التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

كيف تعتبر سوريا المدمرة قوة أقليمية 

قبل عدة أيام قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة قصيرة إلى العاصمة الإيرانية طهران والتقى بكبار المسؤولين السياسيين الإيرانيين. وكان أهم برنامج للأسد خلال هذه الزيارة هو لقاء آية الله خامنئي (ع) المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، والذي عُقد في أجواء دافئة وودية للغاية كما في الزيارات السابقة، وهو مظهر من مظاهر العلاقات الاستراتيجية والأخوية بين إيران وسوريا. وكان بشار الأسد مشغولاً في هذا البلد الذي مزقته الحرب بمحاربة الجماعات الارهابية على مدى السنوات العشر الماضية ولهذا فقد قام بعدد قليل جدًا من الزيارات الخارجية خلال نضال الأمة السورية الشامل ضد الجبهة الدولية الغربية، لكن هذه الزيارات كانت دائمًا ذات أهمية كبيرة و اهتمام خاص بالدوائر السياسية، وأهمها الزيارة إلى إيران، باعتبارها الحليف الأهم لمنطقة دمشق والشريك العسكري للسوريين في محاربة الإرهاب، التي كان لها معنى خاصاً فيما يتعلق بالتطورات في هذا البلد.

وحول هذا السياق، قال قائد الثورة الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي في اجتماعه الأخير مع الرئيس السوري بشار الأسد: “سوريا اليوم ليست سوريا قبل الحرب، رغم أنه لم يكن هناك دمار في ذلك الوقت، لكن احترام سوريا ومصداقيتها أكبر بكثير الآن والجميع يراها على أنها قوة اقليمية”. ولقد أعادت زيارة الأسد إلى الواجهة مجدداً خيوط العلاقات التي لا تنفصم بين البلدين، على الرغم من عودة سوريا السريعة إلى الساحة الدولية وانفتاح العلاقات مع الدول العربية. ولقد شدد السيد آية الله خامنئي في هذا الصدد على أن “هذه الرابطة حيوية لكلا البلدين ويجب ألا ندعها تضعف، لكن يجب تقويتها قدر الإمكان”. وفي إشارة إلى تودد بعض الدول التي كانت على خط المواجهة ضد سوريا في السنوات الأخيرة إلى دمشق، أضاف: “يجب توضيح خط المستقبل من تجارب الماضي”. وعليه، وبالنظر إلى الأمور المذكورة أعلاه (تعزيز مكانة سوريا في المنطقة، واستمرار التعاون التدريجي مع إيران)، ينبغي أن تكون النتيجة الإجمالية لتقوية المجالات الأمنية ​​- السياسية – الاقتصادية للمقاومة، هي تشكيل المقاومة نظاماً إقليمياً جديداً في المستقبل.

ولكن كيف يمكن اعتبار دولة بكل هذه الأضرار المادية والدمار الذي لحق بمدنها قوة اقليمية؟

1) كان للتطورات السياسية والأمنية التي حدثت في السنوات الاثنتي عشرة الماضية في سوريا تأثير كبير على حكومة ورئيس هذا البلد. ولقد جعلت هذه التطورات بشار الأسد أكثر حماسًا وتصميمًا، وجعلت مجمل مسؤولي الحكومة السورية أكثر نقاءً مما كانوا عليه في العقود السابقة. وتشهد سوريا هذه الأيام فتنة أهلية كبرى، وحربًا دولية كبرى، وحربًا اقتصادية كبرى، وتعيش في ظل تجربة عقوبات إقليمية وعالمية، وهذه التجربة وتطهير النظام في هذا البلد يبشران بالمزيد من عمليات إعادة الإعمار والتطوير المستدام لسوريا في مجال الاقتصاد والعلاقات الدولية. وفي الوقت نفسه، تحظى الحكومة السورية والرئيس بشار الاسد، اللذان مروا بفترة صعبة من الحرب، باحترام الشعوب بشكل طبيعي واكتسبوا أيضا مصداقية مزدوجة. إن العودة المهينة لبعض الدول العربية في الخليج الفارسي لإعادة العلاقات بسوريا هي واحدة من أهم المؤشرات على الاحترام الكبير الذي حصلت عليه سوريا بعد فوزها في هذه الحرب الكبرى.

2) لطالما كانت سوريا محورًا مهمًا للمقاومة في غرب آسيا، لكن في الوقت نفسه، كانت الحكومة السورية تخضع لقيود واعتبارات مثل العضوية في جامعة الدول العربية أو حتى نوع من العلاقة مع الغرب. ولقد جعلت الأحداث السياسية في السنوات الاثنتي عشرة الماضية النظام السوري أكثر نقاءً وتحررًا من هذه القيود، وأعمق أكثر في محور المقاومة في المنطقة. إن الوجود السوري الأكثر فاعلية وشفافية في معادلات محور المقاومة زاد من ثقلها في المعادلات الاستراتيجية لغرب آسيا.

3) لقد تسارعت سرعة تحول إيران إلى قوة إقليمية بعد الحرب التي كانت مفروضة عليها بشكل كبير جدًا. وسوريا اليوم تعيش المصير نفسه على صعيد آخر والشعب السوري أصبح لديه الآن رجال مقاتلون أكثر من أي وقت مضى مخلصون ويحملون مبادئ أقوى في مواجهة القضايا المحلية والدولية التي يمكن أن تجعل هذا البلد أقوى من أي وقت مضى. بالطبع هذه هي طبيعة الجهاد والحرب لأي أمة تختار خيار المقاومة، ومن قلب هذه المقاومة والجهاد ستجعل تلك الدولة تمتلك عددًا كبيرًا من المخلصين، الأكثر تحفيزًا، والأكثر إصرارًا، والأكثر كفاءة والمزيد من القوى الإدارية الناجحة. وكلما كان الجهاد أكثر نقاءً وعمقاً في ساحة المواجهة بين الصواب والخطأ، سيتدرب الرجال الأكبر والأكثر كفاءة على إعادة بناء الدولة والأمة.

الجدير بالذكر أن زيارة الأسد إلى طهران حملت دلالات في التوقيت والملفات التي تناولها في مباحثاته مع المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي؛ لعل أبرزها دعم النضال الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وفق المحلل السياسي حسن هاني زاده. وأوضح هاني زاده، أن مباحثات الأسد في طهران ركزت على عدة محاور، أهمها تدشين مرحلة جديدة في العلاقات الإيرانية السورية والعمل المشترك على إعادة إعمار ما دمرته الحرب الكونية على سورية طوال أكثر من 11 عاما. ومع احتدام الوضع الأمني في الأراضي الفلسطينية المحتلة واحتمالات نشوب حرب جديدة بين فصائل المقاومة والكيان المحتل، احتل التنسيق بين طهران ودمشق حيزا كبيرا من المباحثات في طهران -والكلام لهاني زاده- إلى جانب التنسيق الثنائي عقب إطالة أمد الحرب الروسية على أوكرانيا. وختم هاني زاده بأن المحور الرابع من المباحثات الإيرانية السورية تناول رغبة بعض الدول العربية المطبعة مع الاحتلال الإسرائيلي في تعزيز علاقاتها مع دمشق.

وتعتبر العديد من المصادر ان الزيارة تأتي على الارجح بطلب من النظام الايراني الذي يبعث رسائل لواشنطن بأنه ما زال الاقوى والافعل في المنطقة ويحرك حلفاءه فيها بإشارة من اصبعه، توضح ان للرئيس السوري ايضا مصلحته في استمرار اظهار انه ما زال متحالفا بقوة مع طهران ليقبض ثمن فك هذا الارتباط غاليا. وتحمل زيارة الاسد ايضا رسالة استعراض قوة للتقارب بين سوريا وايران موجهة الى اسرائيل ومن خلفها الادارة الامريكية، الحليف الاساسي لها في المنطقة. وقد اشار الاعلام الاسرائيلي الى أن “الأسد قال لخامنئي في اللقاء بينهما إن العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين منعت الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، ويجب أن تتعاظم” ، وتلفت المصادر الى اهمية تزامنها مع احتدام الوضع الأمني في الأراضي الفلسطينية واحتمالات نشوب حرب جديدة بين فصائل المقاومة واسرائيل ومجمل هذه الرسائل تستفيد منها طهران ودمشق وتشكل مصلحة مشتركة بينهما.

بطبيعة الحال، في العامين الماضيين، وبفضل الانتصارات الهائلة للمقاومة السورية على جبهة الإرهاب وأنصارهم، تمت تهيئة ظروف أمنية مواتية في جزء كبير من سوريا، وعادت الحياة الطبيعية إلى فترة ما قبل الأزمة. وحاليا يستعد السوريون لبناء بلادهم، لذلك يبدو أنه بمرور الوقت، سوف يتم استبدال الأولويات العسكرية والأمنية في العلاقات الثنائية بين طهران ودمشق بالتعاون الاقتصادي، وهو ما يرجع أيضًا إلى جهود جبهة العدو المشتركة لضرب اقتصاد الشعب السوري والمنطقة عبر العقوبات الغربية القمعية. وتأتي هذه الزيارة لتبدد كل الأوهام والرهانات وتعيد التوازن الى الصورة، لأنه من ناحية المضمون بالأساس لا توجد أي إمكانية لهذه الأوهام التي يراودون بها أنفسهم، وتشكل رسالة مدوية لكل الأطراف الدولية والإقليمية والعربية بأن أي علاقات مع سوريا ستكون على أساس ثوابتها وخياراتها الاستراتيجية وتحديداً تحالفها مع إيران وأيضا مع روسيا.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق