التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024

“إسرائيل” تحفر قبرها بنفسها.. حقيقة أم خيال 

تغير كبير حل على الأوساط الصهيونيّة والبيئة الإسرائيليّة في الظاهر والباطن، بدءاً من الحديث عن عنصريّة “الكيان الصهيونيّ” على المستوى الداخليّ وصولاً إلى الحديث عن أنّ “إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة” وليس انتهاءً عند المعطيات المتعلقة بتفكك البنية الداخلية للعدو بالأخص على الصعيدين السياسيّ والشعبيّ، في ظل المنهج الإسرائيليّ المتطاول على حقوق الشعب الفلسطينيّ ومقدساته وثرواته لتحقيق حلم الحركة الصهيونية في تأسيس “دولة يهوديّة” على أرض فلسطين المحتلة منذ قيام الدولة المزعومة في 14 أيار عام 1948 والذي شهد عمليات تطهير عرقيّ وتهجير قسريّ للسكان الأصليين من بلادهم.

كيان متزعزع

نظريتان مهمتان أثبتتا فشلهما رغم السعي المستميت وبشتى الطرق للحكومة الإسرائيليّة في ترويجهما، وهما “الجيش الذي لا يُقهر” و “الجيش المقدس بالنسبة للصهاينة”، حيث بدأت أصوات صهيونيّة كثيرة تحارب وتكذب “الدعايات السوداء” للاحتلال، الشيء الذي ضرب ما يسمى “الإجماع القوميّ الإسرائيليّ” في العمق، وكسر زجاج القداسة عن القوات الإسرائيليّة التي لا تكف أمام أعين الجميع عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، في مساع حثيثة من تلك العصابات للهيمنة على مقدرات فلسطين بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لمصلحة الإسرائيليين اليهود المنقسمين على أنفسهم.

والدليل الذي حدث مؤخراً، هو توجيه الخبيرة القانونية الإسرائيليّة رينا عناتي في أحد المواقع العبرية انتقاداً لسلوك جيش العدو القائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي يزعم ارتكاب المزيد من الانتهاكات ضدّ الفلسطينيين بحجة حماية المستوطنين، وتأكيدها أنّ ذلك يثير انقساماً في “إسرائيل”، بالأخص حول نشوء فئة تكره “الدولة والجيش”، باعتبار أنّ العصابات الصهيونيّة تخدم أجندة سياسية حزبيّة وغير أمنية وعسكريّة مهنيّة بحتة، معتبرة أنّ جيش الاحتلال أوقع نفسه بين مؤيديه وخصومه داخل الساحة الإسرائيلية، حيث إنّ التطور الخطير الذي طرأ عليه في السنوات الأخيرة أنّه تحول تدريجيا إلى خادم لمجموعة صغيرة وخطيرة من اليهود القوميين، الذين يدافعون عن العنصرية، حسب وصفها.

“بات الغرض من وظيفة الجيش الإسرائيليّ الدفاع عن المستوطنين، والحفاظ على احتلال فلسطين، ما جعل الوضع لا يطاق من قبل الجنود الإسرائيليين الذين باتوا متهمين بارتكاب جرائم حرب وفق معايير محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بسبب دفاعهم عن المستوطنين”، جملة حرفيّة وواضحة على لسان الإسرائيليين أنفسهم، بعد أن تحدثت منظمة إسرائيليّة حقوقية عن غياب أي معيار يتساوى فيه الفلسطينيّ –صاحب الأرض- واليهوديّ –المُحتل- في فلسطين، وإشار مستشرق صهيونيّ إلى أنّهم منذ أن جاؤوا إلى فلسطين، يدركون أنّهم حصيلة كذبة اخترعتها الحركة الصهيونيّة، واستخدمت خلالها كلّ المكر في الشخصية اليهوديّة عبر التاريخ، إضافة إلى استغلال الـ (محرقة) وتضخيمها، حيث استطاعت الحركة الصهيونيّة أنْ تقنع العالم بأنّ فلسطين هي “أرض الميعاد”، وأنّ “الهيكل المزعوم” موجود تحت المسجد الأقصى، وهكذا تحوّل الذئب إلى حمَلٍ يرضع من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين والأوروبيين حسب وصفه.

