لجوء الغرب إلی تكتيك “الهروب إلى الأمام” في مجلس المحافظين… ما هي الكواليس؟
لا يزال الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي بدأ في فيينا يوم الاثنين 16 حزيران/يونيو، مستمراً.
كما كان متوقعاً، شهدنا يوم الثلاثاء تقديم مشروع قرار من قبل الولايات المتحدة وثلاث دول أوروبية، هي بريطانيا وألمانيا وفرنسا، يزعم أن إيران تقاعست في الرد على أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن اكتشاف اليورانيوم في منشآت نووية غير معلنة.
ونظرًا لوضع الغربيين الأساس والنهوض بمشروع إيران فوبيا الذي تابعوه خلال هذه الفترة، لا يستبعد المراقبون إمكانية التصويت على القرار خلال اجتماع مجلس المحافظين المؤلف من 35 عضوًا اليوم(الأربعاء).
على الرغم من أنه، كما في الماضي، من المرجح أن تعارض دول مثل الصين وروسيا القرار، لکن في المقابل، إضافة إلى مقدمي القرار الغربيين، من المرجح أن تصوت لمصلحة القرار دول مثل أستراليا، كندا، فنلندا، جمهورية التشيك، كولومبيا، اليابان، كوريا الجنوبية، الإمارات، مصر، سويسرا، إسبانيا، سلوفينيا، بولندا، أيرلندا ونيوزيلندا.
آخر قرارات مجلس المحافظين المناهضة لإيران صدرت في عامي 2012 و 2020 على التوالي، والآن يحذر الدبلوماسيون الإيرانيون من مختلف المحافل من تداعيات هذه الخطوة العدائية.
حسين أمير عبد اللهيان وزير خارجية إيران قبل أيام قليلة وبعد مقابلة مع جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي،كتب على صفحته على تويتر: “إذا اتبع مقدمو القرار المناهض لإيران في الوكالة الدولية أسلوب التهديد فهم مسؤولون عن كل العواقب. إننا نرحب باتفاق جيد وقوي ودائم، والاتفاق متاح إذا تبنت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث النظرة الواقعية”.
كما صرح سعيد خطيب زادة المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية في مقابلة تلفزيونية بالتزامن مع بداية اجتماع مجلس المحافظين: “نحن لا نحكم مسبقاً، لكننا سنردّ وفقاً لما يحدث”.
الأهداف الخفية لمشروع القرار في مجلس الوکالة
إن العمل المنسق للغربيين في هذا الوقت للضغط على إيران من قبل مجلس المحافظين هو أمر قابل للنقاش. وأهم سبب هو تعليق المحادثات النووية، حيث إن المحادثات التي وصلت إلى طريق مسدود منذ 11 مارس واستمرت لمدة 90 يوماً لم تستأنف بعد.
من خلال هذه الخطوة، تحاول الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة اتهام طهران بعدم مواصلة التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن ناحية أخرى، فإنها تضغط على إيران لإحياء اتفاقٍ لا يأخذ في الاعتبار المطالب المهمة للجمهورية الإسلامية؛ مطالب مثل رفع جميع العقوبات المفروضة على إيران منذ 8 مايو 2018(وقت انسحاب ترامب من الاتفاق النووي)، وكذلك شطب اسم الحرس الثوري من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية المزعومة.
لذلك، اختار الغرب تكتيك “الهروب إلى الأمام” في هذه المرحلة، مستخدمًا مجلس المحافظين كأداة، وهو تكتيك شائع الاستخدام في السياسة ونوع من المغالطة يستخدمه الطرف الذي يتعرض للانتقاد وهو غير قادر على الدفاع عن موقفه بعقلانية، حيث يحاول التحدث من موقع القوة بدلاً من موقع الضعف من خلال الهروب من المساءلة وتبرير الذات، وعادةً ما تكون هذه المغالطة مصحوبةً بإسقاط الطرف الآخر.
هذا في حين أن طهران أظهرت من الناحية العملية، على عكس البيت الأبيض، أنها ملتزمة بالاتفاقيات الدولية، وفي وقت سابق أکدت التقارير السبعة عشر التي قدمها يوكيا أمانو، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، على تعاون إيران البناء مع الوكالة.
کما أن خطوات إيران في الحد التدريجي من الالتزام بالاتفاق النووي کانت مرتبطةً بشكل مباشر أيضًا بعدم التزام أوروبا، وانسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب من الاتفاق النووي.
وحتى الذكرى السنوية الأولى لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي(8 مايو 2018)، ظلت طهران ملتزمةً بالاتفاق أملاً في تحقيق الانفتاح، على الأقل من خلال الترويكا الأوروبية. لأنه من خلال اختراع آليات مختلفة مثل اينستكس، أظهروا على ما يبدو أنهم عارضوا أمريكا ترامب لإحياء الاتفاق النووي.
والآن أيضًا، فإن إدارة بايدن، التي وعدت بالعودة إلى الاتفاق، والجهات الأوروبية الفاعلة في الاتفاق النووي، بدلاً من إلقاء اللوم على خطئهم الاستراتيجي، يرمون الكرة في ملعب إيران لإخفاء إدمانهم علی فرض العقوبات علی الآخرين.
وعلى الرغم من أن بايدن كان قادرًا على إرسال إشارة إيجابية إلى إيران من خلال تقليل عدد العقوبات خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، إلا أنه فرض أكثر من 100 عقوبة على الأفراد والكيانات الإيرانية بذرائع كاذبة.
وأضافت وزارة الخزانة الأمريكية مؤخرًا ثلاثة أفراد مرتبطين بفيلق القدس إلى قائمة العقوبات، بزعم تعاونهم في غسيل الأموال وتهريب النفط.
لعبة الکيان الإسرائيلي من خلال الوکالة
على الرغم من استجابة إيران العلمية لمسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإننا نرى دائمًا المزاعم المتكررة للوکالة. ويرى الخبراء السياسيون أنه على عكس عهد أمانو، في العصر الجديد، تتأثر هذه الوكالة بالمحور الغربي العبري، الذي يتجاهل عدم التزام الأطراف الغربية، ويسعى إلى تضخيم أنشطة إيران النووية.
أيضًا، فيما يتعلق بضرورة التزام الوكالة بالمبادئ المهنية، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن أنشطة إيران النووية تقنية وسرية، فقد تم تسريب هذه المعلومات عدة مرات خلال فترة رئاسة رافايل غروسي. وهذا لا يتعارض مع استقلالية الوكالة وحيادها ومهنيتها فحسب، بل يشوه أيضًا سمعة الوكالة في جميع أنحاء العالم.
إضافة إلى ذلك، فإن الاصطفاف مع الکيان الصهيوني وزيارة غروسي لتل أبيب الأسبوع الماضي، يعزز الفرضية القائلة بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتعرض لضغوط من اللوبي الصهيوني، وخاصةً أنه کيان لم ينضم إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، على عكس إيران، على الرغم من امتلاكه أكثر من 200 رأس نووي.
تل أبيب لا تسمح حتى لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش، ناهيك عن التطبيق الطوعي للبروتوكول الإضافي مثل إيران؛ وهو ما كانت إيران تفعله طواعيةً لكنها توقفت عن ذلك في الوضع الراهن.
لذلك، قوبلت زيارة غروسي لفلسطين المحتلة ولقائه برئيس وزراء الکيان نفتالي بينيت برد فعل من المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث ندَّد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بالزيارة، ووصفها بأنها “تتعارض مع مبدأ الحياد والوضع الفني والمهني للوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
المسؤولون الصهاينة، سواء في عهد نتنياهو أو في حکومة بينيت، لم يمتنعوا عن أي مؤامرة لإفشال الاتفاق أو لعرقلة تقدم برنامج إيران النووي، من بينها اغتيال العلماء، وإرسال برمجيات خبيثة مثل “إكستكسنت” إلى الأنظمة المتعلقة بالمنشآت، فضلاً عن التخريب المتكرر للمواقع النووية. لکن وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، كان لهذا الأمر تأثير معاكس حتى الآن، حيث زاد من سرعة الأنشطة النووية الإيرانية.
في ظل الوضع الحالي، فإن الکيان الصهيوني، ومن خلال التأثير على الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإقامة علاقات وثيقة مع الدول الأربع التي قدمت مشروع القرار، يدرس تنفيذ “الخطة باء”؛ خطةٌ تمت مناقشتها قبل أيام خلال زيارة مسؤولي أمن الکيان، مثل جاش زارکا، مدير الإدارة الاستراتيجية بوزارة الخارجية الإسرائيلية، إلى الولايات المتحدة، ولقاء روبرت مالي، والتي بموجبها يجب أن تزداد حدة الضغط على إيران.
بشكل عام، على الرغم من أن وسائل الإعلام المختلفة مثل رويترز وبوليتيكو وفورين بوليسي تحدثت عن اللهجة اللطيفة لمشروع القرار، لکن إذا تمت الموافقة عليه من قبل مجلس المحافظين وأحيل الملف إلى مجلس الأمن الدولي، فإن تناغم الغرب مع الکيان الصهيوني وتأثير تل أبيب على نهج الوكالة الدولية للطاقة الذرية، سوف يصبح أكثر وضوحًا.
المصدر / الوقت