من منزل على أطراف مخيم جنين… حكاية ستكررها الأجيال كثيراً
ولد رعد وسجل في قلم النفوس فدائي حتى الاستشهاد، فهي حالة من الرعب والهلع والخوف مع استنفار أمني وعسكري، وإحباط وارتباك سياسي، باختصار هي حال تل أبيب ليل الخميس/الجمعة، بعدما هاجمها الشاب الفلسطيني رعد حازم، ليذيق سارقي الأرض بعض ما يعيشه أصحابها الأصليون على مستوى يومي.
ورعد هو نجل فتحي حازم وهو ضابطٌ برتبة عقيدٍ، والذي يعمل مسؤولاً لكتيبة في أجهزة الأمن الفلسطينية بمدينة جنين.
واندلعت مواجهات بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال في مخيم جنين اثر محاولات اقتحامه، وأدت المواجهات الى استشهاد شاب واصابة أربعة عشر آخرين. وكانت القوة الاسرائيلية تحاول تطويق منزل عائلة منفذ عملية تل ابيب الشهيد رعد حازم، وتطالب بتسليم والد الشهيد.
حيث حاصرت قوات الاحتلال منزل عائلة الشهيد رعد منفذ “عملية تل ابيب”، ونادت عبر مكبرات الصوت على أسرة الشهيد رعد حازم بالخروج من المنزل وتسليم أنفسهم.
وذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية أن “قوات الجيش الإسرائيلي من وحدة دوفدوفان وجولاني دخلت إلى منطقة جنين لتنفيذ اعتقالات لمطلوبين ومداهمة منزل منفذ عملية إطلاق النار في تل أبيب.” كما اقتحمت قوات الاحتلال قرية برقين جنوب جنين.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن 5 إصابات بالرصاص الحي وصلت مستشفى جنين الحكومي ومستشفى ابن سينا، مشيرة إلى أن جميع الإصابات مستقرة.
وعقب استشهاد رعد حازم، قال والده: إنّ “كل أبناء فلسطين مشاريع شهادة”. وأضاف: “عرفنا أنّ ابننا منفّذ عملية تل أبيب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي”، لافتاً إلى أنّ ابنه “اختار هذا السبيل في مواجهة عمليات القتل وهدم المنازل والاعتقالات والمضايقات”.
وتابع والد الشهيد: “نحن كباقي العائلات التي تتعرض للملاحقة بعد استشهاد أبنائها، ومستعدون لذلك ولن نهرب وصابرون”، مشدداً على أنّ “عمليات المقاومة ستزداد كلما زاد الضغط والانفجار”.
هذا و تلقى والد الشهيد اتصالاً من ضابط اسرائيلي أبلغه بضرورة أن يقوم و أبناءه بتسليم أنفسهم.
عندما أطلق رعد العنان لبندقيته مصوباً رصاصاته تجاه من يعتبر أنهم لا يستحقون لطفه ومحبته كان يعلم أن أولئك هم الذين قاموا بتحويل مخيم جنين، حيث نشأ وعاش، إلى كابوس يومي، يستبيحه عسكرهم ويبيحونه لأجهزة مخابراتهم وأمنهم ليعيثوا فيها قتلاً واعتقالاً وإذلالاً.
من رحم تلك المعاناة، تخلى رعد عن ودّه. لساعات فقط، أراد أن يكون مختلفاً عمّا عاشه طوال سنواته الـ 29. حركته لم تكن عبثية، والقتل بالنسبة له لم يكن هدفاً. هو فقط رد. تذكير لأولئك الساهرين بأن داخل فلسطين، كل فلسطين، من لا يحق له السهر، من تُستكثر عليه الحياة، من يُدفع إلى الموت، من يُنكل به ويُقتل ويُشرد لأنه أراد وطناً.
ورعد ابن شقيقة الشهيدين عثمان السعدي الذي ارتقى على أرض لبنان، والشهيد محمد السعدي الذي ارتقى بعد اشتباك مسلح مع القوات الخاصة الإسرائيلية في الانتفاضة الأولى. وقال خاله محمود السعدي إن ابن شقيقته استشهد في الذكرى الـ 20 لمعركة مخيم جنين، وذكرى كمين المخيم الذي أوقع 13 جندياً قتلى.
بعد العملية التي أوقعت قتيلين و14 جريحاً، سار حازم رعد من موقع التنفيذ في شارع ديزنغوف بمدينة تل أبيب، وصولاً إلى ساحة الساعة في مدينة يافا، من دون أن تعترضه قوات من الشرطة أو الجنود الذين كانوا قد انتشروا بقوات مكثفة في تل أبيب، بأكثر من 1300 عنصر، بمن فيهم جنود من وحدات النخبة في الجيش.
لم يُذكر في أي من الروايات الأمنية الإسرائيلية أنه خاف أو اختبأ. في يافا صادف إسرائيلياً آخر وأطلق النار عليه، من دون أن يتمكّن من إصابته، بعد ذلك بوقت قليل وصل عنصران من “الشاباك”، وهناك صادفا منفذ العملية، وطلبا منه التوقّف، لكنه أطلق النار عليهما ووقع اشتباك بينهما، استشهد على إثره.
سيطول وقوف الإسرائيليين أمام هذه العملية النوعية الفذة، التي نفذها بطل فلسطين وابن جنين القسام الشهيد رعد فتحي حازم، وسيجدون أنفسهم مضطرين لدراستها بعمق، ومعرفة الكثير من تفاصيلها، والطريقة التي تمت بها، والأسلوب الذي اتبعه منفذها، والوسيلة التي استخدمها في اختراق الاجراءات الأمنية والوصول إلى قلب مدينة تل أبيب، وشارعها الأشهر والأكثر حركة، والحالة النفسية المطمئنة التي تحلى بها، وثقته ورباطة جأشه وهو يؤدي صلاة الفجر في مسجدٍ لا يبعد عن مسرح العملية أكثر من خمسة كيلو مترات، وغير ذلك من التفاصيل الدقيقة التي ستخرج الإسرائيلي عن طوره، وستشيب شعر رأسه.
فقد أوجعتهم هذه العملية وآلمتهم أكثر من غيرها، وأذلتهم وأخزتهم، وعرتهم وفضحتهم، وكشفت عجز أمنهم وهشاشة إجراءاتهم، وخلفت على المستوطنين آثاراً نفسيةً قاسيةً يصعب تجاوزها، وأظهرتهم جميعاً في حالةٍ من الخوف والذعر، لا يستطيعون مواجهة الطوارئ والتعامل مع الأخطار المفاجئة، وكشفت عن عوارٍ كبير سيصيب أمنهم وسيهدد جبهتهم الداخلية في حال تكررت مثل هذه العمليات وتعددت، وسيكونون في حالٍ أسوأ لو تمكن المنفذون من احتجاز بعض الرهائن والتمترس بهم، حينها سَتُشلُ قدرات جيشهم، وسَتُحيدُ قوتهم، وسيجدون أنفسهم مضطرين لتقديم تنازلاتٍ مؤلمة أو تضحياتٍ قياسيةٍ.
كثيرةٌ هي الجوانب المضيئة في العملية التي نفذها رعد حازم، فهو ابن مدينة ومخيم جنين، التي يستهدفها العدو الإسرائيلي كل يومٍ بإجراءاته القاسية وعملياته الدموية الموجعة، كان آخرها اغتيال وتصفية ثلاثة من أبنائها، ورغم أنه كان يعرف أن خاتمته الشهادة، وأنه قد يقتل أثناء تنفيذ عمليته، إلا أنه انبرى لها واثقاً ومضى إليها مطمئناً، ونفذها جريئاً غير خائفٍ ولا وجلٍ، وأحسن استخدام مسدسه الصغير، بطلقاته الاثني عشر، التي أصابت تسعٌ منها أهدافها، فقتلت وأصابت، وألحقت ذعراً وهلعاً يفوق القتل ويدوم أكثر من الإصابة، ويترك ندوباً أكثر وأبلغ من الجرح.
المصدر/ الوقت