دور يوم القدس في تعزيز المقاومة ومواجهة فكرة التسوية مع تل أبيب
تعدّ قضية فلسطين ووجود الکيان الصهيوني من أهم القضايا في العالم، ولأكثر من سبعة عقود، أوجد الکيان العديد من المشاكل للعالم الإسلامي، وخاصةً الشعب الفلسطيني.
لكن دعم الدول الغربية وغياب الوحدة بين المسلمين في هذه القضية، كان عقبةً جادةً أمام طرد الکيان الصهيوني من فلسطين.
منذ العقد الثاني من القرن العشرين، وخاصةً بعد وعد بلفور، بدأ اليهود من جميع أنحاء أوروبا بالهجرة إلى فلسطين، وبدعم من الدول الغربية، تمكنوا من طرد الشعب الفلسطيني من ديارهم، وأسسوا أخيرًا کياناً مزيفاً عام 1948.
في عام 1979، أعلن الإمام الخميني (رحمه الله) في خطوة ذكية الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس، ما أدى إلى انتشار الثقافة المعادية للصهيونية في جميع أنحاء العالم.
وأصبح هذا اليوم نقطة الانطلاق لكتابة المقالات والكتب والأعمال الفنية وعقد العديد من الاجتماعات والمؤتمرات والتجمعات العامة في الدول الإسلامية وغير الإسلامية، وكشف الجرائم الوحشية التي ارتكبتها الصهيونية العالمية بعيدًا عن أعين العالم لسنوات.
يوم القدس هو مظهر من مظاهر تضامن العالم مع فلسطين، وهو يوم يروَّج فيه كل عام في آخر جمعة من رمضان لثقافة المقاومة والانتفاضة بين الرأي العام في الدول الإسلامية، وتُكشف طبيعة الکيان الصهيوني الإجرامي الوهمي في الرأي العام العالمي.
وفي مثل هذا اليوم، كشفت دول العالم، وخاصةً شعب إيران الإسلامية، بمسيراتها الكبيرة، طبيعة الکيان الصهيوني الوهمي الإجرامي والقاتل للأطفال، وأظهرت أن “فلسطين” ما زالت حيةً في ضمير الأحرار.
کما أن يوم القدس العالمي يقوي المقاومة وتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، وله تداعيات بعيدة المدى على العالم الإسلامي، ولذلك فإن الکيان الصهيوني يشعر بقلق بالغ حيال هذه القضية.
لا يريد الکيان الصهيوني أبدًا عودة الشعب الفلسطيني إلى أراضيه المحتلة، ولهذا السبب لم تنجح مفاوضات التسوية أبدًا ولم يتم الالتزام بقواعد اللعبة على الإطلاق. وجرائم القادة الصهاينة وأفعالهم العنصرية في تعاملهم مع دول الشعوب الإسلامية، وخاصةً الشعب الفلسطيني، لا تخفى على أحد.
لقد قامت بعض الأنظمة الخليجية التابعة بتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني بقبول “صفقة القرن”، وتم إنشاء سفارات البحرين والإمارات في الکيان الصهيوني.
دخلت عملية تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والدول العربية في الشرق الأوسط مرحلةً جديدةً منذ عام 2009، مع بداية عهد “بنيامين نتنياهو”، رئيس الوزراء السابق لهذا الکيان.
واستمرت جهود تل أبيب لتحقيق السلام مع دول المنطقة حتى نهاية عام 2020، وتم توقيع اتفاقية سلام بين الکيان الصهيوني والإمارات والبحرين، وهما دولتان عربيتان من أعضاء مجلس التعاون.
بعد مرور بعض الوقت على توقيع ما تسمى اتفاقيات أبراهام بين أربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب مع الکيان الصهيوني، يبدو أن تل أبيب هي الفائزة بهذه الاتفاقيات حتى الآن، لأن الدول الموقعة علی الاتفاقيات قد فتحت أسواقها وحدودها لبضائع ومنتجات المحتلين.
وقد تحقق هذا الإنجاز لتل أبيب في وقت لم تنجح فيه مبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية في القمة العربية في بيروت عام 2002 في تحقيق أي إنجاز.
حسب مبادرة اقترحتها السعودية ووافقت عليها الدول الأخرى، کان يجب على الکيان الصهيوني الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، والسماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم، والعودة إلی حدود ما قبل عام 1967، وتلتزم هكذا بقانون السلام أمام الأرض.
في المقابل، تعترف الدول العربية في المنطقة أيضًا بالکيان الصهيوني، وتقيم وتوسع علاقاتها مع الکيان في جميع الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية علانيةً. لكن ما استطاعت تل أبيب تحقيقه ليس سلاماً مقابل الأرض، بل سلاماً مقابل سلام!
ما يمكن قوله هو أن الأوضاع ودفء العلاقات بين دول التسوية والمحتلين لن تبقى كما هي في السنوات القادمة، وخاصةً في ظل الهزائم الميدانية التي لحقت بالکيان الصهيوني في غزة والضفة الغربية على يد فصائل المقاومة، والضعف المتسرع لدوائر الكيان الصهيوني العسكرية والأمنية بسبب الضربات المؤلمة للمقاومة.
توجُّه دول التسوية إلی الصهاينة ربما يأتي في سياق افتراضها خطأً بأن الفلسطينيين سيستسلمون وأن الأوضاع تسير لصالح تل أبيب، لكن الحرب الأخيرة في غزة دفاعاً عن القدس، والتي أطلقت فيها فصائل المقاومة أكثر من 4200 صاروخ على عمق الكيان الصهيوني، فضلاً عن نجاح ستة أسرى فلسطينيين في الهروب من سجن جلبوع وکسر الهيبة الأمنية للكيان الصهيوني، وتطورات أخرى من بينها تكثيف العمليات الاستشهادية ضد الكيان الصهيوني، كلها أدلة على أن مستقبل الكيان الصهيوني ودول التسوية أمر لا يمكن تصوره.
والنقطة التي لا ينبغي التغاضي عنها هي أن الشعوب لن تنسى ولن تغفر خيانة دول التسوية. وإذا اعتقدت هذه الدول أن بإمكان الکيان الصهيوني حمايتها وتحقيق الأمن والاستقرار لها، فإنها مخطئة بشدة، لأن الکيان الصهيوني غير قادر على حماية نفسه.
يوم القدس شوكة في خاصرة معسکر التسوية، والإمام الخميني(رحمه الله) ألقى نور الأمل في قلوب الفلسطينيين المظلومين، وجعل الملايين من لاجئي فلسطين ومناضليها أكثر تصميماً على مواجهة مؤامرات الکيان الصهيوني والولايات المتحدة.
واليوم نشهد ثمار هذه المقاومة والنضال وتعميقها في العالم الإسلامي، لأن خط المقاومة والجهاد والصمود ضد الکيان الصهيوني أقوى من أي وقت مضى مقابل أصحاب التسوية ومثيري الانقسام والفرقة.
المصدر/ الوقت