منظمات حقوقية تتهم بايدن برعاية قمع السعوديّة.. واشنطن في ورطة
13 منظمة حقوقية دولية أشارت إلى أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المحتملة إلى السعودية لمقابلة ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان توفر رعاية للقمع، موضحة أنّه على واشنطن السعي علنا إلى الحصول على التزامات حقوقية وإصلاحية، في الوقت الذي تنتقد فيه الصحافة الأمريكيّة ضد الحاكم الفعليّ للمملكة وتصفه بأنه “مسؤول عن أبشع الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان”، بالتزامن مع الأعمال الإجراميّة المتصاعدة التي يرتكبها السياسي الشاب بحق شعبه والآخرين، وفي ظل محاولاته المستمرة لتلميع صورته في مراكز صنع القرار بالولايات المتحدة للصمت عن سجل السعودية “المُشين” في حقوق الإنسان، والتي أنفقت مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمدتها كاستراتيجيّة مقصودة لحرف الأنظار عن جرائمها المتفشيّة وتخفيف سخط المجتمع الدوليّ، حيث إن بايدن يسعى إلى خفض أسعار الوقود المحلية المرتفعة، وهو ما يقوده إلى الرياض لمواجهة خطر تكبد الديموقراطيين خسائر فادحة في انتخابات نصف الولاية في تشرين الثاني.
تشجيعٌ أمريكيّ على الانتهاكات
إنّ زيارة بايدن المرتقبة إلى السعودية للقاء وليّ العهد السعودي قد تُشجّع على ارتكاب انتهاكات جديدة وتغذّي ثقافة الإفلات من العقاب”، هذا ما ركّزت عليه المنظمات الحقوقيّة الثلاث عشرة في رسالتها المشتركة للرئيس الأمريكيّ، وذلك عقب رسالة من موقع “ميدل ايست مونيتور” الأمريكيّ قبل مدّة، مشيراً إلى أنّه على الرئيس الأمريكيّ الحالي التعلم من إنذارات سلفه –الصديق الحميم للدولة النفطية- دونالد ترامب في التعامل مع محمد بن سلمان”، كما أكّد أنّ ابن سلمان يمثل “قوة مزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وخارجها” ويتوجب اتخاذ إجراءات عقابية شاملة بحقه”، ناهيك عن الهجوم الشرس والمتواصل من قبل الصحافة الأمريكيّة ضده.
وفي الوقت الذي يعلم الجميع أنّ النظام السعوديّ لولا المبالغ الطائلة التي يدفعها، لما بقي حكامه لحظة واحدة على عروشهم المتهالكة، وهذا ما يبرر صمت أميركا والمجتمع الدوليّ الذي لم يتوقف عن تقديم الدعم السياسيّ لهذا النظام الملكي الباغي وفقاً لمتابعين، في ظل غياب مؤسف لمحاسبة قياداته، تدعي إدارة بايدن الحصول على التزامات واضحة وملموسة بشأن حقوق الإنسان من السلطات السعودية قبل الزيارة، بما يشمل الحملة الشعواء التي تشنها الرياض على حريّة التجمع السلمي، وتكوين الجمعيات، والتعبير.
وباعتبار أنّ واشنطن تقبض ثمن صمتها على المسؤولين السعوديين وعلى رأسهم ولي العهد، يسير الرئيس بايدن على طريق سلفه السابق ترامب، الذي أدرك لغة التعامل مع المستبدين واستطاع الضغط عليهم لتنفيذ سياساته، وحتى عند دفاعه عن ولي العهد السعودي بعد قتل وتقطيع الصحافي السعودي الشهير، جمال خاشقجي، كان يستهزئ به قائلاً: “أنقذت مؤخرته”، تقول المنظمات الدولية إنه قبل أي زيارة، على بايدن مقابلة حقوقيين سعوديين في الخارج، وضمان إطلاق سراح المعارضين المحتجزين، ورفع منع السفر التعسفي على الحقوقيين وغيرهم، ومنهم مواطنون أمريكيون، وذلك مع استمرار انتهاكات السلطات السعودية بحق اليمن والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، وخدمة الملك سلمان وابنه ولي العهد هذا الاعتداء المستمر على حرية التعبير والتدخل الدموي في شؤون الدول الأخرى.
“يجب أن يُدرك الرئيس بايدن أنّ لقاءه مع أيّ مسؤولين أجانب يمنحهم مصداقية فورية على مستوى العالم، بقصد أو بغير قصد”، هذا ما أشارت إليه منظمة هيومن رايتس ووتش المختصة بحقوق الإنسان على لسان لما فقيه مديرة قسم الشرق الأوسط، متحدثة أن لقاء محمد بن سلمان دون التزامات حقوقية من شأنه تبرئة القادة السعوديين الذين يعتقدون أنّ الانتهاكات الحقوقية الجسيمة ليست لها عواقب، حيث إن الإدارة الأمريكيّة تستخدم أكثر من ورقة لاستنزاف الرياض أكثر فأكثر، بينها المشاكل الدوليّة الكبيرة ومن ضمنها قضية سجناء الرأيّ والمدافعات عن حقوق الإنسان في البلاد، والحرب على اليمن ومسألة المصير المريع للمهاجرين والناشطين والمدونين السعوديين المحتجزين في سجون النظام السعوديّ، إضافة إلى قضية الاحتجاز التعسفيّ من خلال قيام سلطات ابن سلمان بتنفيذ حملات كبيرة من الاعتقالات التعسفيّة بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، إضافة إلى المنافسين من العائلة الحاكمة.
لذلك، وصفت تقارير إعلامية زيارة الرئيس الأمريكي المرتقبة للسعودية في الشهر المنصرم، أنها مدفوعة برغبة واشنطن في معالجة ارتفاع أسعار النفط وخفض التضخّم، عبر حث “منظمة الدول المصدّرة للبترول” (أوبيك)، والتي تشكل السعودية عضواً أساسيّاً فيها، على زيادة إنتاج النفط، لخفض أسعار الطاقة بشكل كبير، رغم أن السعودية تفوقت على جيرانها واحتلت المرتبة الأولى في القمع والاستبداد، في ظل تخلي جو بايدن، عن عهوده الانتخابيّة حول أنّه سيجعل من السعودية بلداً منبوذاً دوليّاً، على خلفية جريمة قتل خاشقجي –الذي كان يعمل في صحيفة واشنطن بوست الأمريكيّة- البشعة في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركيّة قبل سنوات وقد أكد تقرير استخباري أمريكي صدر في فبراير/شباط 2021 أنّ محمد بن سلمان كان قد وافق على اغتيال الصحفي المعارض في 2018، إضافة إلى قضية المأساة الإنسانيّة في اليمن بسبب العدوان السعوديّ المتصاعد على هذا البلد المكلوم منذ 7 سنوات.
وبعد أن وثّقت هيومن رايتس ووتش، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمّم المتحدة، ولجنة “الدفاع عن حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربيّة”ومنظمات حقوقية أخرى، ونشطاء، وصحفيون التصعيد الخطير في الانتهاكات الحقوقية في السعودية بعد 2017 عند انقلاب محمد بن سلمان، لم تهتم المملكة النفطية للانتقادات المتكررة من قبل المنظمات الحقوقية المعروفة، التي تطالب بإيقاف الدعم السياسيّ عن نظام آل سعود، ما يطرح تساؤلات كثيرة حول آلية التعامل الأمريكيّة والدوليّة مع الرياض وغياب محاسبة قياداتها، بالاستناد إلى الدعم الأمريكيّ المُذل في هذا الشأن.
خداع أمريكيّ
كلنا نذكر وعود بايدن وشعاراته الانتخابيّة التي أثقبت مسامعنا بضرورة جعل المملكة منبوذة بسبب القتل الشنيع لخاشقجي وتقطيع أوصاله، فضلا عن مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى، بما في ذلك التواطؤ في تحقيق ما اعتبرته الأمم المتحدة “أسوأ أزمة إنسانية في العالم” باليمن، لكن أموال السعودية الطائلة ونفطها الغزير جعلته يصمت ويتغاضى عن جرائم ولي العهد لدرجة أنّه أصبح مهووساً بالمال والنفط السعوديّ وشريكاً بكل ما تعنيه كلمة شريك في جرائم محمد بن سلمان في السعودية وخارجها.
ولأنّه ضمن الدعم الأمريكيّ والسكوت التام للإدارة الأمريكيّة، تفرغ الأمير الشاب لناشطي المعارضة بشكل كبير، بعد أن تخلص من أهم منافسيه من خلال حملات الاعتقالات التي شملت أبرز الأمراء وكبار المسؤولين في البلاد، إضافة إلى مجموعة من الوزراء الحاليين والسابقين وبعض رجال الأعمال، حيث وسعت سلطاته حملات الاعتقالات، لتشمل الدعاة والعلماء والسياسيين والتجار، ولم تستثن الأقرباء المنافسين له كأبناء عمومته وأبنائهم وأسرهم، كما استأثر محمد بن سلمان وفقا لمنظمات حقوقية بسيطرة كاملة على قوات الأمن، وهي متورطة في اعتقالات جماعية، ومصادرة أملاك دون اتّباع الإجراءات القانونية الواجبة، والتعذيب.
وعلى الرغم من دور محمد بن سلمان كوزير للدفاع منذ 2015، وإشرافه أيضا على هجمات غير قانونية في اليمن المجاور، بعضها “جرائم حرب” وقتلت عشرات المدنيين. في مارس/آذار، إضافة إلى إعدام السلطات السعودية 81 رجلا، في أكبر إعدام جماعي منذ سنوات، رغم وعودها بالحدّ من استخدام عقوبة الإعدام مؤخرا، ظلت وعود الرئيس بايدن مجرد كلام وحبر على ورق، فيما تُتهم السعودية بمحاولة شراء المواقف الدوليّة بعد أن أصبحت في السنوات الأخيرة، قبلة فنية وثقافية وترفيهية عالميّة، يتوافد عليها نجوم الفن والغناء من مختلف دول العالم، في إطار خطط البلاد للانفتاح على ثقافات العالم بعد عقود من الانغلاق استناداً لتفسيرات دينيّة ما لبثت المملكة أن تخلت عنها، للتغطية على جرائم الحكومة بحق مواطنيها، ولكي تقنع الرياض الرأي العام العالميّ بأنّها أصبحت ديمقراطيّة في ليلة وضحاها وأنّه بات لديها “صورة مختلفة”، بعد الفضائح المشينة التي وثقت المنهج الدمويّ الذي يتبعه حكام السعودية للبقاء في سدة الحكم، وخاصة بعد إثبات أميركا نفسها تورط وليّ العهد السعودي بجريمة اغتيال وتقطيع خاشقجي.
وإنّ نتائج الوعود الأمريكيّة الزائفة، باتت تشاهد بأم الأعين، حيث انتهج مستبدو الرياض سياسة “إرهاب الدولة” ضد مواطنيهم من المفكرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في الداخل، وكذلك ضد شعوب المنطقة ولقد استفحل هذا النهج بشكل كبير مؤخراً، ويشير مصطلح إرهاب الدولة إلى أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها أو أهداف أجنبيّة، كما يمكن الإشارة بذلك إلى وصف انتشار أعمال العنف من جانب دولة ضد شعبها.
كما أنّ النظام السعوديّ الجاثم على قلوب السعوديين باعتباره ملكيّاً بالمطلق ولا يتيح أيّ مجال لمعارضة سياسيّة في البلاد، حولها محمد بن سلمان إلى سجن كبير بالنسبة للمعارضين أو من يُتهمون بذلك، وقام باعتقالات تعسفيّة كثيرة بحق العديد من النشطاء والسياسيين ورجال الدين السعوديين، بعدما أحس بأنّ هناك ثورة شعبيّة تتنامى في الشارع السعوديّ ولهذا فقد أسرع وقام بالكثير من جرائم الحبس والاعتقال والقتل للعديد من معارضيه الذين طالبوا بالعديد من الاصلاحات الحقيقة في السعودية، فيما يُعتبر المصير الوحيد لمن يُعبر عن آرائه هو إقامة دائمة خلف القضبان، لمجرد ممارسة حقهم المشروع في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، ما يجعلهم يخسرون سنوات طويلة من حياتهم لمجرد دعوتهم إلى التغيير والإصلاح في بلد لا تعرف من الحرية حتى اسمها.
وقد جعلت السلطات السعوديّة هذا الوضع المُستبد أمراً واقعاً في استغلال كبير للصمت الدوليّ المؤسف، حيث لجأت إلى قوانين وأحكام فضفاضة ومعقدة الصياغة، وخاصة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائيّة وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد بشكل تعسفيّ ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وساوت بين الأنشطة السياسية السلميّة والتهديدات لأمن الدولة، وفرضت قيوداً شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكوميّة المستقلة وحبست مؤسسيها، وجماعات المعارضة السياسيّة.
وفي هذا الخصوص، لم تأت شعارات جو بايدن الزائفة المناهضة للسعودية خلال الانتخابات أوكلها، حتى إن التوقعات العالميّة لتغيير السياسة الأمريكية تجاه السعودية لم تعد كما سبق، حيث أصيب الجميع ومن بينهم الأمريكيون بخيبة أمل كبيرة، بعد أن قامت الإدارة الأمريكيّة بحصر هذه القضيّة المهمة في الإفراج عن عدة سجناء ودعم حقوقهم إضافة إلى فرض عقوبات لا تسمن ولا تغني من جوع، في حين أنّ هذا الملف السعوديّ المُشين، أكثر دمويّة بعشرات المرات من هذه الحالات، الشيء الذي أماط اللثام عن نفاق وكذب الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة، صاحبة الهم الوحيد وهو المنافع التي ستُجنى من السعوديّة، الشريك الأمنيّ والمشتري البارز للأسلحة الغربيّة.
ختاماً، بشكل واضح وصريح طالبت المنظمات الحقوقيّة إدارة الرئيس الأمريكيّ في رسالتها إنّ على عدم تشجيع القمع السعودي وذلك بضمان التزام السلطات السعودية بتعهدات حقوقية ملموسة قبل الزيارة الرئاسية الأمريكية، والتي تشمل الإفراج الفوري عن جميع المعارضين والنشطاء السلميين المذكورين في “تقرير عام 2021 حول ممارسات حقوق الإنسان في السعودية”، ورفع منع السفر التعسفي عن الحقوقيين وغيرهم، بما يشمل المنع المفروض على مواطنين أمريكيين، وإنهاء المراقبة غير القانونية وأخذ الرهائن من قبل السلطات السعوديّة، والإفراج عن جميع المحتجزين بموجب هذه الممارسات، وإنهاء ولاية الرجل على المرأة في البلاد، وإلغاء كل القوانين والسياسات التمييزيّة، مع تمكين ناشطات حقوق المرأة من التعليق على الإصلاحات ومراقبتها، وفرض تجميد للإعدامات، والالتزام علناً بالحفاظ على وقف إطلاق النار في اليمن الذي تخوض السعوديّة حرباً عليه منذ سنوات، لكن وكما عودتنا الإدارة الأمريكيّة فإنّ مصلحتها أهم من أيّ شيء آخر.
المصدر/ الوقت