التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024

أردوغان يلعب بالنار مجدداً… العودة إلی فکرة المنطقة الآمنة بطول 30 كيلومترا في شمال سوريا 

تركيا، بعد 11 عامًا من إثارة الأزمات في سوريا، تخطط لاحتلال جزء من هذا البلد مرةً أخرى، وفي هذا الصدد قال مسؤولون في أنقرة إنهم سيقيمون منطقةً آمنةً بطول 30 كيلومترًا في شمال سوريا، وهي خطوة قد تصعد التوترات، بالنظر إلى موقف دمشق، والأكراد المدعومين من الولايات المتحدة.

تركيا التي تستخدم كل أزمة دولية لتحقيق أهدافها، هذه المرة تغتنم فرصة انشغال العالم بالحرب في أوكرانيا، وتسعى إلى تحقيق تطلعاتها الطويلة في سوريا.

حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطته الجديدة في کلمة له، قال فيها إن بلاده ستشن عمليةً عسكريةً أخرى على حدودها الجنوبية، لإنشاء منطقة آمنة بطول 30 كيلومترًا في سوريا.

لقد دعت تركيا مرارًا وتكرارًا إلى إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا في السنوات الأخيرة، لكنها فشلت في تحقيق هدفها بسبب معارضة القوى الكبرى، لكن الآن دفعتها الحرب الأوكرانية والصراع بين الغرب وروسيا إلى المحاولة مرةً أخرى.

هذا الإجراء التركي هو انتهاك لسيادة ووحدة أراضي سوريا، ما قد تكون له عواقب لا يمكن إصلاحها على هذا البلد والمنطقة. لأن هذا السيناريو الخطير يتسبب في استفزاز دول أخرى وانتهاك سيادة جيرانها بسهولة.

أهداف تركيا من المنطقة الآمنة

تعتبر تركيا الأكراد السوريين جزءًا من حزب العمال الكردستاني، وتعتبر صعودهم إلى السلطة تهديدًا لأمن حدودها الجنوبية، ونفذت عدة هجمات ضد هذه الجماعات في السنوات الأخيرة.

لذلك، الآن وبعد أن أصبحت القوى العالمية منشغلةً بالأزمة في أوكرانيا، فإنها تحاول صد الأكراد السوريين من خلال إنشاء منطقة آمنة، وتوسيع نطاق أمنها على بعد عشرات الكيلومترات من حدودها. وبما أنها فشلت في الإطاحة ببشار الأسد، تريد على الأقل أن تخلق حاجزًا بينها وبين الحكومة السورية.

من ناحية أخرى، من خلال إنشاء منطقة آمنة، تحاول تركيا إعادة ملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون على حدودها الجنوبية لسنوات عديدة، وبالتالي تقليل تكاليفها في إسكان اللاجئين.

کما تريد تركيا تغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة من خلال إعادة توطين اللاجئين، وبالتالي إعادة توطين بعض الأتراك في شمال سوريا، ما يمهد الطريق لضم هذه المنطقة في المستقبل إلى تركيا.

يرتبط هدف أردوغان أيضًا بشؤون تركيا الداخلية، وبما أن الانتخابات الرئاسية ستجری في العام المقبل، يحاول أردوغان إسكات المعارضة الداخلية من خلال حل قضية اللاجئين، والبقاء في السلطة مرةً أخرى بدعم من أنصاره. لأنه في الأشهر الأخيرة، نشطت المعارضة في رکوب موجة المشاكل الاقتصادية من أجل الإطاحة بأردوغان من السلطة.

الأرضيات المطلوبة لمغامرة أردوغان الجديدة

على الرغم من سعي تركيا لإنشاء منطقة آمنة في سوريا منذ بداية الأزمة السورية، لكن في الوقت الحالي دفعت بعض التطورات أنقرة إلى متابعة هذه القضية بجدية.

من القضايا المهمة التي دفعت تركيا للمضي قدمًا في سوريا تدخل روسيا في أوكرانيا ، وبما أن الروس خفضوا جزءًا من قواتهم في سوريا لتعزيز الجبهة الأوكرانية ، فقد استغل الأتراك هذه الفرصة ، ودون إزعاج الروس حاولوا احتلال الأراضي السورية.

ومن القضايا المهمة التي دفعت تركيا للمضي قدمًا في سوريا، هي تدخل روسيا في أوكرانيا، وبما أن الروس قد خفضوا جزءًا من قواتهم في سوريا لتعزيز الجبهة الأوكرانية، فقد استغل الأتراك هذه الفرصة لمحاولة احتلال الأراضي السورية دون مواجهة الروس.

كانت تركيا حذرةً في تنفيذ خططها في سوريا بسبب الاتفاقات التي تم التوصل إليها مع روسيا في قمة أستانا، لكن مع تضاؤل ​​قوة المناورة الروسية، تخلت تركيا عن الاعتبارات لجعل حلمها الممتد لـ 10 سنوات حقيقةً واقعةً.

من ناحية أخرى، نظرًا لأن الغرب بحاجة إلى دعم تركيا في حرب أوكرانيا لعزل روسيا، فإن مسؤولي أنقرة يستغلون هذه الفرصة ويسعون للحصول على تنازلات.

کذلك، يبدو أن الولايات المتحدة التي تحاول توحيد جميع أعضاء الناتو ضد روسيا، رغم التحذيرات التي وجهت لتركيا في هذا الصدد، أعطت الضوء الأخضر لتركيا لمتابعة خططها في شمال سوريا، للحصول علی دعمها.

في الأسابيع الأخيرة، عارض أردوغان عضوية فنلندا والسويد في الناتو، ويبدو أنه استفاد من هذا الجدل في سوريا. إذ اتهمت تركيا مؤخرًا فنلندا والسويد بدعم حزب العمال الكردستاني، ودعتهما إلى إنهاء دعمهما لهذا الحزب.

تركيا، التي تعتبر هذه الجماعة إرهابيةً، دعت الأوروبيين إلى وضع حزب العمال الكردستاني على قائمة الإرهاب، والآن بعد أن احتاج الغرب إلى تركيا، فإنها تسعى لتحقيق أهدافها.

إن الضوء الأمريکي الأخضر لتركيا لتنفيذ خططها في سوريا، يظهر أن سلطات واشنطن اتبعت سياسة “المصالح الآنية”، ولأن الساحة الأوكرانية بالغة الأهمية للولايات المتحدة في الوقت الحالي، فإن واشنطن تحتاج إلى دعم تركيا كحليف في الناتو، ولهذا السبب اضطرت إلى تقديم تنازلات لأنقرة بحذر.

وبالنظر إلى أن الأكراد السوريين تلقوا الدعم من الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، وأن الهدف الرئيسي لتركيا هو مواجهة هذه الجماعات، يبدو أن الولايات المتحدة تركت حلفاءها وشأنهم مرةً أخرى.

والنقطة المهمة الأخرى في الاحتلال التركي الجديد، هي الدعم السري لقادة إقليم كردستان العراق لخطط تركيا في المنطقة.

وبالنظر إلى أن أكراد العراق على خلاف مع الأكراد السوريين، فقد قدموا مساعدةً استخباراتيةً لتركيا في الأشهر الأخيرة في الهجمات ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. لذلك يحظى أردوغان بتأييد سلطات الإقليم في دفع خططه في سوريا، الهادفة إلى صد التهديدات التي يشكلها الأكراد السوريون.

موقف دمشق

أثارت طموحات تركيا الجديدة غضب المسؤولين السوريين. ورداً على تحركات أنقرة، قالت الخارجية السورية إن تصريحات الرئيس التركي السخيفة بشأن إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، هي لعبة عدائية يلعبها هذا النظام ضد سوريا وسلامة أراضيها.

وأضاف بيان الخارجية السورية إن خطة تقسيم سوريا هي خطة لا تتماشى إلا مع أهداف الکيان الإسرائيلي والولايات المتحدة والغرب. كما تم التأكيد على أن الهدف من إنشاء مثل هذه المناطق ليس حماية المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا إطلاقاً، بل هدفه الأساسي استعمار وإنشاء مركز تفجير، ما يساعد بشكل أساسي على تنفيذ مخططات إرهابية ضد الشعب السوري.

الحكومة السورية رفضت بشدة مثل هذا العذر، ودعت دول المنطقة والعالم التي لعبت دورًا في تمويل مثل هذه المخططات الإجرامية والترويج لها، إلى التوقف الفوري عن دعم تركيا في متابعة نواياها الشريرة.

وعلى الرغم من نية الحكومة التركية احتلال شمال سوريا، إلا أن هذا الإجراء لن يمر دون رد، وسيواجه الجيش السوري هذه الاعتداءات.

وكانت دمشق قد صرحت مرارًا أن وجود تركيا والولايات المتحدة في شمال سوريا مثال واضح على الاحتلال واستهداف وحدة أراضي البلاد، بهدف نهب مواردها وتفكيكها.

الموقف المتشدد للحكومة السورية والأكراد المدعومين من الولايات المتحدة تجاه سياسة تركيا الجديدة، يُظهر أن خطط أردوغان التخريبية ستصعد التوترات في سوريا وتقضي علی الهدوء النسبي الذي استعيد في السنوات الأخيرة منذ هزيمة داعش.

من ناحية أخرى، على الرغم من أن الأكراد يواجهون تحديًا مع الحكومة المركزية السورية، فمن الممكن أن يتحد الطرفان لصد عدو واحد، على الأقل لفترة قصيرة، لطرد تركيا من أراضيهم.

يُظهر السيناريو التركي الجديد في شمال سوريا، أن سلطات أنقرة لم تتعلم الدروس والعبر من الماضي.

يتم تنفيذ هذه الخطة في حين أن عقداً من الحرب غير المثمرة في سوريا قد مهَّد الطريق لحرب طائفية، وإذا تم تنفيذها ستزرع بذور الحقد والکراهية في المنطقة، ولن تقتصر تداعيات ذلك على تركيا وسوريا بل ستنتشر في كل دول المنطقة.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق