التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

قطر تنتفض على السياسة الإسرائيليّة.. ما حقيقة وتأثير ذلك 

ضجة كبيرة أثارتها تصريحات أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في كلمته بقمة جدة السبت الماضي، حيث أشار بوضوح إلى أن التوتر في المنطقة سيظل قائما ما لم تتوقف “إسرائيل” عن بناء المستوطنات وتغيير طابع القدس وحصارها لغزة، مبيناً أنّه لا يجوز أن يكون دور العرب اقتراح التسويات ودور الإسرائيليين رفضها،وتأتي تلك التصريحات بعد أكثر من عام على دخول بعض العواصم العربيّة في حظيرة التطبيع الأمريكيّة (أبو ظبي، المنامة، الخرطوم، الرباط)، وتأكيد قطر عبر مسؤوليها أنّ اتفاقيات التطبيع أو ما تُسمى إسرائيليّاً “اتفاقية أبراهام” لا تتلاءم مع سياسة بلادهم لأنّها لا تقدم أيّ أفق لإنهاء الاحتلال، كما أنّه “لا يمكن الاعتماد على التطبيع الاقتصاديّ مع اسرائيل ما دام الاحتلال قائماً”، حيث إنّ منهج العدو الإسرائيليّ المتطاول على حقوق الشعب الفلسطينيّ ومقدساته وثرواته، يتصاعد يوماً بعد آخر لقتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض وبالأخص السعوديّة التي باتت في عداد الدول المُطبعة علنيّاً.

سلام زائف

يبدو أن قطر ترى في اتقاقات الخيانة مع العدو سلاماً زائفاً، حيث قال حاكم الدولة إن “الدول العربية أجمعت رغم خلافاتها على مبادرة سلام عربية ولا يصح التخلي عنها لمجرد أن إسرائيل ترفضها”، ونوّه بأنّه لا يجوز يكون دور العرب اقتراح التسويات ودور “إسرائيل” رفضها والزيادة في التعنت كلما قدم العرب تنازلات، في وقت تجد فيه الدوحة أنّ خطوات اتفاقيات “أبراهام” لا تتلاءم مع السياسة الخارجيّة للبلاد رغم اقتراب الرياض منها، وقد عبرت على لسان مسؤولين بارزين أنّ القيادة القطريّة لم تشهد السلوك والموقف المناسبين من الكيان الصهيونيّ للتوصل لحل سلمي مع الفلسطينيين، وهذا هو جوهر المشكلة بين الدول العربيّة والعدو، وهو احتلال الأراضي الفلسطينيّة.

“كما أن لإسرائيل رأي عام، فإنّه لدينا رأينا العام كذلك”، وكأن تميم بن حمد آل ثاني يريد دعوة الرئيس إلى دور فعال للولايات المتحدة في الدعوة إلى مفاوضات جادة لتسوية القضية الفلسطينية، حيث إنّ التوتر سيظل قائما ما لم تتوقف “إسرائيل” عن انتهاك القانون الدولي عبر بناء المستوطنات وتغيير طابع القدس وفرض الحصار على غزة، في الوقت الذي تزعم فيه الإدارة الأمريكيّة أن اتفاقات التطبيع بين عدو العرب والمسلمين الأول والدول العربية ستساعد في إحراز تقدم على صعيد حل الصراع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ، في ظل التعامي عن تسارع المخططات الاستيطانيّة للكيان الصهيونيّ في الضفة الغربيّة المحتلة والقدس بشكل كارثيّ خلال السنوات الأخيرة، من أجل محاولة وسم هوية مدينة القدس كعاصمة يهوديّة لكيان الاحتلال الغاشم وقتل أيّ مساعٍ فلسطينيّة أو دوليّة لإقامة دولة فلسطينيّة في الأراضي المحتلة عام 1967 من جهة أخرى.

وبالتزامن مع استمرار قوات العدو بمنهج النهب والسلب الصهيونيّ لأراضي الفلسطينيين، وإثبات الصهاينة لدرجة كبيرة أنّهم لن يكونوا في أيّ وقت مستعدين للقبول بدولة فلسطينيّة على حدود كيانهم السياسيّة وتحويلها إلى تهديد بالنسبة له، مع تجاهلهم لكل القوانين الدوليّة والإنسانيّة بكل وقاحة وإجرام في الهيمنة على الضفة الغربيّة بأكملها من خلال شراء الوقت وإرهاق الفلسطينيين وتنفيذ سياسات التهجير القسريّ والتوسع التدريجيّ، ناهيك عن المجازر والدمار الذي تسببه الآلة العسكريّة الإسرائيليّة كل مدّة، تؤكّد المنامة أنّه “لا أمن ولا استقرار ولا تنمية في ظل النزاعات”، وأن احتكام أطراف النزاعات إلى القانون الدوليّ وميثاق الأمم المتحدة يجنب الشعوب الكثير من الضحايا والمآسي.

