هل تغيرت النظرة الروسية لسياسات تل أبيب في سوريا؟
واجهت العلاقات بين روسيا والكيان الصهيوني توترات جديدة في الأشهر الأخيرة، لكن ما يمكن أن ينشأ من هذه الخلافات في منطقة غرب آسيا يرجح أن يكون في سوريا. ويبدو أن هناك مؤشرات على أن الروس يغيرون حاليا نظرتهم إلى التحركات العسكرية للكيان الصهيوني داخل سوريا.
حدث فريد خلال هذه السنوات
بينما ركزت وسائل الإعلام الإقليمية والغربية على نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية، حدث شيئ مهم وفريد من نوعه في سماء دمشق خلال هذه السنوات، ففي الوقت الذي أطلقت فيه الطائرات الحربية الإسرائيلية عدة صواريخ من البحر الأبيض المتوسط فوق غرب بانياس نحو الساعة الثامنة مساء الجمعة 13 أيار / مايو، تصدت أنظمة الصواريخ السورية للهجوم. وفي اليوم التالي، قال رئيس مركز المصالحة في سوريا التابع لوزارة الدفاع الروسية إن نظام الدفاع السوري أسقط 16 صاروخًا وطائرة مسيرة خلال الهجوم الإسرائيلي مساء الجمعة الماضي. لكن بعد أيام قليلة كشفت القناة 13 التابعة للنظام الصهيوني أسرار هذه المواجهة الجوية وأعلنت أن نظام الدفاع المستخدم في سوريا هو S300. ومن الطبيعي أن هذا النظام، على الرغم من وجوده في سوريا، لا يمكن أن يعمل دون إذن من الروس.
ولقد شددت القناة الصهيونية على أن هذه هي المرة الأولى التي ترد فيها S300 خلال السنوات التي يهاجم فيها الكيان الصهيوني سوريا. ولفهم أهمية هذا الموضوع، تجدر الإشارة إلى أنه وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، نقلاً عن مصادر عسكرية صهيونية، فإن القوات الصهيونية هاجمت سوريا نحو 400 مرة منذ عام 2017، ولم ترد S300 على كل هذه الهجمات. وعلى الرغم من أن هذه المواجهة لم تحدث حتى الآن، إلا أنه كانت هناك بالفعل مؤشرات على تغيير النهج الروسي تجاه الهجمات المتهورة والمستمرة للكيان الصهيوني على سوريا. وفي أواخر نيسان من هذا العام، عندما شن الكيان الصهيوني هجومًا على سوريا، كشفت روسيا النقاب عن تفاصيل الغارة الجوية في خطوة غير مسبوقة للتعبير عن استيائها من موقف الكيان الصهيوني الأخير تجاهها.
جدير بالذكر أن الروس طوال هذه السنوات، بعد كل هجوم للكيان الصهيوني على سوريا، تحدثوا بأدب ناعم نسبيًا عن ضرورة تجنب مثل هذا السلوك. وحتى عندما قام الجنود الصهاينة، من أجل الهروب من رد النظام الدفاعي السوري، بالاختفاء بطريقة ما خلف طائرة إليوشن الروسية ، وتسببوا في حدوث خطأ في نظام الرادار وأطلقوا النار على الطائرة الروسية، إلا أن الروس وجهوا تحذيرًا ناعمًا وطبيعيًا وغير فعال للكيان. ولكن الآن، يبدو أن الأمور قد تغيرت.
ولقد دانت وزارة الخارجية الروسية، يوم الخميس الماضي، بشدة الضربات الصاروخية “الإسرائيلية” على أطراف العاصمة السورية دمشق. وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في تصريح صحفي، أن استمرار القصف “الإسرائيلي” للأراضي السورية يعد انتهاكا للمعايير الأساسية للقانون الدولي، وغير مقبول بشكل قاطع واصفةً إياه بـ”التصرفات غير المسؤولة”.
وأضافت إن مثل هذه الهجمات غير المبررة تؤدي إلى انخفاض القدرة القتالية للقوات المسلحة السورية، ما يؤثر سلبا على فعالية جهود مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية. وفي ختام بيانها، طالبت “إسرائيل” بوقف هذه الاعتداءات الوحشية والشرسة والخطيرة. وتتصدّى الدفاعات الجويّة السوريّة بشكلٍ دائم لاعتداءات جيش الاحتلال الصهيوني وخاصّة خلال سنوات العدوان الإرهابي على سورية، حيث يعتبر الاحتلال الداعم الأوّل للتنظيمات الإرهابيّة.
الكيان الصهيوني والحرب في أوكرانيا
على الرغم من مخاطر تصعيد التوترات، لا يبدو أن روسيا مهتمة بنزاع عسكري واسع النطاق في أوكرانيا، ما أدى إلى “زيادة تدهور علاقات البلاد مع الغرب”. وبعد أقل من شهرين على تقرير الكيان الصهيوني، غزا الروس أوكرانيا لفضح تحليل الكيان وضعف قواته الاستخباراتية بشأن روسيا.
وعندما بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا، حاولت تل أبيب في البداية الانتقال إلى موقف أكثر غموضًا يميل أكثر نحو الغرب، لكن معادلات الحرب أجبرت الكيان على رفع صوته احتجاجًا على روسيا؛ حيث تحدث المسؤولون الصهاينة عن جرائم حرب روسية في أوكرانيا، وصوتوا ضد روسيا في الأمم المتحدة، وأيدوا طردها من مجلس حقوق الإنسان، وقاتل بعض جنود الكيان ضد الروس في أوكرانيا، واستضاف الكنيست الصهيوني الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وحتى الكيان الصهيوني فكر في إرسال بعض المعدات الدفاعية إلى أوكرانيا. وهذه أسباب كافية تجعل الروس غاضبين للغاية من تل أبيب هذه الأيام.
أوكرانيا وبداية المواجهة الروسية مع الكيان الصهيوني في سوريا
يتجلى غضب الروس من الكيان الصهيوني في تصرفات موسكو اللفظية والعملية. وكما قال وزير الخارجية الروسي لافروف في الأيام التي سبقت الهولوكوست الصهيوني المزعوم، كان هتلر يهوديًا ووجه ضربة ناعمة ولكن قاسية للرواية السائدة. ومثلما أدانت موسكو السلوك الصهيوني في غزة والضفة الغربية بأدبيات قاسية، فإن هذه المواجهة تتكشف في سوريا. ولم تصدر روسيا تحذيرًا رادعًا في السنوات الأخيرة ضد الهجمات الصهيونية على سوريا. ووفقًا لذلك، كان نظام الدفاع S300، الذي يستخدمه الروس، نظامًا لا يُستفاد منه في سوريا خلال السنوات الماضية. ولكن الان يسعى الروس لمواجهة السلوك العدائي للكيان الصهيوني بشأن حرب أوكرانيا. ويحاولون السيطرة على سلوك الصهاينة، وبناءً عليه، اتخذوا نهجًا مختلفًا تجاه الاعتداءات الصهيونية في سوريا.
إلى متى يستمر هذا السلوك؟
لا يبدو أن روسيا تنوي ربط المعادلة السورية بمعادلة حرب أوكرانيا، ووضع مشهد الهدوء السوري في سياق مختلف. ولكن من الواضح أن موسكو تسعى لتنظيم سلوك الكيان الصهيوني في سوريا. وبالتالي، فإن استمرار السلوك الروسي الجديد في سوريا في مواجهة الهجمات الصهيونية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحدة واستمرار السلوك المعادي لروسيا من قبل الكيان الصهيوني في معركة أوكرانيا. ويبدو أن مسؤولي الكيان الصهيوني، إذا شعروا أن روسيا على طريق تحقيق أقصى قدر من النصر في أوكرانيا، سوف يلطفون سلوكهم أو لن يظهروا سلوكًا أكثر قسوة لمنع استمرار وتكثيف السلوك الروسي الجديد في سوريا. ويمكن أن تؤدي سوريا في محيط الأراضي المحتلة إلى تهديد وجودي لهذا الكيان ، ما يعني أن له أولوية استراتيجية أكثر. لذلك لا يبدو أن الصهاينة مهتمون بتكثيف هذا المسار.
وعلى هذا الإساس يبدو أن موسكو تخلت عن أسلوبها خلال السنوات الأخيرة من الحرب على سوريا في التفاهم مع الجميع بشأن تلك القضية رغم أنه ثمة تفاهم بينها وبين تل أبيب التي تراقب الأحداث عن كثب وتشارك فيها بقوّة، لكن هذا التفاهم لا يعني أن يساعد الروس الصهاينة في عدوانهم المستمر على الأراضي السورية، على العكس من ذلك أدانت موسكو مراراً تلك الضربات، وخاصة تلك التي تأتي من الأجواء اللبنانيّة مؤكّدة التزامها بمنع الطائرات الصهيونيّة من اختراق الأجواء السورية. ومن هنا يمكن فهم أن إطلاق بطارية “أس 300” الروسية صاروخاً في اتجاه طائرات العدو الصهيوني، تعني رسالة تحذيرية شديدة اللهجة للإسرائيليين بأن التنسيق بين الطرفين حول الملف السوري والتحركات الإسرائيلية داخل سوريا قد تغيرت، ما يدعو للتساؤل حول تأثير استمرار التوتر بين الطرفين وخاصة إذا ما زاد منسوبه على التنسيق بينهما في الملف السوري الشائك.
المصدر/ الوقت