جزار شبه الجزيرة العربية… ينادي بالإصلاح نهاراً ويعدم الأبرياء ليلاً
أعلنت السعودية السبت أنها أعدمت في يوم واحد 81 شخصا دينوا بجرائم مختلفة مرتبطة “بالإرهاب” في إحدى أكثر دول العالم تنفيذا لهذه العقوبة، وهو عدد قياسي ليوم واحد ويتجاوز إجمالي حالات الإعدام التي شملت 69 شخصًا في 2021.
ونفذت السعودية حتى السبت 11 إعداما في عدد من الجرائم غير المرتبطة بالإرهاب، حسب الإعلام الرسمي، ما يرفع عدد الإعدامات المنفذة خلال 2022 إلى 92 إعداما.
رقم إعدامات قياسي
وعدد إعدامات السبت هو أكبر رقم معروف لإعدامات نُفذت في يوم واحد في السعودية ويتجاوز إجمالي حالات الإعدام في العام السابق التي شملت 69 شخصا سواء في جرائم مرتبطة بالإرهاب أو جرائم قتل عادية.
وقالت منظمة “ريبريف” المناهضة لأحكام الإعدام السبت على تويتر “الأسبوع الماضي فقط ، قال ولي العهد (محمد بن سلمان) للصحافيين إنه يخطط لتحديث نظام العدالة الجنائية في السعودية، قبل أن يأمر بأكبر عملية إعدام جماعي في تاريخ البلاد”.
وتابعت “هناك سجناء رأي سعوديون ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم وآخرون اعتقلوا وهم أطفال أو اتهموا بارتكاب جرائم غير عنيفة. نخشى على كل واحد منهم بعد هذا العرض الوحشي للإفلات من العقاب”.
إدانات أوروبية وحقوقية
أجمعت أوساط أوروبية وحقوقية على أن تنفيذ السلطات السعودية أكبر حملة إعدام في تاريخ المملكة قبل يومين كرست صورة محمد بن سلمان ولي العهد كاستبدادي قاتل.
حيث أدانت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الاثنين، “عمليات الإعدام الجماعية” التي نفّذت السبت في حق 81 مدانا بعقوبة الإعدام في السعودية.
وقالت المفوّضة ميشيل باشليه في بيان “من بين الذين قطعت رؤوسهم في 12 مارس، 41 من الأقلية الشيعية وقد شاركوا في تظاهرات ضد الحكومة في 2011-2012 للمطالبة بمشاركة أكبر في العملية السياسية، وسبعة يمنيين وسوري”.
وأشارت باشليه إلى أنه وفقا للمعلومات المتاحة لمكتبها، أدين بعض الذين أعدموا بعد محاكمات لا تفي بالمعايير الدولية.
وفي ما يخص اليمنيين “يبدو أن عمليات الإعدام مرتبطة بالحرب المستمرة في اليمن” بحسب المفوضة السامية.
وكتبت الرئيسة التشيلية السابقة “تنفيذ عقوبة الإعدام عقب محاكمات غير منصفة محظور بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ويمكن اعتباره جريمة حرب”.
وذكّرت باشليه بأن عقوبة الإعدام تتعارض مع أسس حقوق الإنسان وأن الامتناع عن إعطاء معلومات للأقارب بشأن ظروف الإعدام يمكن اعتباره تعذيبا وسوء معاملة.
كذلك، فإن السلطات ملزمة إعادة جثث المعدَمين إلى عائلاتهم أو أقاربهم.
وأعربت باشليه عن قلقها أيضا إزاء القانون السعودي الذي يتضمن “تعريفا واسعا جدا” لما يشكل الإرهاب والذي قد يهدد بـ”تحويل أشخاص يمارسون حريتهم في التعبير وحقهم في التظاهر سلميا إلى مجرمين”.
ودعت الرياض إلى وضع حد لعمليات الإعدام وإعلان وقف العمل بهذه العقوبة وتخفيف الأحكام الصادرة في حق محكوم عليهم بالإعدام. كذلك طالبت السلطات بتغيير قوانينها بشأن الإرهاب.
وأصدر الممثل السامي للاتحاد الأوروبي بيانا يدين إعدام السلطات السعودية 81 شخصًا في أكبر تطبيق جماعي لعقوبة الإعدام في البلاد منذ عام 2019.
وقال البيان إن هذا يمثل زيادة مقلقة أخرى في اتجاه استخدام عقوبة الإعدام في السعودية، حيث تم إعدام 67 شخصًا في عام 2021.
وأكد الاتحاد الأوروبي أنه يعارض بشدة عقوبة الإعدام في جميع الظروف باعتبارها عقوبة قاسية ولا إنسانية، لا تعمل كرادع للجريمة وتمثل إنكارًا غير مقبول لكرامة الإنسان وسلامته.
وذكر أنه لا يزال يشعر بالقلق إزاء استمرار استخدام عقوبة الإعدام في السعودية وسيواصل تعزيز موقفه مع المحاورين السعوديين، والدعوة إلى الوقف الفعلي الكامل لعقوبة الإعدام، كخطوة أولى نحو الإلغاء الرسمي والكامل لعقوبة الإعدام.
بدورها أدانت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN) حملة الإعدام في السعودية، مشيرة إلى أن من بين المعدمين، 41 شخصًا من الأقلية الشيعية في المملكة.
وقالت سارة لي ويتسن المديرة التنفيذية للمنظمة “إنّ عمليات الإعدام الجماعية الصادمة وغير المسبوقة اليوم في إطار ما نعلم أنه محاكمات صورية بموجب قوانين صورية في السعودية يجب أن تبدد أي مزاعم حول تحول محمد بن سلمان إلى “إصلاحي.” من نوعِ ما”.
وأضافت ويتسن أن “تدليل محمد بن سلمان جعله أكثر بجاحة، بدءًا من التحكم بأسعار النفط في خضم أزمة عالمية، إلى قتل العشرات من مواطنيه في يوم واحد.”
كما أدانت منظمة القسط لحقوق الإنسان أحكام الإعدام التي نفذتها السلطات السعودية، معتبرة إياها “خطوة للوراء فيما يتعلق بوعودها حول الإصلاح المعني بعقوبة الإعدام”.
وأبرزت القسط بأن القضاء في السعودية قضاء غير مستقل وبسجل السلطات الطويل في المحاكمات الجائرة، حيث تعتمد اعترافات منتزعة بالتعذيب من المتهمين.
ولطالما استخدمت السلطات السعودية أنظمتها القانونية لملاحقة المعارضين والنشطاء وقمعهم، وتحديدًا نظام مكافحة الإرهاب الذي تستهدف بموجب مواده الفضفاضة أي نشاطٍ سياسيٍ أو ناقدٍ بصفته نشاطًا إرهابيًا.
ودعت القسط السلطات السعودية إلى ضرورة إيقاف العمل بأحكام الإعدام، والالتزام بالمواثيق والعهود الدولية وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
إدانات من أحرار الجزيرة العربية والعروبة
أدانت عدّة لقاءات وجمعيات وأحزاب وشخصيات علمائية الجريمة التي اقترفها النظام السعودي بحقّ عشرات المعتقلين من بينهم 41 معتقلًا من شباب الحراك السلميّ في الأحساء والقطيف شرق السعودية، حيث اعتبر لقاء المعارضة في الجزيرة العربية أنّ النظام السعودي استغل عنوان “الحرب على الإرهاب” والأوضاع الدوليّة الحاليّة لتنفيذ مجزرة ضد شباب مارسوا حقّهم المشروع في التعبير.
وبحسب اللقاء، فإنّ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أكّد اليوم أنّه ليس أكثر من مجرد قاتل ساديّ يتلذذ بقتل الأبرياء ويسعد بآلام ذويهم، ولفت إلى أنّ دماء هؤلاء الأبرياء هي في رقابنا ورقاب كل الذين تعنيهم الكرامة والعدالة والحقوق المشروعة.
لقاء المعارضة في الجزيرة العربية أشار إلى أنّ معاونة النظام على ظلمه عبر الترويج لأكاذيبه حول اعترافه بالتنوع المذهبيّ والتسامح الدينيّ والاعتدال، هي جزء من التضليل، وأنّ النظام السعودي ارتكب القتل المعنوي أيضًا بجمع شباب الحراك السلميّ في قائمة واحدة مع متهمين في قضايا إرهاب.
ورأى اللقاء أنّ المجزرة التي ارتكبها النظام السعودي دليلٌ عملي على أنّ كل مزاعمه حول الإصلاح والتغيير هي دعاية فارغة، وعاهد عوائل الشهداء بأنّ هذه الجريمة سوف تكون دافعًا للمزيد من النضال ضد الاستبداد السعودي.
من جهتها، أكَّدت رابطة علماء اليمن أنَّ إعدام 81 نفسًا بريئة مسلمة معصومة الدم من أبناء الحجاز والمنطقة الشرقية واليمن مخالفة واضحة للشريعة الإسلامية والأحكام القضائية العادلة، مشددةً على أنَّ جريمة الإعدام الجماعية جرت تحت أسباب ومبررات سياسية وطائفية.
وأدانت الرابطة الصمت المتواطئ وغير البريء للمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية على جريمة إعدام الأسرى والأبرياء.
كما باركت للقوات المسلحة “عملية كسر الحصار الأولى” كرد مشروع وطبيعي على جرائم النظام السعودي المتمثل بالعدوان والحصار، داعية الشعب اليمني إلى مواصلة الصمود ورفد الجبهات بالمال والرجال ودعم القوة الصاروخية والطيران المسير.
بدوره، وزير الإعلام اليمني ضيف الله الشامي، اعتبر أنّ إعدام السعودية بحق 81 مواطنًا بينهم 41 من أبناء القطيف و7 يمنيين جريمة كبرى، وأنّ مثل هذه الجرائم لن تُنفّذ إلاّ برغبة وتوجّه أمريكيين.
وقالت اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى اليمنية “علمنا أن من بين العشرات الذين أعدمهم النظام السعودي أسيران سيق بهما لساحة الإعدام ظلما وعدونا”.
وأكَّدت اللجنة أنَّ إعدام النظام السعودي لأسرى الحرب تجاوز لكل القوانين والمواثيق، مشددةً على أنَّ إعدام النظام السعودي للأسيرين حاكم البطيني وحيدر الشوذاني سابقة خطيرة تنذر بعواقب وخيمة وهو ما لايمكن السكوت عنه.
وفي العراق، اعتبرت كتائب حزب الله أنّ ما يتعرّض له أتباع أهل بيت النبوة (عليهم السلام) على يد حكام بني سعود في أرض نجد والحجاز لهو برهان واضح على مدى وحشيّة هذه العصابة وتعطّشها للدماء بل ويثبت خطر وجودها على الإنسانية.
وأشارت في بيان لها إلى أنّ “ما ارتكبه الكيان السعودي من جرائم ومجازر بحق الأبرياء من بلد الحرمين الشريفين، والعراق، واليمن، وفي كل بلد أدخل به مرتزقته، وأفكاره الوهابيّة الخبيثة بحماية ورعاية صهيونية، إنّما يؤكّد أنّهم السبب الرئيس في عدم استقرار المنطقة”.
من جهته، الأمين العام لعصائب أهل الحق، الشيخ قيس الخزعلي، رأى أنّ السعودية تعدم العشرات بهمجيّة لأسباب أغلبها طائفية مقيتة، مشيرًا إلى إمعان آل سعود بارتكاب جرائم تخالف أبسط معايير الإسلام، مدينًا السلوك الطائفي الممنهج الذي تتبعه الحكومة السعودية.
كذلك رأى المتحدث باسم حركة النجباء العراقية، نصر الشمري، أنّ السعودية تستمر في انتهاكها حقوق الإنسان عبر الإعدامات، وأنّ السعودية تمارس التضليل من خلال اتهام من أعدمتهم بالإرهاب.
وفي ذات السياق، قال الأمين العام لكتائب سيد الشهداء في العراق، أبو آلاء الولائي، إنّ النظام السعودي استغلّ انشغال العالم بالحرب لإعدام 81 شخصاً، والنظام السعودي يؤكد منهجه الطائفي عبر إعدام 40 شيعيًّا من بين 81 شخصاً.
إعدام الحويطي نقطة عطف
عبد الله الحويطي اعتقل عندما كان يبلغ من العمر 14 عاما وحكم عليه بالإعدام بعد ثلاث سنوات في 2019 بتهمتي القتل والسرقة. وفي نوفمبر الماضي، ألغت محكمة الإدانة الحكم بموجب القانون السعودي، وأعادت المحاكمة.
وكتبت والدته، أم عبد الله الحويطي، على تويتر بعد الحكم الذي صدر يوم الأربعاء، “محكمه تبوك الجزائية تحكم بالظلم والبهتان على الحدث عبد الله بالقصاص”.
“بعد نقض المحكمة العليا للحكم الأول لعدم صحة اعترافاته، واليوم تنطق بالحكم والظلم كما في المرة السابقة”. ولم يرد مركز التواصل الدولي التابع للحكومة السعودية على الفور على طلب من رويترز بالتعليق.
يذكر أن السلطات السعودية ألغت في عام 2020 عقوبة الإعدام على الأحداث وقالت إنها ستطبق القرار بأثر رجعي. وأوضحت لجنة حقوق الإنسان في المملكة لاحقًا أن الحظر على عقوبة الإعدام لا ينطبق على جرائم “التعزير” في الشريعة الإسلامية.
كان الحكم الصادر على الحويطي من فئة “القصاص”، وهو عادة ما يسمح فيه لأسر الضحايا بالمطالبة بتنفيذ عقوبة الإعدام أو قبول التعويض أو العفو عن الجاني.
وقالت مايا فوا، مديرة منظمة ريبريف الخيرية لمكافحة عقوبة الإعدام في بيان، إن “عبد الله الحويطي حُكم عليه الآن بالإعدام ليس مرة بل مرتين من قبل محكمة تعرف أنه كان يبلغ من العمر أربعة عشر عاما عندما تم القبض عليه وتعذيبه”.
وتابعت: “كيف يمكن أن يحدث هذا في الوقت الذي ادعت فيه المملكة العربية السعودية، في كثير من الأحيان أنها ألغت عقوبة الإعدام للأطفال؟”.
وأُلقي القبض على الحويطي مع خمسة آخرين، وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش وجماعة ربريف إن المتهمين الستة أبلغوا المحكمة أن المحققين انتزعوا اعترافاتهم بتعذيبهم أو بالتهديد بتعذيبهم.
إذاً يبدو أن الحكم قد صدر لمجرد كونه شيعياً وليس إلا فمحمد بن سلمان الذي كان يحاول تلميع صورته استشعر قرب انفجار حالة الغضب والإحباط الشعبي من سياسته القمعية، وحالة الانفتاح “المبتذلة” التي خرجت عن كل الخطوط الحمر الدينية، ولهذا قرر الإقدام على ضربة استباقية بتنفيذ هذه الإعدامات لتوجيه رسالة تحذير لأي أعمال عنف احتجاجية أو انتقامية.
المصدر/ الوقت