وتأتي التصريحات القطريّة في ظل المساعي الحثيثة من ولي العهد السعوديّ إلى تكثيف التعاون مع الكيان الصهيونيّ الغاصب بدعم من الرئيس الأمريكيّ مقابل نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، مقابل سماح السعودية للطائرات التابعة للعدو بالمرور عبر مجالها الجويّ وحلحلة ملف التطبيع.

تاريخٌ أسود

في عالم السياسة لا تقام اعتبارات للتصريحات بقدر الأفعال، فعلى سبيل المثال إنّ السعوديّة بلا شك ومنذ أشهر طويلة طبّعت علاقاتها مع الإسرائيليين لكن تصريحاتها تنافي ذلك تماماً، كذلك هو الحال مع التصريحات القطريّة على الرغم من أهميّتها البالغة في دعم فلسطين، إلا أنّها الواقع السياسيّ الذي تنتهجه الدوحة مع العدو الصهيونيّ، حيث تتحدث تقارير كثيرة أنّ أمير قطر السابق، حمد بن خليفة، بعد عام واحد من انقلابه على أبيه وتوليه الحكم، سارع إلى إقامة علاقات مع تل أبيب، وافتتح المكتب التجاريّ في الدوحة من قبل رئيس الحكومة الصهيونيّ آنذاك، شمعون بيريز، عام 1996، وكان رئيس المكتب يحوز على رتبة سفير في الخارجيّة الصهيونيّة.

أيضاً، تم توقيع اتفاقية لبيع الغاز القطريّ إلى العدو الغاشم، وإنشاء بورصة الغاز في تل أبيب، وجرى تأسيس قناة الجزيرة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1996، لتتولى أكبر عملية تطبيع إعلاميّ على مدار الساعة وفتح شاشاتها لاستقبال رموز الصهاينة، وفقاً لمراقبين، رغم انتقاداتها بين الفينة والأخرى لممارسات الكيان، وقد كشف عضو “الكنيست” أو البرلمان الصهيونيّ، إيلي أفيدار، والذي تولى رئاسة مكتب التمثيل التجاريّ التابع للعدو في قطر خلال الفترة بين عامي 1999 و 2001 أن قطر تنتهج أسلوب الخداع والكذب في طبيعة علاقاتها القوية مع الكيان الصهيونيّ، مبيناً أنّ النظام الحاكم حاول إيهام شعبه بعدم وجود أي علاقات مع الصهاينة، وروج بأنّ قطر لا توافق على العلاقات مع تل أبيب، في حين أن النظام هو من طلب عقد اتفاق معها، وافتتاح مكتب تجاري إسرائيلي بالعاصمة القطريّة.

إضافة إلى ذلك، تُحافظ السياسة القطريّة على منهج رئيس وزراء قطر الأسبق وأحد المتحكمين في سياستها حتى اليوم، حمد بن جاسم، التي تلعب على الجبهتين، حيث أكّد الأخير في حوار مع محطة “cnn” يوم مايو/أيار 2013، أنّ بلاده قد تفكر في توقيع اتفاقية “سلام” مع العدو الصهيونيّ إذا كان هذا الأمر يخدم مصلحتها، فيما كشفت القناة العاشرة بالتلفزيون العبريّ، أنّ ابن جاسم سبق والتقى وزيرة خارجية العدو السابقة، تسيبي ليفني، في أحد الفنادق بمدينة نيويورك الأمريكيّة، وأكّد التقرير رغبة قطر في إقامة علاقات دبلوماسيّة مع الصهاينة عبر إنشاء سفارات وتمثيل تجاريّ، دون شرط قامة دولة فلسطينيّة عاصمتها القدس.

أيضاً، اعترف حمد بن جاسم في حوار مع التلفزيون القطريّ يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 ، بأنّ بلاده أقامت علاقات مع الكيان الغاصب تزلفاً وتقرباً من الولايات المتحدة، وأنّه كان من المهم إقامة علاقة مع تل أبيب كي تفتح لهم أبوابا كثيرة في واشنطن، وبعد تولي تميم بن حمد الحكم في يونيو/حزيران 2013، واصل السير على نهج أبيه، واستمرت قطر في تطبيعها السريّ مع الكيان الصهيونيّ، بحسب تقارير إعلاميّة.

ختاماً، إنّ خطاب أمير قطر في الاجتماع الهام الذي عُقد بحضور الرئيس الأمرريكيّ في جدة وبغض النظر عن نوايا الدوحة، إلا أنّه مهم وضروريّ في هذه الفترة الحساسة التي تعيشها القضيّة الفلسطينيّة والتكالب من بعض العواصم المعروفة بعمالتها لطعن الفلسطينيين في خاصرتهم الرخوة، فيما يقول بعض المتابعين أنّه لو اتخذت دول عربية أخرى مثل هذا الموقف ضد الصهاينة ومن يواليهم، لما تم التطبيع وصفقة القرن كما يشتهي أعداؤنا، وما كانت القضية الفلسطينية تباع في سوق المصالح الضيقة كما يحصل حاليّاً.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق