غربيون يطالبون بمعالجة القمع المصري.. الحريات في السعودية ملف “مغلق ومطوي”
دعا نحو 50 برلمانيًا أميركيًا وبريطانيًا في رسالة وجّهوها للرئيس الأميركي “جو بايدن” إلى مناقشة مسألة “القمع الواسع” في مصر مع نظيره المصري “عبد الفتاح السيسي”، السبت.
ويشارك “بايدن” في قمّة لزعماء دول الخليج الفارسي في السعوديّة السبت يحضرها “السيسي” الذي تعدّ بلاده أحد أكبر الحلفاء الإقليميّين للولايات المتحدة. وتستضيف مصر أيضًا مؤتمر “كوب 27” المقرّر عقده في نوفمبر/تشرين ثاني.
وجاء في الرسالة التي وقّعها خصوصًا الأميركي “بيرني ساندرز” والبريطاني “جيريمي كوربين” أنّ “كلّ الأنظار متّجهة نحو مصر”.
وأضافت الرسالة الموجّهة إلى “بايدن” “استخدِم الوسائل التي في حوزتك، مع شركائك المصريّين، من أجل التصدّي الفوري لمسألة المنع غير القانوني للسفر، والأصول المجمّدة، والحبس الاحتياطي”.
واعتبرت الرسالة أنّ كلّ هذه الأساليب تشكّل “عنصرًا رئيسيًا في حملة القمع الواسعة للمجتمع المدني في مصر وتسمح للسلطات بإسكات المنتقدين”.
وهناك حاليًا شخصيّتان في صلب الاهتمامات هما الناشط السياسي والمدوّن المصري-البريطاني البارز “علاء عبد الفتّاح” الذي دخل إضرابًا عن الطعام منذ أكثر من مئة يوم، وهو من الشخصيّات البارزة في “الثورة” التي أطاحت بالرئيس الراحل “حسني مبارك” عام 2011.
إضافة إلى “كريم عنارة” زوج الصحفية البريطانية “جيس كيلي” وعضو “المبادرة المصريّة للحقوق الشخصيّة”، وهو من أبرز المنظّمات غير الحكوميّة المعنيّة بحقوق الإنسان في مصر.
و”عنارة” على غرار أعضاء آخرين أو أعضاء سابقين في “المبادرة المصريّة للحقوق الشخصيّة”، ممنوع من السفر أو الوصول إلى حساباته، وقد باتت أسماؤهم مدرجة في اللائحة السوداء لـ”الإرهاب” وعودتهم إلى السجن ممكنة في أيّ وقت.
ووفقًا للقانون المصري، تُفرض عقوبات على الأشخاص المدرجين في لوائح الإرهاب، تشمل وضعهم على لوائح ترقّب الوصول ومصادرة جوازات سفرهم وتجميد أصولهم الماليّة.
وتؤكد العواصم الأجنبية أنه من الأكثر فعالية مناقشة هذه القضايا خلف أبواب مغلقة.
لكنّ موقّعي الرسالة البالغ عددهم 55 قالوا إنّ “مناقشة هذه القضايا على انفراد مع الرئيس السيسي ووزير خارجيّته لم تُسفر عن أيّ من النتائج التي نأمل بها. يجب على الولايات المتحدة وبريطانيا التصرّف”.
تأتي هذه المطالبات في وقت تنتقد فيه الكثير من المنظمات الحقوقية في العالم العربي هذه السياسة الغربية المزدوجة فيما يتعلق بالتعامل مع قضايا حقوق الإنسان في الدول الحليفة للغرب وغيرها من الدول والتزام الصمت تجاه ما يحدث في السعودية من اعدامات واعتقالات وقمع وقتل.
حيث قالت منظمة القسط لحقوق الإنسان إنه مع زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية لا بدّ ألا يسكت عن القمع في المملكة.
وأكدت المنظمة ضرورة ألا يساعد بايدن على تلميع صورة الحاكم الفعلي – والمنبوذ – للمملكة، ولي العهد محمد بن سلمان، الذي تعرض للعزلة الدبلوماسية منذ جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشجقي عام 2018 .
وأضافت “لا بد من أنْ يوظف بايدن هذه الفرصة لإيلاء حقوق الإنسان الأولوية، وفي أقل الأحوال عليه أن يسعى إلى ما أوصت به 13 منظمة حقوقية مؤخرًا، من تأمين الإفراج عن معتقلي الرأي، وإنهاء منع السفر المنزل على النشطاء والنقاد السلميين، وإيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام”.
وفي 20 يناير 2021 تولى مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن منصبه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، مع إدارة وعدت بتحدي السجل الحقوقي الفظيع للسعودية لتخالف بذلك منهج الإدارة الأمريكية السابقة لترامب، التي داومت على حماية القيادة السعودية من النقد.
وفي يناير 2021 فرض بايدن وقفًا مؤقتًا لبيع الأسلحة للسعودية، وفي الشهر التالي نشرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية تقريرًا رفعت عنه السرية يستنتج تأييد ولي العهد لعلمية قتل جمال خاشقجي.
ولكن بايدن لم يستجب لدعوات إنزال عقوبات على محمد بن سلمان نفسه، وأما وعوده السابقة بـ “إعادة ضبط” العلاقات الأمريكية السعودية فتبين أنها متواضعة مع مرور الوقت، فلم يمض الكثير حتى وافقت الإدارة الأمريكية على صفقة أسلحة جديدة مع السعودية.
ومع تراجع بايدن عادت السلطات السعودية إلى نسقها المعتاد من القمع، بموجات جديدة من الاعتقالات استهدفت النقاد السلميين، وأحكام أقسى على النشطاء، ومساعٍ متعمدة لتعريض حياة معتقلي الرأي للخطر.
وفي عام 2022 نفذت السلطات السعودية 120 إعدامًا، أكثر من ضعف مجمل إعدامات 2021، وهذا يتضمن إعدام 81 رجلًا في يوم 12 مارس 2022 وحده، وهو أكبر إعدام جماعي في تاريخ السعودية الحديث.
ومع الإفراج المشروط عن عدد من المدافعات عن حقوق الإنسان ومعتقلات الرأي المعروفات في الأيام الأوائل لرئاسة بايدن، فما زلن يعشن حياة غير حرة، تكبلها قيود غليظة.
ومن المخيب أن غيره من القادة الغربيين زاولوا مؤخرًا زيارة السعودية، ففي ديسمبر 2021 التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمحمد بن سلمان في أثناء زيارته لمنطقة الخليج الفارسي، ليفتتح بذلك زيارات القيادات الغربيين بعد أنْ توقفت منذ قتل خاشقجي، ليتبعه في مارس 2022 رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بعد أيام معدودة من الإعدام الجماعي.
وعلق المدير التنفيذي للقسط نبهان الحنشي بالقول: “زيارة بايدن هذه للسعودية مخيبة للغاية، وتفرغ وعوده الانتخابية من أي معنى. عليه في أقل الأحوال أنْ يوظف هذا اللقاء لتأمين تقدم ملموس فيما يتعلق بأفظع الانتهاكات الحقوقية المرتكبة. فإن لم يقم بذلك ستكون هذه الزيارة خطوة لتلميع صورة القيادة السعودية، الأمر الذي أتاح الفرصة للمزيد من الانتهاكات”.
ولا يزال صدى تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن، حاضراً، عندما تعهَّد أن يجعل السعودية “منبوذة”، ربطاً بجريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، عندما كان على عتبة دخول البيت الأبيض.
تصل المواجهة بين الأطلسي وروسيا إلى حدّ لم يعد بايدن يرى في السعودية إلّا النفط. أمّا جمال خاشقجي، فليس إلّا ملفّاً أُغلِق وطُوِي. وأكثر التصريحات انتقاداً، بحقّ من أثبتت الـcia تورّطه في قتل الصّحفيّ السعودي، طبعتها المجاملة والمناورات الكلامية.
ويقول محللون إنه من “تل أبيب” إلى الرياض لم يرَ بايدن أيَّ انتهاكاتٍ لأيّ حقوقٍ، وتجاهلَ كل القضايا التي كانت في سلَّم أولوياته، عندما فاز بالرئاسة. ومن منبوذة أميركياً، بأدلة إدانة جنائية، الى شريكة تجلس إلى الطاولة. هكذا نسف الرئيس الاميركي كل تعهداته أمام حاجته إلى النفط السعودي، وسعيه لحماية “إسرائيل” وأمنها.
المصدر/ الوقت