الاستفتاء على الدستور في تونس.. تشكيك ودعوات للمقاطعة واحتجاجات واسعة
– تجمع مئات المتظاهرين وسط العاصمة تونس، للاحتجاج على استفتاء من المقرر إجراؤه يوم الاثنين، لإقرار دستور جديد يرفضونه باعتباره غير قانوني.
ونشر الرئيس قيس سعيّد قبل أقل من شهر من موعد الاستفتاء، مسودة الدستور الذي يمنحه سلطات أكبر ويقلص دور البرلمان والقضاء ويلغي معظم سبل الرقابة على سلطته.
ويقول المعارضون إن الاستفتاء هو أحدث خطوة ضمن سلسلة خطوات اتخذها سعيّد صوب ترسيخ حكم الرجل الواحد، بدأت بتعليق عمل البرلمان المنتخب قبل عام، والإطاحة بالحكومة، والانتقال للحكم بمراسيم، فيما يصفه منتقدوه بالانقلاب.
وردد المحتجون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في وسط تونس هتافات رافضة لإجراءات سعيّد، منها: «يسقط الاستفتاء» و»أوقفوا الحكم الاستبدادي» و»ارحل يا سعيد»، كما رفع المحتجون شعارات من قبيل «يسقط يسقط الانقلاب»، و»هذا استقواء وليس استفتاء»، و»حريات.. حريات.. دولة البوليس وفات (انتهت)».
وقال رئيس ائتلاف جبهة الخلاص الوطني المناهض للاستفتاء، أحمد نجيب الشابي، إن «الشعب التونسي سيوجه صفعة قوية لاستفتاء سعيد غير القانوني وسيثبت له أنه غير مكترث بهذا المسار الشعبوي».
ونظم احتجاج السبت، الائتلاف الذي يضم مجموعة «مواطنون ضد الانقلاب» وحزب «النهضة»، وهو حزب إسلامي كان صاحب العدد الأكبر من المقاعد في البرلمان المنحل.
ووقف عدد كبير من رجال الشرطة على طول الشارع لكن لم تكن هناك مؤشرات على اندلاع أعمال عنف في بداية الاحتجاج. وانطلقت المسيرة من ساحة الجمهورية وصولا إلى المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة، وسط العاصمة تونس.
وتضم «جبهة الخلاص» عدة كيانات سياسية بينها «حركة النهضة» و»قلب تونس» و»ائتلاف الكرامة» وحزب الأمل» و»حراك تونس الإرادة» فضلا عن حملة «مواطنون ضد الانقلاب» وعدد من البرلمانيين.
وفي أثناء احتجاج منفصل نظمته منظمات للمجتمع المدني وأحزاب سياسية أصغر مساء الجمعة، استخدمت الشرطة العنف المفرط، بما في ذلك الضرب بالعصي ورذاذ الفلفل لتفريق المتظاهرين واعتقلت العديد منهم.
ونتيجة الانقسامات في صفوف الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المعارضة لتحركات سعيّد، كان من الصعب على المعارضة اتخاذ موقف واضح في مواجهته أو حشد الاحتجاجات في الشوارع.
وتحرك سعيّد ضد البرلمان في تموز من العام الماضي، بعد حالة من الجمود السياسي والاقتصادي استمرت لسنوات وبدا أن إجراءاته تحظى بتأييد واسع.
ومع ذلك، لم تكن هناك سوى مؤشرات ضئيلة على التأييد العام للاستفتاء في ظل مشاركة عدد محدود فقط من الناس في المسيرات الهادفة لدعمه.
ويشير الكثير من التونسيين، عند سؤالهم عن الاضطرابات السياسية،إلى الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق باعتبارها القضية الأكثر إلحاحا التي تواجه البلاد حاليا.
ويبلغ عدد المسجلين للاستفتاء 9 ملايين و296 ألفا و64 شخصا، حسب إحصائيات الهيئة. وبالنسبة للناخبين المقيمين خارج تونس، يُجرى الاستفتاء بين 23 و25 تموز/ يوليو الجاري، فيما التصويت بالداخل ينطلق 25 تموز.
وتشكل الدعوة التي وجّهها سعيّد للمشاركة بالاستفتاء، جزءًا من مسار دخلته البلاد قبل عام من خلال إجراءات استثنائية بدأ سعيّد فرضها في 25 تموز 2021، أبرزها إقالة الحكومة وتعيين أخرى، وحلّ البرلمان ومجلس القضاء، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 كانون الأول المقبل.
ودعا كل من حركة النهضة، وقلب تونس، وائتلاف الكرامة، وحراك تونس الإرادة، والأمل، والحزب الجمهوري، والتيار الديمقراطي، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وحزب العمال، إلى مقاطعة الاستفتاء واعتباره “مسارا غير قانوني”، كما دعت نقابة الصحفيين وحملة “مواطنون ضد الانقلاب” إلى مقاطعة الاستفتاء، في حين ترك الاتحاد العام التونسي للشغل -أكبر نقابة عمالية في البلاد- حرية القرار لأنصاره.
ويحتدم الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي وفي مختلف وسائل الإعلام، كل يبرر خياره ويوجه لومه إلى الآخر محمّلا إياه المسؤولية عن خراب قد يطال البلد في حال تم انتهاج الطريق الذي يدعو إليه خصمه السياسي.
وبين هذا وذاك يوجد فريق ثالث عبّر صراحة عن رغبته في عدم مقاطعة الاستفتاء والذهاب إلى صناديق الاقتراع، لكن مع التصويت بـ«لا» لمشروع الدستور الجديد أملا في أن يُحرج صوته أصوات من يتفقون مع نهج الرئيس قيس سعيد ويعيد النظر في بعض فصول مشروع الدستور عندما تتفوق الأصوات الرافضة على الداعمة.
وينتمي أغلب هؤلاء إلى تيارات سياسية كانت تدعم الرئيس قيس سعيد في ما قام به يوم 25 تموز 2021 وكانت تغضّ الطرف عن استفراده بالسلطة بموجب مرسوم 17 أيلول 2021 أملا في التأسيس لنظام سياسي جديد يتجاوز هنّات منظومة 2011 لكنها اصطدمت بمشروع دستور مخيب للآمال في بعض فصوله التي يرى هذا الفريق أنها تستحق مراجعة خاصة فيما يتعلق بمفهوم مدنية الدولة ومبادئها الديمقراطية.
ولم تكتف فقط هذه الأحزاب بالمقاطعة بل واصلت تحركها في الشارع من خلال مسيرات ووقفات احتجاجية طوال الأيام الماضية للتنديد بالاستفتاء وكذلك لدعوة الرأي العام إلى مقاطعته.
فقد نظّم «الائتلاف المدني من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة « وقفة احتجاجية للتعبير عن الرفض لمشروع الدستور.
وأكد الائتلاف -حسب بيان- ان هذا الاستفتاء «يشكّل نسفا للدولة المدنية الديمقراطية الاجتماعية». كما نظّمت أحزاب «الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء» يوم الجمعة الماضي تجمعا للتعبير عن رفض مشروع الدستور باعتباره يمثل «تركيزا لدولة الحكم الفردي المطلق» حسب تعبيرها.
المصدر/ الوقت