التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

جسر آسيا الوسطى لتنشيط طريق الحرير الصيني 

جمعت الصين، التي عقدت في السنوات الأخيرة العديد من الاجتماعات الإقليمية مع دول آسيا الوسطى لتحسين العلاقات السياسية والاقتصادية، مرة أخرى مسؤولين من هذه المنطقة المهمة والاستراتيجية لتعزيز تعاونها في العالم الحالي الذي تمزقه الأزمات. وفي هذا الصدد، عُقد الاجتماع الثالث لوزراء خارجية الصين وآسيا الوسطى في نور سلطان، عاصمة كازاخستان.

ولقد حضر الاجتماع وزير خارجية كازاخستان ووزير خارجية الصين ووزير خارجية تركمانستان ووزير خارجية قيرغيزستان ووزير النقل في طاجيكستان ووزير خارجية أوزبكستان. وشدد الحاضرون على أهمية زيادة تطوير التعاون متعدد الأطراف بين دول وسط آسيا والصين من حيث الحفاظ على السلام والاستقرار والأمن، فضلا عن النمو الاجتماعي والاقتصادي المستدام في المنطقة. ووافق وزراء خارجية الصين وآسيا الوسطى على خارطة طريق للتعاون في مجالات الأمن والنقل والخدمات اللوجستية والطاقة والصناعة وتغير المناخ والاقتصاد الأخضر وصناعة التكنولوجيا والصحة والتعليم والسياحة والثقافة والقضايا الاستراتيجية.

وقد أعلن وزير الخارجية الصيني أن بلاده تعتزم تطوير التعاون متعدد الأطراف مع دول آسيا الوسطى، وقال إن “القمة اتفقت على بذل جهود مشتركة من أجل مستقبل وسلام واستقلال آسيا الوسطى في إطار حسن الجوار والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل”. وشدد المسؤول الصيني على أن الدول الأعضاء ستضمن تشغيل الحدود الصينية الأوروبية بطريقة آمنة ومستقرة. كما تم التأكيد في الاجتماع على أن هذه الدول ستنسق مواقفها بشأن الوضع في أفغانستان من أجل إرساء الاستقرار في البلاد.

وقد تم إنشاء قمة آسيا الوسطى والصين في عام 2020 بمبادرة من بكين، وقمة نور سلطان هي الثالثة. والغرض من هذه الاجتماعات السنوية هو تطوير التعاون الإقليمي. وعُقدت جولتا الاجتماعات السابقتان في الصين، واتفق جميع الأعضاء على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية في تلك الاجتماعات، وكانت النتائج واضحة للعيان، وتم الإعلان عن إحصاءات نمو التجارة السنوية بين الصين وآسيا الوسطى في العامين الماضيين.

وعلى الرغم من عدم اعتراف أي من أعضاء قمة آسيا الوسطى والصين بحكومة طالبان، إلا أنهم يتمتعون جميعًا بعلاقات جيدة مع المجموعة. وقد سبق لجميع المشاركين في الاجتماع أن أعربوا عن قلقهم بشأن تحركات الجماعات الإرهابية في أفغانستان. ونظرًا لقلق الصين وآسيا الوسطى بشأن التهديد الإرهابي في أفغانستان وانتشاره إلى المنطقة، إلا أن الجانبين يعملان على مواجهة هذه التهديدات من خلال التعاون الإقليمي. لأن انتشار حالة انعدام الأمن في أفغانستان إلى هذه الدول في ظل الوضع الراهن سوف يفرض عليها الكثير من التكاليف وبالتالي فهي تحاول إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان. لقد استضافت الصين بشكل متكرر وفودًا من الحكومة الأفغانية وطالبان في السنوات الأخيرة، وأظهرت مدى أهمية الأمن في أفغانستان بالنسبة لها.

دور آسيا الوسطى في ممر البضائع الصينية إلى أوروبا

على الرغم من أن الصين قد زادت من نفوذها في المنطقة على مدى العقدين الماضيين مع زيادة التبادلات السياسية والاقتصادية مع دول آسيا الوسطى، فقد تضاعفت أهميتها بالنسبة للصين في الأشهر الأخيرة بسبب حرب أوكرانيا، لأن الصين كانت تنقل الكثير من بضائعها من الحدود الروسية إلى أوروبا، لكن بعد حرب أوكرانيا أغلق الأوروبيون حدودهم أمام روسيا، وعانت الصين أيضًا من هذا الإجراء.

إن السكك الحديدية الروسية، التي لعبت دورًا رئيسيًا في نقل البضائع بين الصين وأوروبا، تخضع الآن للعقوبات الأمريكية والأوروبية، ومن المستحيل عمليًا استخدام طرق العبور الروسية. لذلك، تبحث الصين عن ممرات بديلة لنقل بضائعها إلى أوروبا، والطريق الأفضل والأكثر اقتصادا هو آسيا الوسطى. ويسمح قرب الصين من آسيا الوسطى بنقل البضائع عبر طرق عبور المنطقة إلى أوروبا. وفي الأشهر الثلاثة الماضية، نقلت الصين جزءًا كبيرًا من بضائعها من دول آسيا الوسطى إلى تركيا ومن هناك إلى الدول الأوروبية، وأصبحت طرق النقل البري في آسيا الوسطى ذات أهمية خاصة.

ولأن الصين تعتقد أيضًا أن العقوبات الغربية ضد روسيا ستستمر لفترة طويلة، فإنها ترفض استخدام الطريق الروسي وتسعى إلى تعزيز ممرات عبور آسيا الوسطى حتى تتمكن من توصيل بضائعها في أسرع وقت ممكن إلى الأسواق الأوروبية. وفي أعقاب الأزمة الأوكرانية، ازدادت مكانة آسيا الوسطى في تطوير النقل العالمي، وتشير التقديرات الصادرة عن اتحاد شركات النقل الكبيرة المملوكة للدولة في المنطقة إلى أن نسبة نقل البضائع عبر آسيا الوسطى والقوقاز بحلول عام 2022 مقارنةً بما كانت علية في العام الماضي، سيرتفع ستة أضعاف إلى 3.2 ملايين طن، ويرجع ذلك إلى تصدير البضائع الصينية عبر هذه الطرق. ومع ذلك، فإن الصين، التي كان عليها منذ فترة طويلة استخدام طرق آسيا الوسطى، تسعى أيضًا إلى تحسين علاقاتها مع الحكومات في المنطقة، وعقد اجتماعات وزارية سنوية.

وتلعب آسيا الوسطى، من ناحية أخرى، دورًا مهمًا في مشروع “حزام واحد وطريق واحد” في الصين، وتشارك جميع هذه البلدان في هذا المشروع العالمي، ويرى الصينيون آسيا الوسطى باعتبارها الطريق الرئيسي المنطقة الاهم لتنشيط طريق الحرير. وفي اجتماع العام الماضي لوزراء الصين ووزراء آسيا الوسطى، اتفق جميع الأعضاء على تنفيذ تجريبي لهذا الطريق. لذلك، يمكن أن يكون نقل البضائع الصينية عبر السكك الحديدية والعبور من آسيا الوسطى إلى أوروبا بمثابة اختبار لطريق الحرير الجديد في الصين، وإذا نجح، فسيمكن تنفيذه في المستقبل.

المنافسة الأمريكية مع الصين

نظرًا لأن الصين والولايات المتحدة تتنافسا مع بعضهما البعض في جميع مناطق العالم على مدار العقد الماضي، فإن وجودهما في المناطق الاستراتيجية من العالم مهم بالنسبة لهما. في السنوات الأخيرة، أصبحت آسيا الوسطى ذات أهمية خاصة للأمريكيين بسبب قربها من الحدود الروسية الصينية. وتحاول الولايات المتحدة زيادة الضغط على الصين وروسيا باعتبارهما خصمين رئيسيين لها من خلال جلب الحكومات الموالية للغرب إلى السلطة في آسيا الوسطى وإحضارها إلى المعسكر الغربي.

وعلى الرغم من أن واشنطن فشلت في تحقيق أهدافها على مدار العقدين الماضيين بسبب الحساسيات الروسية ودور الصين الإيجابي في المنطقة، فإن الأمريكيين سيواصلون خططهم الفاشلة بجدية بعد حرب أوكرانيا. وفي الآونة الأخيرة، سافر وفد من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين الأمريكيين إلى أوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان لتعزيز علاقاتهم مع تلك البلدان. وعلى الرغم من أن زيارة المسؤولين الأمريكيين إلى آسيا الوسطى تهدف إلى ضرب روسيا، إلا أن مواجهة النفوذ الصيني هي أيضًا أحد الأهداف الرئيسية لواشنطن. لذلك، مع وجود قوي في آسيا الوسطى، تحاول الولايات المتحدة ليس فقط تقليل نفوذ روسيا في المنطقة، ولكن أيضًا مراقبة تحركات الصين عن كثب.

وتدرك الولايات المتحدة جيدًا أنه إذا اتحدت الصين وروسيا وإيران، فقد تزعزع هيمنتها المتراجعة في العالم، لذا فهي تحاول إضعاف تحالف تلك الدول مع دول آسيا الوسطى. وفي أعقاب التوترات الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان، يسعى المسؤولون الأمريكيون إلى الاقتراب من حدود الصين وتشديد الحصار على خصمهم. وبينما تسعى الصين إلى إنشاء ممرات نقل في آسيا الوسطى للحفاظ على مكانتها الاقتصادية في أوروبا بعد أزمة أوكرانيا، فإن واشنطن تمارس الكثير من الضغط على دول آسيا الوسطى لمنعها من بناء علاقات تجارية واقتصادية قوية مع الصين.

وتحاول الصين، التي كانت في طليعة المنافسة العالمية مع الولايات المتحدة على مدى العقد الماضي، جلب المزيد من حلفائها من آسيا الوسطى إلى معسكرها بعد بدء الحرب في أوكرانيا، حيث وصلت التوترات مع واشنطن إلى ذروتها. ولهذا يمكن القول أن الاجتماعات الإقليمية وزيادة التعاون الاقتصادي بين الصين ودول آسيا الوسطى لتنشيط طريق الحرير، يمكن أن يرفع مكانة الصين على الساحة العالمية ويقضي على الهيمنة الأمريكية.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق