التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

زيارة أمير قطر لطهران.. المباحثات السياسية والمكاسب الاقتصادية 

ترأس أمير قطر الشيخ تميم بن محمد آل ثاني وفدا رفيع المستوى في زيارة رسمية إلى العاصمة الإيرانية طهران يوم الخميس الماضي والتقى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية والرئيس الإيراني. وحول هذا السياق، يقول بعض الخبراء السياسيين إن هذه الزيارة تزامنت مع مشاورات حول مجموعة واسعة من القضايا الإقليمية والدولية. ويعتقد اولئك الخبراء، أنه في ضوء التطورات الأخيرة التي وقعت في المنطقة وكذلك في الساحة الدولية، فإن زيارة أمير قطر إلى طهران تعتبر زيارة ذات أهمية خاصة وذلك لأنها تطرقت إلى مجالات مختلفة مثل محادثات فيينا، والأمن الإقليمي، وتعزيز التعاون الاقتصادي، وخاصة في مجال الطاقة بين البلدين، هو يمكن أن يكون الحل للعديد من التحديات الحالية التي تواجهها طهران.

إن التعاون الاقتصادي الحالي بين إيران وقطر، وخاصة في مجال الطاقة، يكتسب أهمية خاصة وذلك لأنه يوجد لدى البلدين حقول نفط وغاز مشتركة في منطقة الخليج، وتعزيز العلاقات بين البلدين في هذا المجال سوف يؤدي إلى تعزيز مكانتهما في سوق الطاقة العالمية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن التطورات في أوكرانيا خلقت جوًا ملتهبًا في أسواق الطاقة العالمية، وهناك احتمال للوقف الكامل لصادرات الطاقة الروسية إلى أوروبا، حيث يمكن لجمهورية إيران الإسلامية وقطر أن تلعبا دورًا خاصًا بشكل مشترك في تزويد أوروبا بالطاقة ولهذا فإن زيارة الشيخ تميم بن محمد آل ثاني لطهران تعتبر واعدة للغاية وذات أهمية كبيرة.

وفي ظل التطورات الإقليمية والعالمية، فإن زيارة أمير قطر لطهران لها أيضا أهمية من الناحية الاستراتيجية. فقطر هي إحدى الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، التي أقامت علاقات مقبولة ومتوازنة مع جمهورية إيران الإسلامية على مدى العقود الأربعة الماضية، وعلى الرغم من الضغوط الإقليمية والدولية، فقد بذلت الدوحة جهودًا خاصة للحفاظ على علاقاتها الطيبة مع إيران. ولهذا السبب، لعبت الدوحة دورًا إيجابيًا في العديد من الأزمات والمشاكل الإقليمية وحتى الدولية، وفي بعض الحالات، كانت سياساتها وإجراءاتها على الساحة السياسية مفيدة. وفي هذا الصدد، تكتسب زيارة أمير قطر لطهران أهمية خاصة في مجالات مثل “المحادثات النووية في فيينا” و “القضايا الإقليمية” و “التعاون الاقتصادي خاصة في مجال الطاقة”.

الوساطة بين طهران وواشنطن

منذ انتهاء الخلاف الخليجي، مطلع 2021، حاولت قطر مراراً تأكيد استعدادها للتوسط في كل ما من شأنه تفكيك الأزمات وتسويتها سلمياً بما يخفف احتقان المنطقة الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة. وقد منح الدور الاستراتيجي الذي أدته الدوحة في المفاوضات التي جرت قبل عامين بين الولايات المتحدة وحركة “طالبان” الأفغانية، وما تلاه من مساعدات كبيرة خلال عمليات الإجلاء التي تلت سيطرة طالبان على البلاد، في أغسطس 2021، القطريين مكانة خاصة، ولا سيما لدى واشنطن. في الوقت الراهن دخلت مفاوضات فيينا النووية مرحلة الجمود؛ بسبب التداعيات التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا، وقد نقلت صحيفة “إسرائيل اليوم”، أواخر أبريل 2022، عن مسؤولين أن واشنطن باتت أقرب لإعلان فشل المفاوضات من أي وقت مضى.

ورغم عدم تمسك إدارة “جو بايدن” بإحياء الاتفاق وتأكيدها أنها لن تسمح لطهران بامتلاك سلاح نووي، وأيضا تواصل حكومة الاحتلال وبعض حلفائها الإقليميين العمل على إفشال المفاوضات بلا توقف. وقد أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية “سعيد خطيب زاده”، 9 مايو 2022، أن التوصل لاتفاق يتوقف على اتخاذ الولايات المتحدة قراراً سياسياً بهذا الشأن. في الوقت نفسه لا تزال المفاوضات السعودية الإيرانية التي بدأت في بغداد أبريل 2021، عاجزة عن إنهاء الخلاف بين البلدين، رغم تأكيدات العراق مؤخراً قرب البلدين من استئناف العلاقات الدبلوماسية.

كما أن الخلاف الجديد الذي وقع بين إيران مع كل من الكويت والسعودية بشأن حقل الدرة النفطي، والتهديدات المتصاعدة التي يطلقها نواب عراقيون ضد الكويت بشأن منطقة خور عبد الله، تزيد من احتمالات قيام الدوحة بمحاولة لتخفيف الاحتقان وتقريب وجهات النظر. إلى جانب ذلك يعوّل كثيرون على تمديد الهدنة التي بدأت في اليمن، مطلع مايو 2022، والبناء عليها لإنهاء الحرب المستمرة منذ 2015، وهو ملف يرتبط بشكل أساسي بموقف الرياض التي تدعم حكومة الرئيس اليمني المستقيل “منصور هادي” وموقف طهران التي تدعم حكومة صنعاء.

وحول هذا السياق، يرى العديد من المراقبين أن زيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى طهران كانت تهدف أيضا لكسر الجمود بين إيران ودول 5 + 1 في فيينا، وذلك لأن، أمير قطر، الذي تربطه علاقات وثيقة بإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، سوف يعمل على كسر الصمت والحصول على بعض التنازلات من الجانبين الإيراني والغربي. ويعتقد المراقبون أيضا أن زيارة بشار الأسد وزيارة أمير قطر لطهران خلال الفترة الماضية، سوف تساعدان على بدء فصل جديد من العلاقات السياسية والاقتصادية الطيبة بين الدول العربية في المنطقة، وكذلك سوف تبثا الحياة في المفاوضات بين إيران ومجموعة 5 + 1.

وعلى هذا المنوال نفسه، أكد الكثير من النشطاء الاقتصاديين القطريين والإيرانيين خلال هذه الزيارة على استعدادهم على التعاون بشكل أكبر مع بعضهم البعض. وأشار النشطاء الاقتصاديين إلى أن غرفة التجارة الإيرانية القطرية المشتركة لها دور مهم في توجيه القطاع الخاص والعلاقات الاقتصادية الطيبة بين البلدين. ومع إقامة مونديال قطر 2022 في قطر، أصبح القطاع الخاص الإيراني مستعدًا للعب دور في استضافة المشاركين في جزيرة كيش وتصدير السلع المطلوبة وتلبية احتياجات الدوحة. وحول هذا السياق، يقول بعض النشطاء الاقتصاديين الإيرانيين إنهم بذلوا حتى الآن جهود كبيرة لمواكبة تنظيم هذا الحدث الرياضي الكبير في العاصمة القطرية الدوحة، خاصة في مجال المواد الغذائية ومواد البناء.

وعلى صعيد متصل، قال الرئيس الإيراني قبل عدة أيام أنه: “تم التوقيع على 14 اتفاقية يجب تنفيذها ومتابعتها من قبل المسؤولين في الحكومة، كما أوعز أمير قطر كبار المسؤولين القطريين للتنفيذ الفوري لهذه الاتفاقيات ومذكرات التفاهم”. وفي إشارة إلى لقائه مع نشطاء اقتصاديين قطريين، قال الرئيس الإيراني: “النشطاء الاقتصاديون مهتمون للغاية بالعمل الاقتصادي والتجاري والاستثماري في إيران”. وشدد الرئيس الإيراني على ضرورة إنشاء مكتب تجاري إيراني في قطر على الفور، مشيرا إلى أنه تم اقتراح إزالة كل الحواجز الجمركية واصدار التراخيص التجارية والموافقة عليها من قبل وزير التجارة الإيراني ووزير الصناعة القطري، وإزالة الحواجز التجارية والاقتصادية والاستثمارية بين البلدين.

ومن جانبه قال رئيس غرفة التجارة المشتركة بين إيران وقطر في إشارة إلى زيارة المسؤولين القطريين لجزيرة كيش: “زيارة أمير قطر يمكن أن تكون مفيدة في متابعة اتفاقيات التعاون لاستضافة مونديال 2022”. وشدد رئيس غرفة التجارة المشتركة بين إيران وقطر على ضرورة حصول القطاع الخاص على التعاون اللازم في مجال السياحة وتصدير الأصناف والمواد وتطوير وتجهيز الفنادق في جزيرة كيش، مشيرا إلى أن توسيع العلاقات على مستوى المسؤولين السياسيين يبشر بأخبار وأحداث جيدة وسوف يخلق أرضية مناسبة لتزايد مستوى تعاون القطاع الخاص بشكل أكبر بين البلدين.

الجدير بالذكر أنه بعد هذه الزيارة، وافق مجلس الوزراء القطري على اتفاقية الإعفاء من التأشيرة بين إيران وقطر لجوازات السفر الدبلوماسية والخاصة. كما وقعت طهران والدوحة اتفاقيات تعاون في بعض المجالات المتعلقة باستضافة مونديال 2022. بالطبع، لم تقتصر هذه المحادثات على الاتفاقات على الورق. حيث أعلنت الحكومة الإيرانية الحالية أنها ستكون جاهزة لتسهيل حركة السياحة وزيادة عدد الرحلات من طهران إلى الدوحة والعكس، والتعاون واستخدام السفن السياحية وسفن الركاب مع إمكانية الإقامة، ودعوة بعض الفرق المشاركة بالمونديال لزيارة إيران واستخدام بعض الجزر مثل جزيرة كيش. وهنا تجدر الاشارة إلى أن التعاون بين البلدين في كأس العالم، إضافة إلى التعريف بإيران للعالم، يمكن أن يعود بفوائد اقتصادية على اقتصاد طهران الذي يعيش في ظل عقوبات خانقة.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق