علي صالح، الذي تدعمه الإمارات.
أنصار الله وحزب المؤتمر بعد وفاة صالح
منذ أن شكل ائتلاف أنصار الله وحزب المؤتمر حكومة إنقاذ وطني، حاولت المملكة العربية السعودية مرارًا وتكرارًا تفكيك الحزب عن طريق شخصيات تعمل بأجندة سياسية لتفكيك التحالف وإحداث شرخ في صنعاء وإضعاف موقف أنصار الله الداخلي، ولكن تحالف الحزب مع أنصار الله كان خطوة تاريخية، بينما فشلت الرياض في منتصف عام 2014 في التوسط بين فصيلي هادي وصالح. في عام 2018، سعى السعوديون لتوحيد الصف المبعثر لقادة الحزب المغتربين وجمعهم حول منصور هادي من خلال اجتماع في القاهرة، تمت متابعة محادثات أوسع في جدة في عام 2019. وعلى الرغم من الإعلان بعد الاجتماعات عن اتفاق الأعضاء على إعادة انتخاب هادي، سرعان ما تصاعد الخلاف بين المسؤولين التابعين للرياض والمدعومين من أبو ظبي. وعلى الرغم من إعلان محسن الأحمر أنه سيعيد تنشيط عضويته في الحزب، إلا أن هادي والأحمر وغيرهما من المسؤولين البارزين المرتبطين بالرياض، بما في ذلك رشاد العليمي، رئيس البرلمان عن سلطان البركاني وبن دغر، فشلوا في إقناع العديد من ممثلي الأحزاب الذين يعيشون خارج اليمن بحضور جلسة برلمانية في سعيد في أبريل 2019 لدعم هادي.
كان الإجراء المتزامن الآخر للسعوديين هو التشاور مع عدوهم الحالي وصديقهم السابق، علي عبد الله صالح، من أجل إخراج حزب المؤتمر من تحالفه مع أنصار الله، وكنتيجة لذلك، هدد صالح بالانسحاب من حكومة الإنقاذ الوطني في عام 2017. وتصاعدت التوترات في أغسطس 2017 عندما دعا صالح أعضاء الحزب إلى التجمع في ساحة السبعين للاحتفال بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيسه. والذي قُتل بعدها ببضعة أشهر، في كانون الأول / ديسمبر 2017، لكن التحالف بين حزب المؤتمر وأنصار الله استمر.
تشير الدلائل الآن إلى أن قادة حزب المؤتمر المتبقين في صنعاء، وهم يرون المصير الفاشل للشخصيات التي نصبت نفسها في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اتخذوا قرارهم بحزم وتحركوا نحو الحفاظ على استقلال البلاد ووحدة أراضيها ضد مخططات عدوان التحالف السعودي الإماراتي، وفهموا الطريقة الصحيحة للحفاظ على موقعهم في السلطة وفي عيون المجتمع اليمني. وبيان الحزب يوم الاثنين الداعم لأنصار الإسلام يظهر مثل هذا الموقف. وقال البيان إن المؤتمر الشعبي العام يدين تصعيد الضربات العسكرية من قبل تحالف العدوان واستهداف المدنيين كما في صعدة والحديدة وصنعاء وتدمير البنى التحتية. وشدد مؤتمر الشعب اليمني في البيان على أن هذه الهجمات لن يكون لها أي نتائج مهمة، خاصة بعد سبع سنوات من إثبات نجاح صمود اليمن في مواجهة مخططات الدول المعتدية. كما أدان الحزب أي محاولة من قبل الحكومة الأمريكية أو أي جهة أخرى لتصنيف حركة أنصار الله على أنها منظمة إرهابية. وجدد دعوته جميع اليمنيين إلى مزيد من التماسك وتقوية الجبهة الداخلية والاصطفاف وراء الجبهة حتى يتحقق النصر أو السلام.
المصدر/ الوقت