روسيا تسعى للحصول على تأكيدات سعودية بعدم زيادة إنتاج النفط
بينما يسعى الغرب إلى ضرب روسيا اقتصاديا في خضم حرب أوكرانيا، لم يتراجع الروس بل يسعون للحصول على موافقة بعض الدول لمواءمة سياساتهم مع سياسات الغرب. حيث قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بالسفر إلى العديد من البلدان الغنية بالطاقة في الأسابيع الأخيرة للحصول على دعمها لحرب موسكو الاقتصادية مع الغرب. ويزور لافروف الرياض للقاء مسؤولين سعوديين، ويقال إن الدبلوماسي الروسي المخضرم التقى وزراء خارجية السعودية والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت وسلطنة عمان في مقر مجلس التعاون الخليجي في الرياض. ولقد تمت زيارة لافروف إلى منطقة الخليج الفارسي قبل يوم واحد فقط من قمة أوبك بلس في فيينا، ما يدل على أن أزمة أوكرانيا وقضية الطاقة من بين أبرز الأحداث التي جاءت في الزيارة.
وتأتي زيارة لافروف في الوقت الذي سعت فيه الولايات المتحدة إلى إقناع السعودية والإمارات بزيادة إنتاج النفط لخفض أسعار النفط في الأسواق العالمية، وقد قوبل هذا الطلب بمعارضة أدت إلى ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية. وفي الأسابيع الأخيرة، اتخذ المسؤولون الأمريكيون خطوات مهمة لتقليل التوترات مع الرياض وإصلاح العلاقات المتوترة، لكن الروس تدخلوا قبل البيت الأبيض لمنع النفط البديل من الدخول في خضم العقوبات. وعلى الرغم من أن المسؤولين الروس مقتنعون بأن السعودية قد لا تغير سياستها السابقة تجاه أوكرانيا، إلا أنهم يريدون اخذ وعود من السعودية، نظرا إلى جهود واشنطن لزيادة العقوبات النفطية ضد روسيا من خلال حلفائها العرب.
وتأتي زيارة المسؤول الروسي عقب مواقف عدد من الدول الخليجية بشأن الأزمة الأوكرانية اتسمت بالحياد، رغم ضغوط واشنطن لزيادة الإنتاج بهدف خفض الأسعار التي ارتفعت إلى ما فوق مئة دولار للبرميل منذ شباط الماضي على وقع الحرب في أوكرانيا. والتقى لافروف خلال زيارته أيضا، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه حيث ناقشا “التحديات الإقليمية والدولية الرئيسية”، وأكدا “أهمية التنسيق والتشاور بما يخدم الجهود والمساعي الدولية لإحلال السلم والاستقرار والتنمية في العالم”، حسب بيان للمنظمة. وقدم الوزير الروسي إلى الرياض بعد زيارة إلى البحرين حيث صرح أن الدول الغربية “تسببت بالكثير من المشاكل المصطنعة عبر إغلاق موانئها أمام السفن الروسية وتعطيل السلاسل اللوجستية والمالية”. وأضاف: “عليهم التفكير جدّيا بما هو أهم بالنسبة إليهم: القيام بحملة علاقات عامة مرتبطة بمشكلة أمن الغذاء أو اتّخاذ خطوات ملموسة لحل المشكلة”.
وقال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، يوم الثلاثاء، إن بلاده “على استعداد لبذل الجهود اللازمة للمساهمة في التوصل إلى حل سياسي للأزمة الأوكرانية” وأكد وزير الخارجية السعودي خلال استقباله نظيره الروسي سيرغي لافروف، في ديوان الوزارة بالرياض، على “موقف المملكة المبني على أسس القانون الدولي ودعمها للجهود الهادفة للتوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة ويحقق الأمن والاستقرار”. واستعرض الأمير فيصل بن فرحان مع وزير الخارجية الروسي “العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين وسبل تعزيزها، إضافة إلى تبادل وجهات النظر حيال مستجدات الأوضاع في المنطقة والعالم والجهود المبذولة تجاهها”.
ومع موافقة الاتحاد الأوروبي على حظر النفط الروس، يحتاج الغرب إلى إقناع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بزيادة إنتاج النفط بشكل أكبر، ويطرق الأمريكيون كل الأبواب لجلب السعوديين معهم. لذلك، فإن زيارة لافروف إلى المملكة العربية السعودية في الوضع الحالي تتم للحصول على ضمان من السعوديين بأن المملكة العربية السعودية ستبقي منتجاتها في السقف الحالي.
بخيبة أمل من رفع العقوبات الغربية عن روسيا، تحاول روسيا استخدام نفوذها في مجال الطاقة لمعاقبة الغرب بمساعدة حلفائها، ومن المهم بشكل خاص بالنسبة للروس جذب دول مثل المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم. إن موسكو الآن ترى الرياض كمنقذ. وبطريقة ما، تحاول روسيا منع تشكيل تحالف قوي من الدول الغنية بالطاقة ضد مشيخات الخليج الفارسي من أجل تحييد آثار العقوبات، وكذلك الحفاظ على صادرات الطاقة إلى أوروبا كوسيلة ضغط. وتنسق السعودية مع روسيا في أوبك بلس ولا تريد أن تظهر قدرتها على التأثير على أسواق الطاقة في أزمة الطاقة التي سببتها حرب أوكرانيا على الغرب من أجل زيادة ثقلها السياسي في العلاقات الدولية.
من ناحية أخرى، فإن تعزيز العلاقات الثنائية بين روسيا والمملكة العربية السعودية مهم أيضًا للسعوديين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نفسه. ونظرًا لأن ابن سلمان غاضب من الموقف القاسي للإدارة الديمقراطية الامريكية بشأن نشر سجله في مجال حقوق الإنسان، فإنه يحاول استخدام مقاربته لموسكو للضغط على مسؤولي واشنطن لتحقيق توازن بين موسكو والغرب.
لقد كان مسؤولو البيت الأبيض غاضبين من قرب المملكة العربية السعودية من الصين وروسيا في السنوات الأخيرة، ويرى ابن سلمان تحسين العلاقات مع موسكو وبكين لتحسين موقفه لإظهار أنه يتصرف بشكل مستقل في سياسته الخارجية. ولقد توصل السعوديون، مثل البلدان الأخرى، إلى الاعتقاد بأن العالم الحالي لم يعد عالمًا أحادي القطب، وأن الولايات المتحدة وحدها هي صانع القرار، وأن النظام متعدد الأقطاب الذي تعتبر فيه روسيا والصين لاعبين مؤثرين هو النظام القائم حاليا. لهذا السبب، يريد ابن سلمان التفاعل مع جميع الفاعلين العالميين، وذلك لأنه سيتولى العرش قريبًا، ويريد أن يكون قادرًا على لعب دور مهم في المواجهة بين الشرق والغرب.
لقد أدت سياسة الولايات المتحدة في أوكرانيا وخرق التزاماتها تجاه كييف، على الرغم من الضجة الكبيرة لدعم كييف، إلى قيام واشنطن بتقييم استراتيجياتها السياسية والأمنية، ولهذا فقد أدركت المملكة العربية السعودية وغيرها من المشيخات العربية أن الولايات المتحدة لم تعد ذات مصداقية ولا جدوى من الاعتماد على هذا البلد في أوقات الأزمات. وهكذا، أبدت السعودية عقلانية واتخذت موقفًا حذرًا في التطورات في أوكرانيا، ولا تريد الدخول في مواجهة مع روسيا، التي ستستعيد دورها السابق ومكانتها في التطورات العالمية بعد عقود من دخولها بنجاح الأزمة في سورية.
ومن ناحية أخرى، فإن الانضمام إلى سياسات موسكو للضغط على الغرب سيزيد أسعار النفط، وبهذه الطريقة يمكن للسعودية أن تجني الكثير من الدولارات، والاقتراب من روسيا في الوضع الحالي سيكون في مصلحة السعوديين. وتحاول السعودية التعلم من حرب أوكرانيا وتنويع علاقاتها مع العالم والتخلص من اعتمادها على الغرب الذي طغى على سياساتها منذ عقود. وعلى الرغم من جهود الغرب لتشكيل تحالف عالمي لعزل روسيا، تواصل موسكو السعي وراء تحالفات إقليمية، وخاصة بين أصحاب الطاقة، لكسب المعارك الاقتصادية والعسكرية مع الغرب، وتحقيق هدفها بالاعتماد على مشيخات الخليج الفارسي.
المصدر/ الوقت