رهان “محمد بن سلمان” على حصان التطبيع الأعرج
مع اندلاع الحرب في أوكرانيا وتشكل أزمة الطاقة العالمية، كان محمد بن صلبان محظوظًا بما يكفي للخروج من عزلة السنوات الأخيرة بالاعتماد على حاجة الدول الغربية لفتح صمامات النفط السعودية للأسواق العالمية. ولهذا نرى الزعماء الغربيين يتماشون مع طموحاته السياسية. كما أنه في هذه الأيام، برزت تصرفات ابن سلمان المتسرعة في قضية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وهو جزء آخر من اللغز لاستكمال مقدمة الوصول الى العرش.
ويقال إن أحد الموضوعات الرئيسية في زيارة بايدن القادمة للمنطقة ولقائه المحتمل مع محمد بن سلمان سيكون الترويج للتطبيع في دول مجلس التعاون الخليجي، وحتى واشنطن ستدعم حل الدولتين وتوقف التسويات وبناء المستوطنات حفاظا على سمعة الرياض. ولقد أفادت وسائل الإعلام، أن الرياض تسرع خطواتها نحو التطبيع. وفي هذا الصدد، نشر حساب “الإصلاح السعوديون” رسالة على تويتر نقلاً عن عبد الله العودة نجل سلمان العودة المعارض السياسي القابع في سجون السعودية، وكتب على تويتر: “تطبيع العلاقات مع نظام الاحتلال ثمن دفعه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة”.
ومن ناحية أخرى، أعلن مجتهد ، أحد المشهورين السعوديين المعروفين، على صفحته على تويتر أمس، “إن هناك مكتبًا كبيرًا للترويج لتطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني كان يديره سعود القحطاني، المستشار السابق للديوان الملكي السعودي بأمر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان”. وأضاف حساب مجتهد: “يعمل في هذا المكتب 12 شخصا من جنسيات عربية وميزانيته الأساسية 4 ملايين دولار سنويا”.
ويشير اختيار سعود القحطاني كصندوق أسود والشخص الموثوق به لابن سلمان في قضية التطبيع إلى خطط ولي العهد الجادة لتنفيذ هذه الخطة. ويُوصف سعود القحطاني، المتورط في اغتيال الصحفي السعودي الناقد جمال خاشقجي، بأنه ثاني أقوى رجل سعودي بعد محمد بن سلمان، الذي يمتلك ما يقرب من نصف نفوذ الحكومة ويتدخل في النيابة العامة للدولة. وفي غضون ذلك، أعلنت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن زيادة المحادثات السرية بين السعودية والقادة الإسرائيليين، وأشارت الى أن الصهاينة يمكنهم تقديم تنازلات واسعة وتمهيد الطريق للسعودية للسيطرة الكاملة على جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين في البحر الأحمر. ولفتتت الى أنه سبق وأن سمحت الرياض لمجموعة من رجال الأعمال الإسرائيليين بالسفر إلى السعودية.
دوافع ابن سلمان الحقيقية
يمكن تتبع أهداف ابن سلمان وموقفه من نتائج ومكاسب تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني بشكل رئيسي في ثلاثة مجالات:
اولا: ما لا شك فيه أن الطموحات الشخصية وضمان المسيرة المؤلمة لتحقيق تطلعات المملكة العربية السعودية، على الرغم من الخصوم الجادين الموجودين في العائلة المالكة، في نظر محمد بن سلمان هي من فوائد تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني وذلك لان هذا الاخير له سيطرة وتأثير واسع النطاق على المجتمع الدولي ويملك إمبراطورية إعلامية كبيرة في العالم الغربي، وأيضا له تأثير خاص على الهيكل السياسي الأمريكي.
ثانيا: البعد الاخر لميل محمد بن سلمان يتمثل في أن هذا الامر يتماشى مع استراتيجية المملكة العربية السعودية الإقليمية في التحالف العربي الإسرائيلي لتقليل المسؤوليات الأمنية في الخليج الفارسي، وبالمثل مع ميل الرياض لتحقيق توازن إقليمي مع منافسيها الرئيسيين، ومحور المقاومة والاخوان المسلمين ولهذا تسعى الى خلق شراكة مع اسرائيل. وفي هذا الصدد، فإن الانسحاب المفاجئ للولايات المتحدة من أفغانستان وصعود إيران في المنطقة، وخاصة في منطقة الخليج الفارسي، إلى جانب هزيمة الرياض في دفع أهدافها في الحرب اليمنية وفشلها في تغيير البيئة الأمنية في منطقة شبه الجزيرة العربية مع صعود أنصار الله وسيطرتهم على مضيق باب المندب، كل هذه القضايا دفعت الرياض الى السعى وراء إحداث توازن من خلال قربها من إسرائيل.
ثالثًا، يجب أن تكون دوافع محمد بن سلمان وأهدافه متجذرة في فهمه المحتمل لفوائد توسيع التعاون الاقتصادي والتعليمي والتكنولوجي مع الصهاينة ، وخاصة أن ابن سلمان متردد في دعوة الشركات والمستثمرين الصهاينة للمشاركة في مشاريع تنموية طموحة مثل مشروع المدينة الفائقة تماشياً مع رؤية 2030، وذلك لكي تصبح المملكة الاقتصاد الأول في المنطقة ولكسر اعتمادها على النفط.
إلى أي مدى سيكون ابن سلمان جاهزاً للعمل؟
تقريبا كل ما قيل عن توقعات ابن سلمان من عائدات الاتجاه نحو تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني يمكن رؤيته بالفعل في أسباب توقيع اتفاقية إبراهيم من قبل الإمارات والبحرين وحتى دول مثل السودان والمغرب مع الكيان الصهيوني. الآن وبعد أن كان للتطبيع تأثير ضئيل على التنمية الإقليمية، والتنمية الاقتصادية، وتعزيز الدروع العسكرية والأمنية لهذه البلدان، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا ينبغي للرياض أن تأمل في تحقيق نتائج مختلفة عن باقي الدولة المطبعة مع الكيان الصهيوني؟
بالتأكيد، إن النظرة المتفائلة للأمن الناتج عن تطبيع العلاقات مع الصهاينة لن يكون لها أساس واقعي، لا من حيث مواجهة التحديات والتهديدات الإقليمية، ولا من حيث تمهيد الطريق لتولي العرش. وذلك لأنه أولاً، التعاون الأمني السعودي مع النظام الصهيوني ليس ظاهرة جديدة بأي حال من الأحوال، وبينما حدثت ذروة التعاون الثنائي في الحرب اليمنية في السنوات الأخيرة، كانت النتيجة هزيمة مشينة وكاملة لأهم سياسة خارجية سعودية. ويمكن رؤية أمثلة أخرى على فشل هذا التعاون ضد محور المقاومة في الحالة السورية.
ومحليًا، على الرغم من أن قمع محمد بن سلمان قد لا يمنع الاحتجاجات الشعبية ضد التطبيع، إلا أنه قد يؤدي في النهاية إلى استياء الطبقات البسيطة من المجتمع السعودي التقليدي والمحافظ والقبلي باعتباره أرضًا للوحي. وفي هذا الصدد، تُظهر التجربة التاريخية كيف كان التعاون السعودي مع الولايات المتحدة في حربي الخليج الأولى والثانية عمليا، العامل الأساسي في تشكيل أهم قوة معارضة داخلية ضد السعوديين، وهو التيار السروري.
“العلاقات الإسرائيلية السعودية ستتأثر بعملية نقل السلطة من الملك سلمان عبد العزيز لابنه محمد”،هذا ما قاله السفير الإسرائيلي السابق بالأمم المتحدة دوري جولد، وأوضح لصحيفة نيويورك سان الأمريكية أن محمد بن سلمان أكثر تصميمًا من والده بوضع المملكة على مسار جديد بالعلاقة مع الصهاينة، وأن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت للبحرين تؤكّد أن الهدف النهائي لاتفاقيات التطبيع سيفتح باب تطبيع مملكة آل سعود، عقب تصريحات كثيرة من السعوديّة أشارت فيها إلى أنّه لا يمكن تحقيق سلام واستقرار دائمين في الشرق الأوسط إلا باتفاق الفلسطينيين والإسرائيليين، وإلا فلن يلتئم جرح هذه المنطقة وفق زعمها، لكن مسؤولي المملكة تناسوا أنّ اتفاقات الخيانة التي توقع معهم، هي التي ستعمق الجراح في المنطقة، وتنشر سرطان الاحتلال فيها وتودي بها إلى الهاوية.
كان الموقف السعودي الرسمي واضحاً تجاه موجة الخيانة الخليجيّة التي لم تبدأ بالتأكيد دون موافقة الرياض، فمنذ تصريحات رئيس استخبارات النظام السعوديّ السابق، بندر بن سلطان، قبل أسابيع، وهجومه الحاد على موقف القيادات الفلسطينية من اتفاق الاستسلام الخليجي، واعتباره أنّ القضيّة الفلسطينيّة قضية عادلة لكن المدافعين عنا “فاشلون”، وأن القيادة الفلسطينية تدفع ثمن مراهنتها على الطرف الخاسر، حيث كثرت التنبؤات باقتراب دخول الرياض إلى حظيرة واشنطن للتطبيع، مستندين على استجابة الرياض لطلب الإمارات بالسماح للرحلات القادمة من الأراضي المحتلة الواقعة تحت سلطة العدو الصهيوني بعبور أجوائها.
في النهاية، بات التطبيع السعوديّ الإسرائيلي علنياً، وخاصة في الأشهر الأخيرة التي أظهرت بوضوح معدن السعودية فيما يخص القضية الفلسطينية منذ أن شرعت دولة الإمارات والبحرين أبواب الخيانة في العالم العربيّ وحتى قيام كل من المغرب والسودان بتوقيع اتفاقيتين لتطبيع علاقاتهما مع الصهاينة، لينضموا جميعاً إلى مصر التي كانت أول دولة عربية تطبع مع الكيان الغاشم، لكن السعودية ذات النفوذ الاقتصادي والديني لن تجني ثمار خيانتها، وإن التنازلات التي يقدمها حكام الدول الخليجية وعلى رأسهم محمد بن سلمان، للحصول على مزايا الخيانة من الناحية العسكرية والإعلامية والسياسية، لن تجلب لهم سوى النهاية الحتمية.
المصدر/ الوقت