مفاوضات مندوب الامم المتحدة في صنعاء… اللحية والمقص بيد “انصار الله”
لقد مرت أكثر من ثماني سنوات على غزو اليمن من قبل تحالف عسكري بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكانت هذه الأزمة، مثل الأزمتين في سوريا وليبيا، مسرحًا لتحركات دبلوماسية على ما يبدو من قبل الأمم المتحدة ومبعوثيها الأمميين لإرساء السلام والتوصل إلى حلول سلمية.
وفي الوقت الذي تم الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة شهرين في اليمن بشكل مؤقت وتوقف التوترات العسكرية، فقد مهد هذا الامر الطريق لمزيد من الجهود الدبلوماسية مقارنة بالأشهر الأخيرة، حيث قام “هانز غراندبرج”، المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة إلى اليمن بعد نحو ثمانية أشهر من تعيينه، بأول زيارة له لليمن وللمنطقة وأثناء زيارته للمنطقة، كان مصمماً على تجربة حظه في إكمال مهمة مبعوثي الأمم المتحدة السابقين الذين لم ينجحوا في تخفيف حدة التوترات في اليمن.
وحول هذا السياق، كتب “غراندبرغ” على تويتر معلنا وصوله إلى صنعاء وقال “إنه يتطلع إلى التحدث مع قيادة أنصار الله لتنفيذ وتعزيز اتفاق وقف إطلاق النار ومناقشة سبل المضي قدما لإنهاء الحرب في اليمن”.
ومن الواضح أن الاجتماع تم التخطيط له من قبل سلطنة عمان، التي تلعب دور الوسيط في الحرب اليمنية. حيث قالت وزارة الخارجية العمانية إن “غراندبرغ” التقى بوزير الخارجية العماني “سيد بدر البوسعيدي” يوم الأحد قبل مغادرته مسقط متوجها إلى صنعاء. وغردت وزارة الخارجية العمانية على تويتر أن المباحثات كانت “حول إجراءات وقف اتفاق إطلاق النار ومتطلبات تسوية شاملة في اليمن”. وقال “غراندبرغ” في مؤتمر صحفي افتراضي الأسبوع الماضي “شهدنا انخفاضًا كبيرًا في العمليات العسكرية والاشتباكات منذ بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار”.
إن اتفاق وقف إطلاق النار الحالي، الذي يمكن تمديده إلى ما بعد مهلة الشهرين إذا اتفقت الأطراف، أدى إلى وقف جميع العمليات العسكرية البرية والجوية والبحرية وأيضا سمح باستئناف رحلتين تجاريتين أسبوعياً من داخل مطار صنعاء، وسمح لـ 18 سفينة وقود بدخول ميناء الحديدة الحيوي الخاضع لسيطرة حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية. وقال مبعوث الأمم المتحدة أيضا إنه دعا الجانبين إلى عقد اجتماع للاتفاق على إعادة فتح الطرق حول محافظة تعز والمحافظات الأخرى كجزء آخر من اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي هذا الصدد، أفادت وسائل إعلام سعودية أيضا بزيارة “ديفيد جريسلي” منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، وهو أيضا منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، و “تيم لانديركينغ” المبعوث الأمريكي إلى اليمن، إلى الرياض ولقائه مع “نايف الحجر” الامين العام لمجلس التعاون الخليجي. وهنا يمكن القول إنه بسبب التغييرات الكبيرة التي حدثت في المعادلات السياسية والعسكرية للحرب التي استمرت ثماني سنوات في اليمن، فإن زيارة مبعوث الأمم المتحدة تتم في منعطف حاسم وذلك لأنها :
أولاً، على عكس الماضي، عندما استندت خطط وقف إطلاق النار بالكامل على قبول أو عدم قبول المملكة العربية السعودية، هذه المرة تواصل السعوديون مع الأمم المتحدة والأطراف الإقليمية بسبب عدم قدرتهم الكاملة على مواجهة الطائرات بدون طيار والصواريخ البالستية لـ”أنصار الله” والضربات العسكرية التي شنتها قوات صنعاء على منشآت نفطية مهمة في المملكة العربية السعودية.
رد فعل “أنصار الله” على زيارة مندوب الأمم المتحدة
رحب المتحدث الرسمي باسم حركة “أنصار الله” اليمنية محمد عبدالسلام، بـ”إعلان المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ، عن هدنة إنسانية برعاية أممية، لمدة شهرين، بموجبها تتوقف العمليات العسكرية ويفتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات، وكذلك فتح ميناء الحديدة، أمام المشتقات النفطية، لعدد من السفن خلال شهري الهدنة”، وذلك في تصريح له على وسائل التواصل الاجتماعي. كما رحب المتحدث الرسمي باسم حركة “أنصار الله” اليمنية بزيارة المبعوث الاممي للعاصمة صنعاء ولقائه بعض المسؤولين اليمنيين في حكومة الانقاذ الوطنية.
ومن جانبه، أكد وزير الخارجية في حكومة صنعاء، هشام شرف، بعد لقائه المبعوث الأممي لليمن، هانس غروندبرغ، أن “ترتيبات السلام ستكون تحت إشراف الأمم المتحدة”، مشدداً على أن “استمرار الهدنة مرهون بتنفيذ بنود الإتفاق”.
وقال وزير الخارجية في حكومة صنعاء، هشام شرف، إن “أي ترتيبات للسلام لن تكون تحت سلطة ورعاية الإمارات أو السعودية المشاركتين في الحرب على اليمن وإنما تحت إشراف مظلة الأمم المتحدة وبعد إنهاء الحرب والحصار وإخراج القوات الأجنبية من اليمن”.
وأضاف شرف خلال لقائه المبعوث الأممي لليمن، هانس غروندبرغ، في العاصمة صنعاء، إن “الحصار يجب أن ينتهي بداية بتخفيفه تمهيداً لرفعه بالكامل”. وجدد وزير الخارجية في تصريح خاص للميادين ترحيب سلطة صنعاء بالهدنة الإنسانية المعلنة أممياً، متابعاً: “إن استمرار الهدنة مرهون بتنفيذ بنود الإتفاق، وتسيير رحلات عبر مطار صنعاء بشكل فوري، وعدم عرقلة سفن النفط اليمنية عرض البحر، وادخالها لميناء الحديدة من دون قيود”. وأردف أنه طرح ملف مرتبات موظفي الدولة على طاولة المبعوث الأممي لمناقشتها، والضغط لصرفها باعتباره على رأس أولويات الهدنة الإنسانية.
وعلى سياق متصل، ألمح عضو وفد حكومة صنعاء المفاوض عبدالملك العجري الى الشروط الاساسية للسلام استباقا لاي حوارات مع المبعوث الاممي وقال في تغريده له على حسابه بتويتر ان المحك الحقيقي للسلام هو في مدى الاستجابة للقضايا الإنسانية التي ستطرح على الطاولة سواء باستكمال اجراءات رفع القيود على المطار والميناء او المتعلقة بالحقوق والخدمات الأساسية وعلى رأسها المرتبات والكهرباء.
واضاف نرفض التعامل مع السلام كملهاة وموقفنا دائما مع أي خطوة حقيقة نحو السلام. وتزامنت تغريدة العجري مع وصول المبعوث الاممي الأممي هانس غروندبرغ الى صنعاء وهي الزيارة الأولى له منذ تعيينه مطلع سبتمبر الماضي، من أجل توطيد الهدنة الإنسانية
وفي وقت سابق، أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، أن جهات الحرب في اليمن ردا بالإيجاب، على اقتراح بهدنة شهرين تبدأ في 2 نيسان، موضحًا أنهم “اتفقوا على وقف القتال جوًا وبرًا وبحرًا داخل اليمن، وعلى حدودها”.
وفي كلمته أعرب السيد غروندبرغ عن أمله في أن يساهم وصول سفن الوقود إلى موانئ الحديدة في حل أزمة الوقود في المدينة، مؤكدا على وجوب استمرار دخول المزيد من سفن الوقود إلى الحديدة بشكل ثابت خلال فترة الهدنة.
وأشار المبعوث الخاص إلى العمل والتحضيرات التي تجري “على قدم وساق لفتح مطار صنعاء للرحلة التجارية الأولى منذ ست سنوات. كما بدأت التحضيرات والمشاورات من أجل عقد اللقاء للتوافق حول فتح الطرق في تعز وغيرها من المحافظات.”
وأضاف غروندبرغ للصحفيين أنه فيما تصمد الهدنة بشكل عام حتى الآن، “إلا أن علينا الانتباه للتحديات أيضاً”، موضحا أن مكتبه يعتمد على استمرار التزام الأطراف وانخراطها الجاد من أجل تنفيذ الهدنة. وقال “من المهم أن تتحاور الأطراف مع بعضها البعض بحسن نية، وعليها أيضاً أن تستخدم الآليات التي تيسرها الأمم المتحدة والتي وفرناها لدعمها في هذا الصدد.”
لطالما دعم “أنصار الله” خلال السنوات الماضية عملية بدء محادثات سلام يمنية يمنية على أساس قطع التدخل الأجنبي والحفاظ على استقلال البلاد وسلامته. وتنظر صنعاء إلى المقاومة عبر قوات الجيش واستخدام السياسة، وبالتالي يبدو أن “أنصار الله” ينظر إلى طاولة المفاوضات على أنها ساحة من الخداع وفرض الخطط والسيناريوهات السعودية الإماراتية والأمريكية ولهذا فهم لن يقبلون الجلوس على طاولة المفاوضات الا اذا تم وقف كامل للهجمات ورفع حصار العدو بشكل كامل.
الحقيقة أن زيارة مندوب الأمم المتحدة إلى اليمن في ظل الظروف الجديدة للمعادلات السياسية والعسكرية لهذا البلد مختلفة بشكل كبير عن الماضي، وفي الحقيقة يمكن القول إن اليد العلياء في المفاوضات هي في أيدي حكومة صنعاء أن اليمنيين أنفسهم هم من سوف يقررون كيف ستسير هذه المفاوضات.
المصدر/ الوقت