وإنّ تنويه الخبيرة القانونية الإسرائيليّة بأنّه من الصعب إيجاد فروق جوهريّة بين ما تقوم به قوات العدو والمستوطنين ضد الفلسطينيين، يُثبت ما كتبه خبير عسكريّ صهيونيّ قبل عام تقريباً، حول أنّ الساسة الصهاينة، ومنهم الجنرالات باتوا يقدسون الكذب والخداع والحيل، ووضع العصي في الدواليب السياسيّة، ومن يحاول الوقوف في وجههم يُنظر إليه بنوع من الاشمئزاز، وهو ما يشكل الضربة الأكبر في وجه المجتمع الصهيونيّ حاليّاً، والذي بات جيشه يتحول رويدًا رويدًا إلى منفذ لأجندة يمينية استيطانية دينيّة خاصّة باليهود المتطرفين، حسب “عناتي”.

“الضحية في كل ما يجري هم الفلسطينيون” عبارة يتفق عليها جزء من المثقفين والكتاب الصهاينة الذين ولدوا خارج فلسطين المحتلة وعاشوا ودرسوا فيها، والذين يؤكّدون في أكثر من مناسبة أنّ المجتمع اليهودي الذي نشؤوا به، كانت قاعدته “الحب والدعم غير المشروط لإسرائيل”، بالاستناد إلى كذبة “الدولة اليهوديّة هي السبيل الوحيد للحفاظ على سلامتكم”، لكنهم أدركوا حقيقة المخططات التي تنفذها حكومتهم وآلتهم العسكريّة الدمويّة، الشيء الذي دفعهم للقول بأنّ احتلال الضفة الغربية هو “نظام فصل عنصريّ”، موضحين أنّه “لو ارتكب يهوديّ وعربي الجريمة نفسها بالضفة الغربية، فسيواجه الأول محكمة مدنية، أما الثاني فسيقف أمام محكمة عسكريّة.

ووفقاً لكتاب إسرائيليين، فإنّ معظم الإسرائيليين لا يعتبرون هذا ظلماً، ويرفضون وصفهم بمصطلح “أبرتهايد”، لأنهم يؤمنون بالفعل أن التمييز أمر مشروع، وجزء من الدفاع عن النفس، وخاصة أنّ المجتمع اليهوديّ غُذي بسرد تاريخيّ منفصل عن الواقع، وهو أن فلسطين كانت إلى حد كبير صحراء غير مأهولة بالسكان قبل أن يستوطنوها، وهو ما يُطلقون عليه “حرب الاستقلال الإسرائيلية”، وهذا الاصطلاح محضُ دجل لا أكثر، لأنّ الاستقلال هو التحرر من أيّ سلطة أجنبيّة بالوسائل المختلفة، أما الاحتلال فهو استِيلاءُ دولة على بلاد دولة أُخرى أَو جزءٍ منها قَهراً، وهذا ما قامت به العصابات الصهيونيّة والدول التي سعت إلى شق الوطن العربيّ لشرقيّ وغربيّ.

وتشير المعلومات التي ذكرتها رينا عناتي إلى أنّ ما يحدث يعيد الإسرائيليين إلى هذا التأثير الخطير الذي أوصلهم في النهاية إلى حصول أول اغتيال سياسيّ لإسحاق رابين، السياسي الإسرائيلي والجنرال العسكريّ في جيش الاحتلال ورئيس وزراء العدو، والذي يُعد من أبرز الشخصيات الإسرائيلية وأحد أهم متخذي القرارات في الشؤون الخارجيّة والعسكرية والأمنية في “إسرائيل”، بهدف منع تنفيذ حل سياسيّ مع الفلسطينيين يصب في إنهاء الاحتلال أراضيهم.

“إسرائيل تحفر قبرها بنفسها” هي خلاصة ما وصلت إليه رينا عناتي بالنظر إلى أنّ كيان الاحتلال أصبح مستعبداً لاحتياجات الجماعات الإسرائيليّة الصغيرة والمتشددة، حيث يرفض الإسرائيليون المناوئون لهذا السبب الانخراط في قوات العدو رفضاً لخدمة أهداف المستوطنين، وهذا بالطبع سيدفع الإسرائيليين أثماناً باهظة لأجله، خاصة أنّ مؤسسات الكيان بشكل عام باتت تسخر قوانينها وتشريعاتها لخدمة هذه الأقلية المتطرفة، واصفة جيش العو بـ “جيش المستوطنين”، الذي يخدم أغراضهم وينفذ أجنداتهم فيما بات الإسرائيليون يشعرون بأنّ الكيان بأسره يعيش دور العبودية الكاملة للمستوطنين.

وعلى هذا الأساس،، تقل بشكل كبير نسبة الصهاينة الذي يثِقون بجيش العدو وتنخفض نسب الاعتماد عليه في حال حدوث أيّ معركة مفاجئة، ومرّد هذا التراجع وفقاً للإسرائيليين هو أنّ المؤسسة العسكريّة تحصل على الميزانيات الهائلة من حكومة العدو، فيما تؤمّن للمُتقاعِدين الذين أنهوا الخدمة مخصصات لا تتناسب مع سنوات خدمتهم مقارنة مع مخصصات أخرى لمُوظفين في قطاعات مختلفة، ما يُثير حملةً سنويّة من الانتقادات في وسائل الإعلام العبريّة ولدى قطاعات واسعة من الصهاينة، الذين يرَوْن في المخصصات تبذير أموال لمصلحة الجيش ومُتقاعديه، وخاصة عندما يتحوّل جيشهم إلى “فريسة” بالنسبة لأولئك الذين كانوا يعتبرونه “البقرة المقدّسة” فإنّ أحد أهّم أركان الكيان يكون قد تزعزع بالفعل.

لا مستقبل لنا في فلسطين

إيمان مُطلق لدى بعض الإسرائيليين الذين يُدركون بأنّه لا مستقبل لهم في أرض احتلوها، فهي ليست أرضاً بلا شعب، كما كذبوا عليهم بعد أن وافق الصهاينة على إنشاء وطنهم اليهودي على أرض فلسطين العربيّة تاريخيّاً، وزعموا أنّ فلسطين هي “أرض الميعاد” وأنّ اليهود هم “شعب الله المختار”، وأنّ القدس هي “مركز تلك الأرض”، وأنّها “مدينة وعاصمة الآباء والأجداد”، و”مدينة يهوديّة بالكامل”، بهدف الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الفلسطينيين بأقل عدد ممكن منهم، وقد شجعت الحركة الصهيونيّة بشكل كبير جداً، هجرة يهود أوروبا الجماعيّة إلى أرض فلسطين خلال النصف الأول من القرن العشرين.

بناء على ذلك، لا بد من التذكير بما قاله أحد الصحفيين الصهاينة حول أنّ “الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليهم الحسناوات وبنات الهوى، وقُلْنا ستمرّ بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجّر انتفاضة الـ 87، أدخلناهم السجون وقلنا سنربّيهم داخلها، وعقب سنوات ظننا أنّهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000 أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة، وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية.. حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصناعيّ (عاموس) ويُدخِلون الرعب إلى كلّ بيت إسرائيليّ”.

وبالاستناد إلى أنّ الإسرائيليين يواجهون أصعب شعب عرفه التاريخ حسب وصفهم، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوق الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال، يدل الواقع على أنّ الإسرائيليين يُدركون بشكل كامل الخداع الذي تحاول العصابة الصهيونيّة زرعه في عقولهم، والدليل وجود عدد لا بأس به من الإسرائيليين يرفضون الروايات الإسرائيليّة، ويطلقون حملات نشطة من أجل تحرير فلسطين من نظام الفصل العنصريّ والمقاطعة العالمية.

خلاصة القول، ببساطة تستطيع قوات المحتل الباغي تدمير أبنية أو طرد عائلاتها أو ارتكاب عمليات إعدام في الشوارع، لكنّها مهما فعلت لن تنجح في إيقاف تفكك كيانها اللقيط ودولة احتلالها الفاشية، حيث إنّ السرطان الذي يعاني تعاني منه “إسرائيل” قد بلغ مراحله النهائية ولا سبيل لعلاجه لا بالأسوار ولا بالقبب الحديدية ولا حتى بالقنابل النووية، فالتاريخ علمنا أنّ الاحتلال زائل مهما بلغت قوته وجبروته، وها نحن اليوم نذكر أيام المحتل العثمانيّ الذي جثم على قلوب أجدادنا مئات السنين.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق