صحفيّ يُحرج “إسرائيل” في الأمم المتحدة.. ما الذي يمكن استنتاجه
شهد مجلس الأمن الدولي الاثنين الفائت خلال جلسته الشهرية المفتوحة حول النزاع في الشرق الأوسط بما في ذلك “القضية الفلسطينية” والتي شهدت مداخلات من 45 دولة بمن فيهم أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر، إضافة إلى ممثل البعثة الفلسطينية السفير رياض منصور وممثل كيان الاحتلال الإسرائيليّ جلعاد إردان، الذي سقط في بئر تصريحاته الخرقاء، بعد أن توقف قبل دخوله قاعة مجلس الأمن الدولي أمام الصحافة المعتمدة لدى الأمم المتحدة ليقرأ بياناً يتهجم به على الشعب الفلسطينيّ ويتهم من سماهم “الجماعات الإرهابية” الفلسطينية بإثارة الفوضى والمواجهات داخل المسجد الأقصى المبارك، وعرض شريط فيديو يتهم فيه بعض الفلسطينيين باستخدام “ألعاب نارية” داخل الأقصى لإثارة الشغب والفوضى ضد المصلين، ليتم إحراجه من قبل صحفيّ يعمل كمراسل لـ “القدس العربيّ” ويخرج غضبه بعد أن صدمه بعدّة أسئلة تُطرح من الإسرائيليين أنفسهم أحياناً حول الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة التي تكاد تقلب الطاولة على رؤوسهم.
ورطة إسرائيليّة
بالتزامن مع تصاعد إجرام العدو الكيان الصهيونيّ الوحشيّ الذي لا يكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق الفلسطينيين، واتهامه من قبل منظمات دولية بينها منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان، بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، والحديث عن أنّ تلك السياسات ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، في أعقاب المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو بحق أصحاب الأرض، خرج السفير التابع لكيان الاحتلال عن حدود الأدب والدبلوماسية عندما طرح عليه مراسل صحفيّ سؤالاً حول الاحتلال والممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، مشيرا إلى مئات المقاطع التي توثق استهداف “إسرائيل” للمدنيين في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، الشيء الذي أغضب جلعاد إردان ووتره إلى درجة جعلت ملامحه تؤكّد بشكل رسميّ ما يوثق عن العنصريّة الإسرائيليّة.
“هل تريد من الفلسطينيين أن يحتضنوا ويتغنوا الاحتلال أو يقعوا في حبه ويرشوه بالورد والحلوى، أليس من حقهم أن يقاوموه”، سؤال كان كافيّاً لإخراج جام غضب السفي الإسرائيليّ الذي سمع توضيحات من الصحفيّ حول أنّ العالم كله رأى قوات العدو تغتال السيدة غادة سباتين من مسافة قصيرة، وهي أم لستة أطفال، ليحتد جلعاد إردان بقوله: “لا أرغب بمجادلتك، هذه يهودا والسامرة” للتهرب من قضية احتلال الصهاينة لأرض فلسطين منذ عام 1948، وبدأ يكرر المزاعم الإسرائيلية التي أثقبت مسامعنا بها، ويزعم أنّ أراضي الفلسطينيين ملك لأجداده وأنّها ليست أراض محتلة، متناسيّاً أن عبارة “الضحية في كل ما يجري هم الفلسطينيون” التي يتفق عليها جزء من المثقفين والكتاب الصهاينة الذين ولدوا خارج فلسطين المحتلة وعاشوا ودرسوا فيها، والذين يؤكّدون في أكثر من مناسبة أنّ المجتمع اليهودي الذي نشؤوا به، كانت قاعدته “الحب والدعم غير المشروط لإسرائيل”، بالاستناد إلى كذبة “الدولة اليهوديّة هي السبيل الوحيد للحفاظ على سلامتكم”، لكنهم أدركوا حقيقة المخططات التي تنفذها حكومتهم وآلتهم العسكريّة الدمويّة، الشيء الذي دفعهم للقول بأنّ الاحتلال هو “نظام فصل عنصريّ” وأنّه “لو ارتكب يهوديّ وعربي الجريمة نفسها مثلاً بالضفة الغربية، فسيواجه الأول محكمة مدنية، أما الثاني فسيقف أمام محكمة عسكريّة”.
وفي هذا الخصوص، يعترف كتاب إسرائيليون بأنّ معظم الصهاينة لا يعتبرون ما يقوم بها العدو بحق هذا الشعب ظلماً، ويرفضون وصفهم بمصطلح “أبرتهايد”، لأنهم يؤمنون بالفعل أن التمييز أمر مشروع، وجزء من الدفاع عن النفس، وخاصة أنّ المجتمع اليهوديّ غُذي بسرد تاريخيّ منفصل عن الواقع، وهو أن فلسطين كانت إلى حد كبير صحراء غير مأهولة بالسكان قبل أن يستوطنوها، وهو ما يُطلقون عليه “حرب الاستقلال الإسرائيلية”، وهذا الاصطلاح محضُ دجل لا أكثر، لأنّ الاستقلال هو التحرر من أيّ سلطة أجنبيّة بالوسائل المختلفة، أما الاحتلال فهو استِيلاءُ دولة على بلاد دولة أُخرى أَو جزءٍ منها قَهراً، وهذا ما قامت به العصابات الصهيونيّة والدول التي سعت إلى شق الوطن العربيّ لشرقيّ وغربيّ.
هذا بالضبط ما جعل السفير الإسرائيليّ يدعي بأنّ “القدس ليست محتلة وأنّها أرض إسرائيل وأنهم ليسوا محتلين في أي مكان” وكأنّه لم يقرأ سطراً واحداً من تاريخهم الإجراميّ، ولم يسمع عن الإيمان المُطلق لدى بعض الإسرائيليين الذين يُدركون بأنّه لا مستقبل لهم في أرض احتلوها، فهي ليست أرضاً بلا شعب، كما كذبوا عليهم بعد أن وافق الصهاينة على إنشاء وطنهم اليهودي على أرض فلسطين العربيّة تاريخيّاً، وزعموا أنّ فلسطين هي “أرض الميعاد” وأنّ اليهود هم “شعب الله المختار”، وأنّ القدس هي “مركز تلك الأرض”، وأنّها “مدينة وعاصمة الآباء والأجداد”، و”مدينة يهوديّة بالكامل”، بهدف الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الفلسطينيين بأقل عدد ممكن منهم، وقد شجعت الحركة الصهيونيّة بشكل كبير جداً، هجرة يهود أوروبا الجماعيّة إلى أرض فلسطين خلال النصف الأول من القرن العشرين.
ولا بد من تذكير السفير الإسرائيليّ بما قاله أحد الصحفيين الصهاينة حول أنّ “الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليهم الحسناوات وبنات الهوى، وقُلْنا ستمرّ بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجّر انتفاضة الـ 87، أدخلناهم السجون وقلنا سنربّيهم داخلها، وعقب سنوات ظننا أنّهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000 أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة، وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى اثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية.. حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصناعيّ (عاموس) ويُدخِلون الرعب إلى كلّ بيت إسرائيليّ”.
ولا يُنكر الصهاينىة بأنّهم يواجهون أصعب شعب عرفه التاريخ حسب وصفهم، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوق الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال، يدل الواقع على أنّ الإسرائيليين يُدركون بشكل كامل الخداع الذي تحاول العصابة الصهيونيّة زرعه في عقولهم، والدليل وجود عدد لا بأس به من الإسرائيليين يرفضون الروايات الإسرائيليّة، ويطلقون حملات نشطة من أجل تحرير فلسطين من نظام الفصل العنصريّ والمقاطعة العالمية.
وبناء على ذلك، لا يستطيع سفير إسرائيليّ مهما بلغ من الحنكة السياسيّة ووصل إلى مراتب عالية في الكذب والخداع أن يزور التاريخ بتصريح، وإن كانت “إسرائيل” ببساطة تستطيع تدمير أبنية أو طرد عائلاتها أو ارتكاب عمليات إعدام في الشوارع، لكنّها مهما فعلت لن تنجح أولاً في مسح تاريخ كيانها اللقيط ودولة احتلالها الفاشية، وإنّ تعاطي السفير الإسرائيليّ مع هكذا سؤال يدل على أنّ السرطان الذي تعاني منه “إسرائيل” قد بلغ مراحله النهائية ولا سبيل لعلاجه لا بالأسوار ولا بالقبب الحديدية ولا حتى بالقنابل النووية، فالتاريخ علمنا أنّ “الاحتلال” زائل مهما بلغت قوته وجبروته، وها نحن اليوم مستقلون نتذكر الأيام السوداء للمحتل العثمانيّ الذي جثم على قلوب أجدادنا مئات السنين.
ضمان عسكريّ
“ترغب إسرائيل بضمان الأمن من منظماتك الإرهابية”، هكذا خاطب السفير الإسرائيليّ الصحفيّ الذي أشار إلى اعتداءات المستوطنين والآلة العسكريّة الإسرائيليّ على المقدسيين والمقدسات الفلسطينيّة وفي الوقت الذي لا يكف فيه جنود الاحتلال المجرم عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم للهيمنة على الفلسطينيين بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لمصلحة الإسرائيليين اليهود”، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق منهج “القبضة الحديديّة” وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، عندما صُنع هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته قيد أُنملة، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، بعد أن فرضه المستعمرون على العالم وعلى المنطقة، والتاريخ أكبر شاهد على الوحشيّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.
وإنّ الأخبار التي تأتي يوميّاً إن لم نقل كل بضع ساعات من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة خيرُ دليل على ذلك، لأنّ الكيان الصهيونيّ لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يتوقف عن إجرامه وقضمه لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وخيرُ دليل على ذلك نص إعلان الدولة المزعومة، والذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من بلادهم، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في “إسرائيل” وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.
وبالتالي، لا يمكن حصر الجرائم التي ارتكبها العدو الصهيونيّ السفاح بحق الفلسطينيين والعرب، وإنّ الانتهاكات الصهيونيّة كشفت للإسرائيليّ قبل الفلسطينيّ عنصريّة الكيان ودمويّته من خلال الجرائم الكثيرة التي تستهدف الأطفال والشيوخ والنساء جهاراً نهاراً لكنها للأسف ونتيجة الدعم من قبل بعض الدول المعروفة للكيان لم تترافق مع محاسبة دوليّة تردع الظالم عن عدوانه بحق الأبرياء، حيث لم يترك الكيان الصهيونيّ العنصريّ نوعاً من أنواع جرائم الحرب إلا واستخدمها ضد أصحاب الأرض والمقدسات بدءاً من تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم، ومروراً بالجرائم الموجهة ضد المدنيين والتعدي على ممتلكاتهم الشخصية ومقدساتهم وتهجيرهم قسريّاً، وليس انتهاءً عند التعذيب والإبادة الجماعية.
وفي ظل “الحقد الأعمى” الذي يكّنه الإسرائيليون للشعب الفلسطينيّ والمدافعين عنه، تقدمت صحيفة “القدس العربي” بشكوى رسمية لنقابة صحفيي الأمم المتحدة وطالبت في رسالة رسميّة لرئيسة النقابة، فلاريا روبيكو، من وكالة الأنباء الإيطالية باتخاذ موقف من تهجم السفير التابع للكيان الصهيونيّ على صحافي معتمد لدى المنظمة الدولية منذ 8 سنوات وموظف دولي لمدة 26 عاماً، وقد بينت روبيكو استلامها الشكوى قائلة أنّها ستتصل بالبعثة الإسرائيلية وتعود بالرد، وقد أثارت الصحيفة المذكورة المسألة مع نائب المتحدث الرسميّ للأمين العام، فرحان حق، في مؤتمره الصحافي اليوميّ وطالبت مكتب المتحدث باتخاذ موقف من خروج سفير “بلد” عضو في الأمم المتحدة عن حدود الأدب، فكان ردّه: “أنا اتفق أن نقابة الصحفيين يجب أن تأخذ موقفا ولكن بالنسبة لمكتب المتحدث الرسمي فإننا ندعو إلى احترام جميع الصحفيين، وهذه أيضا مسألة تخص مكتب الاعتمادات الصحافية وأقترح أن تثير الموضوع معهم، نحن نريد أن يتم التعامل باحترام مع جميع الصحفيين”.
المصدر/ الوقت