التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 22, 2024

غضب شعبي غرب وشرق البلاد.. ما هي مستجدات الأزمة السياسية في ليبيا 

– شهدت ليبيا مؤخرا مظاهرات حاشدة غرب وشرق البلاد احتجاجا على تدهور الوضع المعيشي وتنديدا بالسلطتين المتنافستين وللمطالبة بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وأيضا بسرعة إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، فيما ذكرت وسائل إعلام محلية أن حشدا غاضبا اقتحم مبنى البرلمان في طبرق واحرق جزءاً منه كما أحرق سيارات النواب.

وتشهد ليبيا من حين إلى آخر مظاهرات احتجاجية متفرقة لكن الاحتجاجات الأخيرة تبدو مختلفة إذ إنها لا تدعم أي طرف سياسي بل تطالب برحيل الحكومتين المتنافستين وبوضع حدّ للانسداد السياسي.

وأوردت عدة محطات تلفزيونية أن متظاهرين دخلوا مبنى البرلمان وأحدثوا فيه أضرارا، وأظهرت صور نشرتها أعمدة كثيفة من الدخان الأسود تتصاعد من محيط المبنى بعد أن أحرق متظاهرون غاضبون إطارات.

وذكرت وسائل إعلام أخرى أن جزءا من المبنى احترق، في حين كان خاليا عندما دخله المحتجون فالجمعة يوم عطلة رسمية في ليبيا.

وتظهر اللقطات أن جرافة يقودها متظاهر أطاحت قسما من بوابة مجمع المبنى، ما سهل على المتظاهرين اقتحامها. كما أضرمت النيران في سيارات أعضاء في مجلس النواب.

وألقى متظاهرون آخرون، بعضهم لوّح بالأعلام الخضراء لنظام معمر القذافي، بوثائق في الهواء بعد أن أخذوها من المكاتب.

وتعاني معظم مدن ليبيا من انقطاعات في التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 12 ساعة يوميا بسبب توقف بعض المحطات عن الإنتاج نتيجة توقف إمدادات الغاز من الحقول النفطية.

وخرجت احتجاجات في عدة مدن ليبية على الانقطاعات المزمنة في الكهرباء وتحدى مواطنون فصائل مسلحة للتعبير عن غضبهم من إخفاق الحكومة الذي جعل الحياة لا تطاق خلال أشهر الصيف شديدة الحرارة.

وفي ساحة الشهداء في طرابلس، احتشد المئات ورددوا هتافات تطالب بتوفير الكهرباء وتندد بكل من الحكومتين المتنافستين في البلاد في أكبر احتجاجات منذ عامين على الأقل.

وخرجت احتجاجات أصغر شارك فيها العشرات في بنغازي وطبرق وبعض البلدات الأصغر ما يظهر حجم الغضب من الوضع في أنحاء المناطق التي تخضع لسيطرة أطراف متنافسة في البلاد.

وردد محتجون في طرابلس هتافات تعبر عن سخطهم من تلك الأوضاع ويريدون تغيير الحكم وتوفير الكهرباء وطالبوا كذلك بإجراء انتخابات. وشوهد أفراد مسلحون تابعون للشرطة والجيش في محيط ساحة الشهداء.

وطالب عشرات السكان في بلدة القبة في شرق ليبيا بسقوط كل الحكومات والكيانات السياسية بسبب تدني مستويات المعيشة.

ويعاني قطاع الكهرباء الليبي من تبعات حروب وفوضى سياسية مستمرة منذ سنوات ما أوقف الاستثمارات ومنع أعمال الصيانة وأتلف في بعض الأحيان البنية التحتية ذاتها.

وتعهدت حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية التي تشكلت العام الماضي ويفترض أن ولايتها انتهت، بحل المشكلات لكن على الرغم من إصدارها عقودا للعمل في العديد من محطات توليد الكهرباء لم يبدأ العمل في أي منها وحالت المشاحنات السياسية دون تنفيذ أي أعمال أخرى.

وجاءت التظاهرة في وقت تعاني فيه البلاد منذ عدة أيام انقطاعا للتيار الكهربائي تفاقم بسبب إغلاق العديد من المرافق النفطية وسط خلافات سياسية بين المعسكرين المتنافسين.

من جهته قال موقع “ميديابارت” إنه بعد عام ونصف العام من وقف إطلاق النار، ها هي ليبيا مجدداً مقسمة مرة أخرى بين معسكر المشير خليفة حفتر في الشرق، والحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في الغرب، وتتفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي بسبب أزمة اجتماعية مقلقة.

وأشار الموقع الاستقصائي الفرنسي إلى أن الغضب امتد إلى جميع المناطق، مع تجمعات عفوية في مدينتي مصراتة وبنغازي، بالشعار نفسه في كل مكان: “نريد كهرباء”. كما نزل مئات المتظاهرين في ساحة الشهداء بقلب العاصمة، وعلى اللافتات، شُطبت صور القادة المتمركزين في طرابلس ومنافسيهم في الشرق بصليب أحمر.

وأوضح “ميديابارت” أن الغضب الشعبي انفجر بعد فشل جولة أخرى من المحادثات في جنيف في 30 يونيو برعاية الأمم المتحدة. ثم اتضح بعد ذلك أن الانتخابات التي تم تأجيلها مرة واحدة لن تتم، بعد أن كان تشكيل حكومة وحدة وطنية في فبراير 2021 قد خلق أملاً حقيقياً. للمرة الأولى، اتفق المعسكران المتنافسان على الحكم معا خلال فترة انتقالية مدتها 18 شهرا، تمهيدا لتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية. تم تسجيل 2.8 مليون شخص للتصويت. ولكن، بسرعة كبيرة، عادت الخلافات إلى الظهور بين الشرق والغرب.

وتابع “ميديابارت” التوضيح، أنه في ضوء الأزمة العالمية التي سببتها الحرب في أوكرانيا، تشهد ليبيا على ما يبدو تضخما معتدلا (4 في المئة في عام 2022، وفقا لصندوق النقد الدولي). لكن تكلفة المنتجات الأساسية، مثل الحبوب، التي يتم استيراد نصفها من أوكرانيا وروسيا، انفجرت: +75 في المئة للأرز وزيت الطهي. كما تضاعف سعر الخبز مرتين أو حتى ثلاثة أضعاف في عام واحد.

وكان التخفيض في قيمة العملة قاتلاً للنموذج الليبي، لأن البلاد لا تملك صناعة ولا زراعة، ويجب أن تستورد معظم استهلاكها. ولم تعد الدولة تملك الوسائل للسيطرة على أسعار المواد الغذائية الأساسية كما كانت تفعل أيام جماهيرية العقيد القذافي. في عام 2021، أنفقت الحكومة ملياري يورو على شكل إعانات، أو 10 في المئة من ميزانيتها، لكن معظمها تم ابتلاعه في الوقود، وتم الحفاظ عليه بشكل مصطنع عند سنتين من اليورو لليتر الواحد عندما انخفض سعر البرميل، يُشير “ميديابارت”.

في أكتوبر عام 2020، أوجد وقف إطلاق النار الأمل في الانتعاش الاقتصادي داخل الشتات. في العام التالي، قفزت نسبة العودة إلى البلاد بنسبة 20 في المئة، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة. في عام 2021، عاد ما يقرب من 100 شخص للعيش في ليبيا، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 7 ملايين نسمة.

نصف الليبيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وفقا للدراسة التي أجريت في نهاية عام 2021 من قبل منظمة Reach Initiative غير الحكومية، ومقرها في جنيف والتي شاركت في تأسيسها الأمم المتحدة. في المناطق الريفية في الجنوب والمنسية من قبل السلطة المركزية، تصل هذه النسبة إلى 90 في المئة. ثلث السكان غير قادرين على دفع نفقاتهم الصحية. من حيث المبدأ، النظام الصحي مجاني، لكن المستشفى العام بلا دماء، بعد عقد من الحروب الأهلية التي مزقت البلاد.

في الواقع، لا يوجد نقص في الأموال في خزائن الدولة الليبية. جلب استغلال احتياطياتها النفطية الهائلة 22.4 مليار دولار في عام 2021. لكن منح العقود والأوامر العامة لا يزال غامضا تماما، ما يشجع على الاختلاس على جميع المستويات، يشير “ميديابارت”، موضحاً أن سبب انقطاع التيار الكهربائي لمدة نصف يوم في طرابلس يعود إلى الفساد، حيث تزعم الدولة أنها أنفقت الملايين لإصلاح محطات توليد الكهرباء القديمة، دون أي نتائج.

وتابع “ميديابارت” أن الخوف يتزايد من مزيد من التصعيد لأن سكان طرابلس بالكاد يتعافون من هجوم المشير حفتر المفاجئ الذي بدأ في أبريل 2019، للسيطرة على البلاد بأكملها. في غضون أسابيع قليلة، وجدت العاصمة نفسها محاصرة، وضواحيها محتلة . وأوقفت القوات التي أرسلتها تركيا دعماً للحكومة المتمركزة في طرابلس، تقدم قوات حفتر المدعومة من الإمارات ومرتزقة فاغنر الروس.

ولا تزال الضواحي الجنوبية لطرابلس تحمل علامات الحرب. وحول المباني التي اخترقها نيران قذائف الهاون، تشوه الألغام المضادة للأفراد بانتظام الأطفال وعمال إزالة الألغام من الجيش، كما يوضح “ميديابارت”.

وقابلت الشخصيات السياسية في ليبيا غضب الشارع، الذي عمّ مختلف المدن الليبية شرقا وغربا وجنوبا، بالكثير من الاستخفاف واللامبالاة وسط سعي كل جهة للركوب على الاحتجاجات والاستفادة منها لإسقاط الخصوم.

واستغربت أوساط سياسية ليبية اللامبالاة والبرود اللذين ردت بهما مختلف الشخصيات السياسية على الغضب الشعبي المتفاقم والأصوات المطالبة برحيلها جميعا دون استثناء.

وبعد أن قابلت الأطراف السياسية الغضب بالصمت في البداية ردت تباعا بموقف واحد يزعم تأييد رغبة الشارع في تغيير السلطة وإجراء الانتخابات دون تقديم أيّ تنازل لتحقيق هذا الهدف.

وانتقد إبراهيم الدباشي، سفير ليبيا الأسبق لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، عدم الاستجابة من قبل السياسيين لمطالب الحراك الشبابي، في إشارة إلى تظاهرات الجمعة في طبرق ومصراتة وطرابلس وسبها.

وكتب قائلًا على فيسبوك “كلهم أعلنوا دعمهم لمطالب الحراك الشبابي الشعبي، ولم نر أحدًا يتخلى عن موقعه تنفيذًا لتلك المطالب. إنه النفاق والوقاحة مجتمعان”.

وتحدث رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبدالحميد الدبيبة عن المظاهرات والاحتجاجات التي عمت ليبيا منذ يوم الجمعة الماضي، مبينا أن مطلب الشعب فيها هو تغيير الوجوه الحالية، لافتا إلى عدم وجود وسيلة لتحقيق ذلك سوى الانتخابات، ومعلقا بالقول “لا بد للشعب أن يضع أوراقه في صناديق الاقتراع ويختار من يريد، سواء للبرلمان أو الرئاسة”.

أما بالنسبة إلى المجلس الرئاسي فيحاول منذ فترة وقبل اندلاع الاحتجاجات لعب دور الوسيط والمحايد في الصراع ملوّحا بإمكانية حل مجلسي النواب والدولة، في مسعى لإبعاد نفسه عن مطالب الشارع بشأن رحيل كل الأجسام.

وتشكل مجلس الدولة بموجب اتفاق الصخيرات في 2016 لكن أغلب أعضائه هم نواب في المؤتمر الوطني العام الذي انتخب سنة 2012 ورفض تسليم السلطة للبرلمان زاعما وجود إخلالات قانونية شابت العملية الانتخابية.

وانتخب البرلمان في يونيو 2014 لمدة سنة لكنه استمر في السلطة منذ ذلك الوقت ورغم أنه كان يتمتع بتعاطف شعبي بالغ في بداية انتخابه وخاصة بعد عملية فجر ليبيا التي أدت إلى انتقاله إلى شرق البلاد (طبرق) إلا أنه فقد شعبيته في السنوات الماضية بعد أن تبددت ثقة الليبيين في جديته ولاسيما مع تواتر فضائح فساد النواب.

وقالت عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور نادية عمران إن الأجسام السياسية “تغلغل فيها الفساد بدرجة كبيرة، وأصبحت تقتات على الخلافات والتجاذبات السياسية، وتتحجج بأنها تريد مصلحة الليبيين”، محذرة من اتجاه الوضع في ليبيا “نحو التأزيم والتطورات غير الإيجابية ما لم يجر الانصياع لرغبة الشارع”.

وأضافت عمران في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” إن الشخصيات السياسية “ليس لها الرغبة في طرح مشروع الدستور على الاستفتاء وصولًا إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية، استنادًا إلى نصوصه”، مشيرة إلى أن التوصل إلى توافق بشأن النقاط المختلف عليها “غير ممكن”.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق