ضرورة صحوة العالم الإسلامي.. ماذا يريد الصهاينة من البحرين
نتيجة السياسات المتشددة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والتحليل الخاطئ للإمارات والبحرين للوضع في المنطقة وانتهازية رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، عقد الاتفاق الإماراتي البحريني المشؤوم مع تل أبيب المعروف باسم آبراهام في 15 سبتمبر 2020 وجاهر البلدان بعلاقاتهما القديمة مع هذا الكيان وأدخلوا المنطقة في أوضاع جديدة وخطيرة. الأوضاع التي تتطلب يقظة الأمة الإسلامية، وكذلك المسؤولين وصناع القرار في إيران، لدرء خطر ذلك.
يحاول هذا المقال شرح الوضع في المنطقة والبحرين في ضوء تعزيز العلاقات بين المنامة وتل أبيب والإجابة على السؤال التالي، إذا لم يتم تحييد نتائج هذه الاتفاقية المشؤومة، مالذي يجب أن تنتظره القضايا الرئيسية للمنطقة وكذلك انتفاضة الشعب البحريني؟
تأثير الكشف عن العلاقات على الأمن الإقليمي
عدم استفادة البلدان الصغيرة في الخليج الفارسي من مكونات القوة مثل الأرض والقوى البشرية والأهم من ذلك الافتقار إلى القاعدة الشعبية، دفع هذه البلدان منذ فترة طويلة إلى شراء الأمن من الحكومات الأخرى. حيث قال رايان بول محلل شؤون غرب آسيا في معهد ستراتفور: ” ان موقع البحرين في اتفاقية آبراهام فريد بالمطلق لأن مملكة البحرين غير شرعية في نظر غالبية شعبها”. لدرجة كان الاعتماد على بريطانيا ثم أمريكا حتى الستينيات يعتبر العنصر الرئيسي للأمن في هذه البلدان. يبدو أن الترحيب بالكيان الصهيوني للتواجد العسكري والأمني في البحرين والإمارات يحدث لتحقيق هذا الهدف.
بالنسبة لدول الخليج الفارسي، سيكون الكيان الصهيوني خيارا جيدا لتجنب تقليص دور الولايات المتحدة في المنطقة، فضلاً عن كونه شريكا تجاريا ثريا يتمتع باقتصاد عالي التقنية يمكن أن يساعدها في تحقيق التوازن ضد إيران. من وجهة نظر تل أبيب، فإن إقامة علاقات جيدة مع دول الخليج الفارسي تقلل من عزلة هذا الكيان وهي وسيلة لمواجهة ضغوط الفلسطينيين للتفاوض على دولة جديدة، حيث كان الدعم العربي دعامة أساسية لهذه الحملة الطويلة.
من ناحية أخرى، حددت البحرين إيران كتهديد محتمل. أكثر من 60٪ من شعب البحرين هم من المسلمين الشيعة ، وهم في أحسن الأحوال يعتبر هؤلاء المواطنون من دعاة اسقاط النظام، وفي أسوأ الأحوال طابور خامس لإيران. إن سبب اعتبار البحرين للجمهورية الإسلامية تهديدا بحاجة لدراسة بشكل منفصل، وهو أمر متجذر في نوع ديكتاتورية آل خليفة وكذلك نفوذ الولايات المتحدة في هذا البلد.
وكتب محلل العلاقات الدولية جورجيو كافيرو في موقع Responsible Statecraft أن البحرين تعتبر إسرائيل شريكا مهما في الحرب ضد أجندة السياسة الخارجية الإيرانية وتدعو إلى توثيق العلاقات مع تل أبيب. وهذه الرغبة مهمة بشكل خاص في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والقلق المتزايد بشأن مدى التزام واشنطن بالتزاماتها تجاه المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن سياسة النظر الأمريكية إلى الشرق ومواجهة الصين على أنها الشغل الشاغل هذه الأيام ومستقبل واشنطن وقلق مسؤولي الدول العربية التابعة للولايات المتحدة من تقليص دورها في المنطقة هي ايضاً من الأسباب الأخرى لتوجه الأنظمة الاستبدادية العربية نحو الكيان الصهيوني.
في هذا السياق ذكرت وسائل الإعلام العبرية الأسبوع الماضي أن الكيان الصهيوني سيعين رسميا ولأول مرة ضابطا كبيرا في الجيش ممثلاً له في البحرين. وأضافت القناة 13 التليفزيونية الصهيونية أن تل أبيب ليس لها ملحق عسكري دائم إلى الآن حتى في الدول العربية الأخرى التي تربطها بها علاقات جيدة.
وحسب هذا التقرير، سيكون هذا الضابط مسؤولاً عن التواصل مع الأسطول الأمريكي الخامس المتمركز في البحرين. وأضافت القناة العبرية أن الاتصال بقوات الأمن البحرينية سيكون مهمة أخرى للضابط.
في الوقت نفسه، أعلنت BATS التابعة للكيان الصهيوني ومقرها بلجيكا، عن صفقة لبيع أنظمة الرادار والمضادة للطائرات المسيرة للبحرين، وقالت، “اختارت قوات الدفاع البحرينية BATS لتجهيز نفسها بأنظمة المراقبة الساحلية للدفاع عن قاعدتها العسكرية.”
من جهة أخرى، زار وزير الحرب الإسرائيلي بني غانتس في 2 فبراير العاصمة البحرينية في زيارة غير معلنة. ووقع وزير الحرب الإسرائيلي اتفاقية أمنية مع المنامة خلال لقاء مع نظيره البحريني عبد الله بن حسن النعيمي. وبموجب هذا الاتفاق الذي تم توقيعه لأول مرة منذ الإعلان عن العلاقات بين الجانبين في 11 سبتمبر 2020، سيزيد من التعاون الأمني الاستراتيجي بين البحرين وتل أبيب.
وزعمت وزارة الحرب الإسرائيلية في بيان لها أن “هذا الاتفاق سيساعد في زيادة الاستخبارات والتدريب والتعاون في مجال الصناعات الدفاعية. وأضافت أن “هذا الاتفاق سيؤدي أيضا إلى تعاون قوي وزيادة الأمن لكلا الجانبين وللمنطقة ككل”.
كما زعم بني غانتس أن هذه الاتفاقية “تاريخية” وستؤدي إلى بدء مستوى جديد من العلاقات بين الجانبين. كما زعم أن الاتفاقية ستزيد من قدرة الجانبين على التعامل مع “التهديدات المشتركة”.
كما شارك الكيان الصهيوني لأول مرة في مناورات بحرية في البحرين بمشاركة الولايات المتحدة والبحرين والإمارات وعمان والسعودية ومصر وكينيا وعمان. كل هذه الممارسات التي قام بها الكيان الصهيوني للنفوذ في البحرين ومنطقة الخليج الفارسي تتم في آن واحد لعدة أهداف. يحاول الصهاينة بفضل التحليل الأمني الخاطئ لنظام آل خليفة أن يلعبوا دورا أمنياً – عسكرياً في منطقة الخليج الفارسي كقطب عالمي للطاقة (59٪ من النفط العالمي و 41.3٪ من احتياطيات الغاز العالمية موجودة في هذه المنطقة) منصة لاستهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال الطرق الأمنية والتجسس وربما الوسائل العسكرية.
ويحاول الصهاينة من وراء التواجد في البحرين تنفيذ نيتهم الرئيسية اي احتواء قدرة محور المقاومة وإضعاف قوة إيران الاستراتيجية في المنطقة، مما يشير إلى أن المنطقة تدخل جولة جديدة من التوتر والتحدي. ولهذا السبب ان يقظة قوى محور المقاومة ضرورية أكثر من أي وقت مضى.
يعتقد معارضو النظام البحريني أن الكيان الصهيوني يعتزم بناء قاعدة بحرية قبالة سواحل البحرين. وفي هذا الصدد، قال الشيخ عبد الله صالح نائب الأمين العام لجمعية العمل الإسلامي في البحرين، لوكالة أنباء الحوزة، إن المنامة أصدرت تصريحا لبناء قاعدة بحرية إسرائيلية على أراضيها، وكان ذلك السبب الرئيسي لقيام الوزير الحرب بزيارة للبحرين.
وأكد أن المهمة الرئيسية لهذه القاعدة هي التجسس وتجنيد القوى الخبيرة لمحاربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة وحتى من داخل إيران.
على شعب البحرين أن يكون يقظاً
جانب آخر من تداعيات الوجود العسكري والأمني للكيان الصهيوني في البحرين على هذا البلد. بحسب التقارير يرتبط جزء من التعاون الأمني بين المنامة وتل أبيب بقمع المعارضة. في الوقت نفسه، هناك مخاوف جدية من وقوع حادث مماثل في فلسطين في البحرين.
فيما يتعلق بالجزء الأول، ينبغي القول إنه بالمقارنة مع الإمارات، تتمتع البحرين بمجتمع مدني أقوى – مجتمع لطالما اهتم بالقضية الفلسطينية. لقد نزل الشعب البحريني إلى الشوارع ودعم الشعب الفلسطيني في جميع الأحداث المتعلقة بالفلسطينيين مثل خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين والحروب العربية الإسرائيلية وحصار وقصف الكيان الصهيوني لبيروت، والهجوم على قطاع غزة.
وقالت الدكتورة كريستين أولريشسن الخبيرة في شؤون غرب آسيا في معهد بيكر، لـ “العربي الجديد”: “لطالما كان للبحرين توجه قومي عربي وإسلامي قوي على الصعيد المحلي”. “إن احتجاجات الشعب البحريني في المراحل الأولى من الصراع العربي الإسرائيلي والاحتجاجات الأخيرة تظهر أنه حافظ على قوة تحشيده بين مختلف فئات المواطنين البحرينيين”.
وزعمت الحكومة البحرينية آخر مرة في عام 2010 أن 49 في المائة من سكان البلاد هم من الشيعة و 51 في المائة من السنة. ادعاء يعتقد الشيعة أنه جزء من محاولات الحكومة البحرينية لتغيير التركيبة السكانية للبلاد. وذكرت صحيفة نيويورك بوست في 17 فبراير 2011 أن نسبة السكان الشيعة في البحرين 65 إلى 75 بالمائة.
لذلك فإن وجود الكيان الصهيوني في بلد به هذا النوع من الطبيعية النضالية ، وهو فريد من نوعه بين الدول العربية في الخليج الفارسي، سيعزز بلا شك نظام قمع نظام المنامة ضد المعارضة. وفي هذا الصدد ، كتب موقع “إنتليجنس أونلاين” مؤخرا أن الحكومة البحرينية عززت القدرات التكنولوجية لمؤسساتها الأمنية بمساعدة الصهاينة، ويتعاون جهاز الأمن الاستراتيجي البحريني الآن بشكل مكثف مع أجهزة المخابرات الصهيونية.
وفي هذا الصدد، إن “جهاز الأمن الاستراتيجي” برئاسة “أحمد بن عبد العزيز آل خليفة” هو المؤسسة الوحيدة التي لديها ترخيص رسمي للتواصل والتعاون بشكل مباشر مع الموساد وجهاز الأمن الداخلي “الشاباك” وبحسب “اینتلیجنس أونلاين” سيتوجه متخصصون صهاينة قريباً إلى البحرين لتدريب ضباط الأمن والاستخبارات.
وفي هذا المضمار، لا ينبغي تجاهل برنامج التجسس “بيغاسوس” الذي قدمه الكيان الصهيوني للدول الاستبدادية لقمع المعارضة. البرنامج الذي اعتمدت عليه حكومتا السعودية والإمارات اعتمادا خاصاً للسيطرة على خصومهما.
مصدر القلق الآخر هو بيع الأراضي البحرينية للصهاينة والدخول التدريجي للمحتلين إلى البحرين ثم السيطرة على ممتلكات وأرواح الشعب البحريني. وقد نرى في المستقبل غير البعيد إرسال قوات صهيونية لقمع الشعب البحريني، مثلما دخل الجيش السعودي عام 2011. أو أن يأمر الصهاينة آل خليفة بمنح الحصانة القضائیة لمستشاريه وموظفيه.
فقد قادة النظام البحريني شرعيتهم في المقام الأول أمام شعبهم، من خلال الكشف عن العلاقات مع الكيان الصهيوني وتطويرها بزعم شراء الأمن وتشكيل تحالف ضد محور المقاومة. نسى قادة البحرين أنه في فبراير 2011 ، انتفض الشعب البحريني وخلق أزمة أمنية وجودية لآل خليفة، حيث كان الأسطول الخامس الأمريكي متمركزا قبالة سواحل البحرين، لكن الاعتماد على القوى الأجنبية لا يمكن أن يمنع الانتفاضة.
إذا كان لنظام المنامة نظرة عميقة وتاريخية للقضايا (لو لم يدخل في تحالف مع نظام تل أبيب)، فعليه أن يدرك مدى السهولة التي ترك فيها الأب الروحي للصهاينة اي الولايات المتحدة حلفاءه بسهولة في أوقات الأزمات. ومضى بتحقيق مصالحه؛ والكيان الصهيوني ليس له مثيل في في نقض العهود. لذلك عندما تتصاعد الاحتجاجات الشعبية لن يتمكن الاسطول الخامس ولا الاتفاقات الأمنية الصهيونية من إنقاذ آل خليفة.
نقطة أخرى هي خيانة البحرين التاريخية للعالم الإسلامي والقضية الفلسطينية وبيع البلاد بجعل موطىء قدم للكيان الصهيوني في المنطقة وعقد اتفاقيات رئيسية مع هذا الكيان، وهنا، يتطلب الأمر اليقظة والتنوير في العالم الإسلامي كله حتى لا تكون هناك فلسطين أخرى في منطقة الخليج الفارسي الاستراتيجية.
المصدر/ الوقت