“السينما” أداة للتستر على جرائم السعوديين… هل يستطيع ابن سلمان تحسين صورته
في عام 2014، عندما تم ترشيح فيلم سعودي ألماني بعنوان “وجدة” للمخرجة حيفاء المنصور(أول مخرجة سعودية تصنع فيلماً روائياً طويلاً) لأول مرة لجائزة الأوسكار، وعد بعض الخبراء بأن السعودية سوف تتألق أكثر في مجال الفن السابع.
على الرغم من أن الفيلم لم يكن ضمن قائمة المرشحين لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، لکن تم ترشيحه لهذه الجائزة في مهرجان “بفتا” للسينما الإنجليزية؛ والذي بالطبع لم يفز فيه.
بالطبع، استخدم صانعو الأفلام المشهورون عالميًا صحاري السعودية كمواقع للتصوير، لكن لم يكن للسعودية دور فني في هذه الأفلام.
“وجدة” الذي تم ترشيحه لجائزة الأوسكار، كان أولاً معارضاً للوضع الحالي في السعودية، وثانيًا كان بعيداً تمامًا عن الجودة العالمية. ومع ذلك، تم الترحيب بالحدث من قبل المسؤولين الحكوميين السعوديين، وأصبحوا عازمين على لعب دور أكبر في هذه الصناعة. وبعد عقود، رفعوا الحظر المفروض على دور السينما في البلاد، ووجهوا انتباههم إلى صناعات مثل صناعة الأفلام في رؤية 2030.
سعى ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان إلى الترويج للسينما السعودية في العالم من خلال التأثير على شخصيات هوليوود البارزة، لكن اغتيال الصحفي والناشط الاجتماعي السعودي الأمريكي جمال خاشقجي أواخر عام 2018 أحبط كل جهوده.
في الوقت نفسه، قبل نحو عام، تم تكليف المخرج ورجل الأعمال السعودي “محمد التركي” بهذه المهمة الحساسة، وقد وقعت أحداث کبری خلال هذه الفترة.
من هو محمد التركي؟
اليوم، الشخصية الأولى في صناعة السينما السعودية هي رجل أعمال شاب، وسفير عبر الإنترنت للعلامات التجارية الفرنسية الفاخرة مثل ديور و لوي فويتون والعلامة التجارية السويسرية بياجيه.
ورث رأس المال الأولي لنشاطه عن والده عبد العزيز علي التركي، ويمتلك مع شقيقه ملكيتين تجاريتين كبيرتين هما “روابي” و “نسمة”. وتقوم شقيقتهما، نواف التركي، أيضًا بتوسيع أنشطتها الاقتصادية إلى شركات تابعة.
ومع ذلك، يرتبط جزء مهم من أنشطة أبناء التركي بالشركات الأجنبية والوساطة للتفاعل مع الحكومة السعودية. ويتم توقيع بعض أهم عقود النفط والبنية التحتية الأمنية للحكومة السعودية مع الشركات الأجنبية من خلال الشركات الوسيطة لآل التركي.
كلَّف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان محمد التركي بإدراج السعودية في خريطة السينما العالمية. والدول المستهدفة للترکي هي فرنسا والولايات المتحدة على وجه الخصوص.
خلال رحلاته العديدة إلى باريس، حاول الترکي تقريب الممثلين والمخرجين من مركز القوة في الرياض بأموال كبيرة. وفي هوليوود أيضًا، شكَّل شبكةً واسعةً من الاتصالات السينمائية بتكلفة باهظة.
كما ساهم التركي في تمويل عدة أفلام مهمة في السنوات الأخيرة، لعل أهمها فيلم “أزمة” (2021) للمخرج نيكولاس جاريكي. وتمتلئ حسابات التركي على مواقع التواصل الاجتماعي بصور سيلفي مع شخصيات بارزة في صناعة السينما الأمريكية والفرنسية.
کذلك، يرتبط الترکي ارتباطًا وثيقًا بممثل هوليوود الشهير ريتشارد جير، وممثلة هوليوود الشهيرة وكاتبة السيناريو ميشيل رودريغز، وحتى الممثل الإنجليزي إد ويستويك في مسلسل “فتاة النميمة”.
مهرجان البحر الأحمر السينمائي
كان لدى السعودية كل شيء ما عدا مهرجان سينمائي دولي، لكن لم يتخيل أحد أن مثل هذا الحدث سيكون ممكنًا في هذا البلد على نطاق دولي بحضور ممثلين وصانعي أفلام مشهورين عالميًا.
ومع ذلك، فإن الدورة الأولى من المهرجان، على الرغم من التأخير الطويل، عقدت أخيرًا في ديسمبر 2021 بعدد محدود من الأفلام وعدد قليل من الممثلين المشهود لهم دوليًا. وافتتح المهرجان في جدة، بتوجيه من وزير الثقافة السعودي بدر بن عبد الله، الذي كان يشغل سابقًا منصب أمير جدة.
نجح محمد التركي في دعوة بعض النجوم الفرنسيين والأمريكيين شبه المشهورين إلى مهرجان “البحر الأحمر”؛ من السينما الفرنسية “كاترين دينوف” الممثلة والمغنية وعارضة الأزياء والمنتجة، و”فينسنت كاسل” الممثل الذي اشتهر ببطولة أفلام هوليوود باللغة الإنجليزية.
ومن هوليوود أيضًا، تم تكريم هيلاري سوانك، الحائزة على جائزتي أوسكار في عامي 1999 و 2004، وكلايف أوين، الذي تم ترشيحه لجائزة الأوسكار في عام 2004.
وعلى الرغم من أن سوانك وأوين لم يعودا في ذروة مسيرتهما السينمائية، إلا أن اجتذابهما إلى مهرجان “البحر الأحمر” الغريب يعدّ أحد نجاحات التركي. وحضر المهرجان أيضًا الفيلم الإيراني “الطريق الترابي” للمخرج “بناه بناهي” نجل “جعفر بناهي”، وفاز بجائزة لجنة التحكيم.
أُفتتح مهرجان البحر الأحمر في جدة بعد يومين فقط من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسعودية. كما سافر التركي إلى باريس بعد أسابيع قليلة من هذا الحدث الإعلامي الكبير.
ويعكس هذا التفاعل المكثف بين السعودية وفرنسا في المجال الثقافي، استعدادهما لاستخدام قوة باريس لدفع الرياض إلى عالم الفن السابع. ويأمل المسؤولون السعوديون أن يكون هذا المهرجان من أهم الأحداث في صناعة السينما العالمية، مثل مهرجان البندقية أو مهرجان كان.
ومن المثير للاهتمام أن تييري فيرمو، السكرتير الفني لمهرجان كان السينمائي، كان حاضرًا أيضًا في مهرجان البحر الأحمر.
شبكة اتصالات التركي
حتى الآن، اتضح أن التركي، بدعم من الحكومة السعودية، قادر على جمع مبالغ كبيرة وجذب شخصيات سينمائية. ويعتبر التعاون الثقافي بين الرياض وباريس بمثابة رافعة قوية في خدمة الأتراك.
لكن هذه ليست أدوات التركي الوحيدة؛ إذ لديه أيضًا أصدقاء مؤثرون على المستوى الدولي يقومون بتوسيع شبكة اتصالاته.
فالتركي على سبيل المثال له علاقة وثيقة مع عارضة الأزياء والممثلة والمغنية الفرنسية التونسية سونيا بن عمار. والد سونيا، طارق بن عمار، شخصية معروفة في صناعة السينما، وإضافة إلى الإنتاج في السينما، كان أحد مديري مجموعة “فيفيندي” الإعلامية لسنوات عديدة.
ابن عمار هو مستشار خاص لبدر بن عبد الله وكذلك لمهرجان البحر الأحمر. وبالإضافة إلى ذلك، وبفضل وساطة التركي، تقوم مجموعة “فايس” الإعلامية الأمريكية الكندية بمساعدة “الهيئة الملكية لمدينة الرياض”.
وقبل أشهر، تم افتتاح أول مكتب لشركة الإعلام الفرنسية “أردوینا” في الرياض، من أجل قيادة السعودية إلى تواجد فاعل في صناعة السينما بما يتماشى مع أهدافها الفنية.
إضافة إلى الشركات الكبرى التي قادت التركي إلى هدفه، فإن الشخصيات المؤثرة مدرجة أيضًا في قائمة أصدقائه. فعلى سبيل المثال، يرتبط التركي بعلاقة وثيقة مع “عفاف جينيفان”، الناشطة الاجتماعية وعارضة الأزياء التونسية الإيطالية، وشقيقها “صلاح جينيفان”، مندوب مبيعات شركة الطيران الأوروبية “إيرباص”. من ناحية أخرى، يمكننا أن نذكر “إميلي راتاجكوسكي”، عارضة الأزياء والممثلة والكاتبة النسوية الأمريكية أيضًا.
إلى كل هذا، يجب أن يضاف استثمار العملاق الإعلامي السعودي مجموعة “إم بي سي” أيضًا. اشترت الرياض معظم أسهم هذه المجموعة الإعلامية قبل بضع سنوات من مالكها السابق رجل الأعمال السعودي وليد بن إبراهيم آل إبراهيم، ونقلت الشركة مقرها الرئيسي من دبي إلى الرياض في أكتوبر 2021.
كانت مجموعة إم بي سي الراعي الرئيسي لمهرجان البحر الأحمر. وبما أن المهرجان لديه خطط كبيرة للنشاط في صناعة السينما، فقد أعلن أن شركات الأفلام العالمية التي تنوي صنع أفلام في السعودية، ستحصل علی خصم 40٪ على التكاليف.
كما اتخذ الاستثمار السعودي أبعاداً أخرى. على سبيل المثال، قامت شركة هايدوي الأمريكية، التي حصلت في عام 2017 على ميزانية كبيرة لتطويرها من محمد بن سلمان، أخيرًا في عام 2021 بتصوير جزء من فيلم “شيري” بطولة توم هولاند في مدينة “العلا” الأثرية والسياحية.
كما تم الإعلان عن أن فيلم “قندهار”(الذي هو حالياً في مرحلة ما بعد الإنتاج)، سيكون أول فيلم هوليودي كبير يتم تصوير معظم أو كل مشاهده في العلا. وكان منتج “قندهار” قد ذکر صراحةً أن المساعدة المالية للسعوديين كبيرة، لدرجة أنه لا يمكن تجاهلها.
وفي وقت سابق من العام الجاري، استقطب حفل غنائي لبعض المطربين الإيرانيين المقيمين خارج إيران في مدينة العلا، اهتمام وسائل الإعلام.
وبشكل عام، فإن إعادة إعمار وإحياء مدينة العلا الأثرية هي إحدى سياسات ابن سلمان، والتي يتم تنفيذها تحت إدارة وزير الثقافة بدر بن عبد الله، وبالتعاون مع الشركات الفرنسية.
ليس من المستبعد أن تُضاف السعودية في نهاية المطاف إلى خريطة السينما العالمية، مثل العديد من المجالات الأخرى التي تجلب فيها الأموال العربية في النهاية منتجًا أجنبيًا إلى هذه البلدان.
وليس من المستغرب أن يشهد مهرجان البحر الأحمر بعد سنوات قليلة حضور شخصيات أكثر أهميةً، أو إنتاج أفلام أكثر وأفضل في الصحاري السعودية. ومن المتوقع تماماً أن تزداد علاقات وحجم تعاملات مديري وكبار موظفي الشركات الإعلامية مع الرياض.
بالنسبة للسعوديين، لا شك في أن السينما قابلة للتحقيق كصناعة كبيرة ذات فوائد اقتصادية وسياسية وثقافية. ومع ذلك، فإن تأثير السينما كفن في ثقافتهم المغلقة(إن أمكن)، سيستغرق وقتًا أطول بالتأكيد. وما يغفله حكام الدول الخليجية في كثير من الأحيان، هو أنه لا يمكن شراء كل شيء بالمال.
المصدر/ الوقت