ما هو دور الإمارات في مباحثات “سد النهضة” بين مصر والسودان وإثيوبيا
قال خبير القانون الدولي السوداني د. أحمد المفتي إن هناك مباحثات سرية حول سد النهضة في ابو ظبي، لافتا إلى وجود “حد ادني”، لايملك المفاوض السوداني الحق في التنازل عنه. وأضاف أن هناك موقفا إماراتيا مسبقا!
وقال المفتي إن وسائل اعلام كشفت عن مُباحثات سرية، حول سد النهضة ، تُجرى بين السُّودان وإثيوبيا ومصر في أبو ظبي، مشيرا إلى أنه سواء كانت المباحثات سرية او علنية، داخل الدول الثلاث، او في واشنطن او في أبوظبي، او خلافهما، يظل هنالك “حد ادني” من الحقوق المائية للسودان، لا يملك المفاوض السوداني، الحق في التنازل عنها.
وتابع المفتي قائلا: “لقد أوضحنا ذلك “الحد الادني” مرارا وتكرارا، ونذكر منه هنا، امان السد، وترتيبات الطوارئ في حالة انهيار كلي او جزئي، والزام اثيوبيا بالتعويض عن الأضرار الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، والامن المائي”.
ونوه الخبير السوداني إلى اهمية فهم الموقف الإماراتي من سد النهضة، والذي ظهر الي السطح عام 2015، خاصة فيما يتعلق بصياغة اعلان مبادئ سد النهضة، حسبما ورد في تقرير لمجلة النيوزويك الامريكية، الذي صدر انذاك.
واختتم لافتا إلى أنه في ظل التسريبات، عن مبادرة اماراتية، لحل الازمة السياسية في السودان، وعزم الامارات تقديم ودائع دولارية مليارية، لاسعاف الاقتصاد السوداني ، فإن من المهم لفت الانتباه الى اهمية ان يجد ، موضوع سد النهضة، الاهتمام الذي يستحقه، لان مستقبل السودان يعتمد عليه، خاصة وان اثيوبيا، مستمرة أحاديا في الاستعداد للملء الثالث ، والذي باكتماله تجف الاقلام وترفع الصحف حسب قوله.
من جهته قال وزير الري المصري الأسبق محمد نصر علام إن هناك فعلا أخبارا متناثرة عن عقد جلسة مفاوضات لمصر والسودان وأثيوبيا حول السد الأثيوبي فى الامارات، وهناك أخبار أخرى عن تعثر هذه المفاوضات للتعنت الأثيوبي وعدم توفر أو فرض الوسائل اللازمة لعقد مفاوضات قانونية دولية ناجحة.
وأضاف علام أن هذه المفاوضات لن تنجح الا عند توفر رغبة الامارات الحقيقية وبدعم خليجى لاتخاذ موقف قوى عادل لدعم التفاوض تبعا لقواعد القانون الدولى ولضمان الأمن المائى المصرى السودانى مع ضمانات كافية للتنمية الأثيوبية.
وقال إن الدول الخليجية عامة والامارات خاصة لديهم – بلا شك – من أدوات الضغط الكثير. وتابع: “أعنى هنا الضغط المالى بل والعسكرى احيانا على أثيوبيا للانصياع للقانون الدولى وليس الضغط على السودان مثلا”.
واختتم علام مؤكدا أنه دون ذلك فإن هذه المفاوضات تضييعا مخططا للوقت وبالتالى تمثل دعما مباشرا لأثيوبيا، وهذا يمثل تهديدا مباشرا على مصر والشعب المصرى حسب قوله.
وتجمع الشواهد والحقائق على تفضيل الإمارات دعم إثيوبيا على حساب مصر في أزمة سد النهضة وهو ما يثير خلافا متصاعدا بين أبوظبي والقاهرة. ويؤكد مراقبون أن الإمارات تتصرف وفق منظورها الخاص لمستقبل المنطقة الذي تريد أن تلعب فيه دورا أكبر من دور أي بلد آخر.
وتنطلق استراتيجية الإمارات من مظلة الاستثمارات والعلاقات وبدعم قوي من إسرائيل على حساب مصر بالتحديد.
وتربط الإمارات علاقات قوية جدا مع إثيوبيا، ولها استثمارات هناك بمليارات الدولارات، ويعنيها في المقام الأول مد وبسط هيمنتها على مضائق المنطقة في جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وبالتالي التحكم في مياه أعالي نهر النيل.
وتصاعدت أزمة سد النهضة في أعقاب تهديدات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العام الماضي، برد لا يمكن تخيله في حال تأثرت إمدادات مصر من المياه. وبعد تصعيد السيسي لغة التهديد تجاه أزمة المياه، أعلنت دول عربية دعمها لمصر وأمنها المائي، واعتبرت أن “أمن مصر والسودان المائي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي”.
في المقابل امتنعت الإمارات عن دعم الموقف المصري، واكتفت بالدعوة إلى “استمرار الحوار الدبلوماسي البناء والمفاوضات المثمرة لتجاوز أية خلافات”.
وفي نهاية مارس الماضي، أعلنت الحكومة السودانية موافقتها على مبادرة من الإمارات للتوسط بينها وبين إثيوبيا لحل خلافاتهما الحدودية ومشكلة سد النهضة الإثيوبي، فيما لم يصدر عن مصر أي إشارة أو بيان بهذا الخصوص.
وأدى الموقف المصري إلى فشل المبادرة الإماراتية في مهدها ما شكل انتكاسة حادة للدور الدبلوماسي لأبوظبي. ولوحظ أنه في اليوم التالي من تصريحات السيسي، أرسلت الإمارات مساعدات إنسانية إلى إقليم “تيغراي” الإثيوبي. وتضمنت المساعدات 46 طنا من المواد الغذائية والمستلزمات الصحية.
وأثارت صورة المساعدات الإماراتية غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، واعتبرها بعضهم رسالة سلبية واستفزازية للمصريين.
ويجمع مراقبون أنه إضافة إلى أن الموقف الإماراتي الباهت يأتي بسبب أطماعها في موانئ البحر الأحمر وعلاقاتها القوية مع إثيوبيا؛ فإن أبو ظبي تستهدف إضعاف مصر.
كما يؤكد المراقبون أن موقف الإمارات من سد النهضة ومن كافة القضايا الأفريقية مرتبط بإستراتيجية إسرائيل وأطماعها في القارة.
وهناك قناعة كبيرة بأن إسرائيل تُوظّف الإمارات كأداة دبلوماسية لها في القارّة الإفريقية، مستغلة قدرة أبوظبي على توظيف نفوذها الاقتصادي. ويؤكد ذلك استراتيجية أبو ظبي في السيطرة على المضائق الإستراتيجية مثل باب المندب، والمشاركة في قناة بن غوريون في إسرائيل، ومنابع المياه بأعالي النيل، وقبل ذلك دخولها إلى جيبوتي عام 2004 تحت ستار الاقتصاد والاستثمار في الموانئ.
وتشعر القاهرة بالاستياء من موقف أبوظبي بشأن أزمة السد؛ بل إن الوساطة الإماراتية بشأن قضية الحدود بين السودان وإثيوبيا، أثارت الريبة والشك لدى مصر باعتبار أن المقصود منها هو شراء موقف سوداني من السد لصالح الموقف الإثيوبي.
كما أشّرت مخرجات زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للإمارات (26 كانون الثاني الفائت)، وما تلاها من زيارة لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد (29 يناير)، للبلد نفسه، إلى واقعيّة المخاوف المصرية من سياسات أبو ظبي في القرن الأفريقي، وعودتها (مع دول خليجية أخرى) إلى تكتيك «الأذن الصمّاء» إزاء القاهرة، بالتزامن مع عملية «إعادة تأهيل» لنظام آبي أحمد إقليمياً ودولياً، بدعم إماراتي.
وعزّزت زيارة الأخير لأبو ظبي الشراكة الإثيوبية الوطيدة مع الإمارات، التي كان لها الباع الأكبر في دعمه في حربه ضدّ قوات إقليم التيجراي، عبر تزويده (إلى جانب تركيا والصين) بالمسيّرات المسلّحة التي غيّرت الموقف العملياتي لمصلحته تماماً منذ نهاية تشرين الثاني 2021. ودلّ على ذلك جدول الأعمال الموسّع الذي شمل التعاون في مجالات عديدة، على رأسها التنمية والاستثمارات في الزراعة والتجارة وغيرهما.
وكانت كشفت تحقيقات إعلامية غربية عن توجيه أبو ظبي 119 رحلة جوّية بطائرات شحن طوال خمسة أشهر، من المطارات العسكرية الإماراتية إلى قاعدة «هرر-ميدا» الجوّية قرب أديس أبابا. واستندت التحقيقات إلى تحليل صور فضائية، مثل بقايا صاروخ مستخدَم في هجوم على سوق «ألاماتا» جنوبي تيجراي منتصف كانون الأول الماضي، وأخرى تُظهر استخدام قوات الحكومة الإثيوبية مسيّرات وصواريخ صينيّة الصنع سبق أن تحصّلت عليها من مخازن قوات الدفاع الإماراتية.
المصدر/ الوقت