وزير الكهرباء العراقي في إيران، هل تسدد بغداد ديونها الفلكية
وصل وزير الكهرباء العراقي عادل كريم إلى طهران، أمس، 26 نيسان / أبريل 2022، على رأس وفد وزاري للقاء مسؤولين إيرانيين في مجال الطاقة.
وذكر بيان صادر عن وزارة الكهرباء العراقية أن وزير الكهرباء العراقي سيعقد عدة اجتماعات مع الجانب الإيراني لبحث استئناف استيراد الغاز من إيران وسداد الديون وضرورة الالتزام ببنود العقود والاتفاقيات الموقعة بين الجانبين. على الرغم من أن زيارة وزير الكهرباء العراقي لا تبدو ذات أهمية كبيرة في المعادلة الدبلوماسية، يمكن اعتبار هذه الرحلة بداية لفصل جديد من توثيق العلاقات بين طهران وبغداد في مجال التعاون في مجال الطاقة. في الواقع، خلال زيارة عادل كريم لإيران، هناك قضايا ومحاور مهمة سيكون لها تأثير على تعميق العلاقات بين طهران وبغداد.
دفع مستحقات إيران على العراق
مما لا شك فيه أن أهم محور في المحادثات بين المسؤولين الإيرانيين والعراقيين سيكون على تنفيذ مطالب طهران من بغداد. حيث قامت إيران في السنوات الأخيرة بتصدير 50 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا لتلبية احتياجات محطات الكهرباء العراقية، لكن الحكومة العراقية تقاعست عن سداد مشترياتها من الغاز بحجة العقوبات الامريكية على إيران. تسبب استمرار هذه العملية في أن تدين وزارة الكهرباء العراقية بأكثر من 5 مليارات دولار لشركة الغاز الوطنية الإيرانية للغاز. من هذا الدين، تم تجميد 3 مليارات دولار من قبل مصرف TBI العراقي، وأكثر من 2 مليار دولار من الديون المتأخرة المستحقة على وزارة الكهرباء لم يتم سدادها بالكامل من قبل وزارة الكهرباء العراقية. تسبب عدم سداد الديون الناتجة عن تصدير الغاز الإيراني إلى العراق في حالة من عدم الرضا في طهران. أعربت إيران مرارًا عن استيائها من المسؤولين العراقيين لفشلهم في سداد الديون. في نهاية المطاف، استمرت هذه القضية حتى خفضت إيران صادرات الغاز إلى العراق إلى مستوى كبير في شتاء 29 كانون الثاني 2017، نحو 4 ملايين متر مكعب في اليوم. رافق ذلك برد الشتاء الذي أثار قلق الحكومة العراقية وعرّض العديد من المدن العراقية لانقطاع التيار الكهربائي. على الرغم من استلام بعض مستحقات إيران من العراق في الأشهر الأخيرة، إلا أنها لا تزال قضية جادة بين البلدين. ومع ذلك، يبدو الآن أن مهمة عادل كريم الكبرى هي سداد ديون إيران وحل هذه المسألة بما يرضي الإيرانيين. والواقع أنه خلال لقاء مسؤولي شركة جار الوطنية الإيرانية مع وزير الكهرباء العراقي، يبدو أن إيران ستتلقى ضمانات قوية بشأن مطالبها.
دافع بغداد للحفاظ على التعاون مع جهة فاعلة موثوقة تُدعى إيران
في مواجهة جدية إيران في أخذ مستحقاتها المتأخرة من العراق، يبدو أن عادل كريم قلق للغاية من مسألة الحصول على ضمان استيراد الغاز من إيران. وذلك في سياق أنه في الآونة الأخيرة، كانت الدول العربية مصر والأردن اللتان تنفذان مشروع “الشام العربي” من جهة، والدول العربية الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، مثل المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات، قد قطعا وعودا لبغداد لتزويد العراق باحتياجاته من الكهرباء والغاز. وأثارت هذه الوعود تفاؤل البعض في الحكومة العراقية بأن البلاد ستواجه مشاكل أقل مع الكهرباء وبالطبع الغاز في الصيف المقبل. لكن يبدو أن القادة السياسيين العراقيين قد خلصوا في دراساتهم إلى أن الوعود الكبيرة الأحادية الجانب للخليج الفارسي لا يمكن الوفاء بها بسهولة. لذلك، اعتمدت الحكومة العراقية مرة أخرى على إيران كدولة موثوقة لها سجل حافل في التعاون معها.
فاعلية التكلفة في استيراد الغاز من إيران مقارنة بالدول العربية
على صعيد آخر، وبحساب عقلاني، فإن توفير موارد الطاقة اللازمة لبغداد عبر القناة الإيرانية يعد اقتصاديًا أفضل بكثير من الدول العربية أو بعض الدول المجاورة مثل تركيا. حتى الضمانات لاستمرار صادرات الطاقة من إيران إلى العراق أكبر بكثير من دول مثل تركيا، التي تنوي العمل كوسيط فقط. حتى هذه المسألة تم الاعتراف بها صراحة من قبل الحكومة العراقية. وفي هذا الصدد، نرى أن عادل كريم اعترف مؤخرًا في مقابلة تلفزيونية: “تكلفة توصيل شبكة الكهرباء العراقية بالدول العربية في الخليج الفارسي مرتفعة جدًا ولا نتفق مع التكلفة التي عرضوها (دول الخليج الفارسي)، الغاز الايراني مناسب للعراق وسعره مقبول”. وفي تأكيده على أن العراق بحاجة للغاز الإيراني منذ سنوات، تعهد عادل كريم بـ “صيف مختلف” من حيث إمداد مواطنيه بالكهرباء. وبحسب تقدير أولي، فإن العقد العراقي لاستيراد الغاز من قطر لإصلاح النقص في الشتاء، فضلا عن جهود الدولة لربط شبكة الكهرباء العراقية بالسعودية، سيستغرق 38 شهرا وستكلف أكثر بكثير مما تنفقه بغداد عند تعاونها مع إيران. في مثل هذه الحالة، عندما تطالب الدول العربية برسوم جمركية باهظة لتزويد الغاز الذي تحتاجه محطات الطاقة العراقية، فمن المؤكد أن إيران تمثل مصدراً أكثر أمانًا للعراقيين للحصول على الغاز اللازم لبلادهم.
التحول عن النزعة الأمريكية في العلاقات بين طهران وبغداد
إن رغبة الحكومة العراقية الجادة في سداد ديونها المتأخرة المستحقة لإيران وكذلك استمرار تعاونها مع طهران في مجال استيراد الغاز، يعني بوضوح انتقال بغداد من النزعة الأمريكية في علاقاتها مع جارتها الموثوقة في المنطقة في السنوات الأخيرة، وخاصة خلال السنوات الأربع لرئاسة دونالد ترامب في البيت الأبيض، حيث وجهت الحكومة الأمريكية دائمًا ضغوطًا مزدوجة للمتعاونين مع إيران على مختلف المستويات، ودفع هذا المسؤولين في بغداد إلى إدارة ظهورهم لمطالب إيران المالية وعدم توسيع التعاون في مجال الطاقة مع إيران، أو البحث عن بدائل أخرى. لكن زيارة وزير الكهرباء العراقي لإيران وتصريحاته السابقة حول الحاجة طويلة الأمد لاستيراد الغاز من إيران وضرورة سداد الديون تظهر أن بغداد أصبحت الآن تتجاوز ضغوط واشنطن.
المصدر/ الوقت