السعودية.. مسلسل إعدام الأطفال لم تكتب له نهاية و وعود إعلامية لم تر النور
رغم أن السعودية دولة طرف في “اتفاقية حقوق الطفل” التي تحظر حظرًا تامًا استخدام عقوبة الإعدام ضد أشخاص ارتكبوا الجرائم التي أدينوا بها قبل سن الـ18، و رغم صدور مرسوم ملكي ألغى أحكام الإعدام ضد الأطفال الذين أدينوا بجرائم. إلا أن كل تلك القوانين بقيت حبراً على ورق، حيث أكدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن السلطات السعودية غير جادة بتطبيق نظام الأحداث واحترام اتفاقية حقوق الطفل في ظل المزاعم الإعلامية التي تطلقها حول ذلك على الرغم من تكرار الوعود بوقف هذا الإجراء التعسفي. وطالبت المنظمة في بيان لها من النيابة العامة في السعودية بإنزال حد الحرابة بحق القاصر يوسف المناسف وخمسة آخرين من بينهم قاصر (سجاد آل ياسين).
جديد الانتهاكات السعودية بحق الأطفال
يخضع ستة أطفال لمحاكمة جماعية في المحكمة الجزائية المتخصصة منذ 20 سبتمبر 2019 وحتى اليوم لم يصدر بحق هؤلاء الأطفال أي حكم ابتدائي. وأكدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن استمرار مطالبة الحكومة بإعدام القاصر يوسف المناسف يشير إلى عدم جديتها في تطبيق نظام الأحداث وعدم التزامها باتفاقية حقوق الطفل.
وأوضحت المنظمة أن السعودية تستخدم أحكاماً دينية متشددة من أجل تبرير إعدام الأطفال في محاكمات جائرة تفتقد لشروط العدالة، عبر الاستناد لاتهامات غير جسيمة، وبعضها حقوق أساسية غير مصنفة كجرائم في القانون الدولية.
وأبرزت المنظمة أن المناسف تعرض لانتهاكات جسيمة واسعة النطاق منذ الاعتقال، بالتالي فإن مطالبة النيابة العامة بقتله تحت هذه الظروف تعد بمثابة تواطؤ على التعذيب وتستر على المجرمين الحكوميين.
اعتقِل يوسف المناسف (8 سبتمبر 1996) بشكل مفاجئ في 6 أبريل 2017 بالقرب من محكمة القطيف بطريقة عنيفة تخالف الانظمة المحلية. وهو يمشي في الشارع،حيث قامت قوات أمنية سعودية بإشهار السلاح في وجهه واقتادته إلى السجن، دونما إبراز مذكرة اعتقال أو إبلاغ أهله عن اسباب الاعتقال. كان عمره حينذاك 20 عامًا وستة أشهر.
أُبلغت عائلته باعتقاله ونقله إلى سجن المباحث العامة في الدمام. لكن لم يسمح لها برؤيته أو زيارته إلا بعد مضي أكثر من ستة أشهر على اعتقاله، حيث ظل طول تلك المدة في الحبس الانفرادي، وبمعزل عن العالم الخارجي. في منتصف أكتوبر 2017، سمحت إدارة السجن لعائلته بالزيارة.
تعرض يوسف المناسف خلال فترة الاعتقال إلى تعذيب جسدي شديد أدى إلى فقدانه الوعي ودخوله المستشفى. كما تسبب التعذيب له بمضاعفات صحية وآلام في الظهر.أُجريت له فحوصات في مستشفى قوى الأمن، لكنه لم يتلق نتائجها أو الصور أو التقرير الطبي. لم تسمح إدارة السجن لعائلته بزيارته إلا بعد إجباره على توقيع اعترافات، استخدمتها النيابة العامة ضده لاحقا في المحكمة كأدلة على التهم التي وجهت له.
وجهت النيابة العامة له عدة تهم أغلبها في فترة الطفولة. من بينها: المشاركة في جنازات بعض الأشخاص الذين قضوا برصاص القوات الأمنية في مظاهرات ومداهمات.
إحداها حينما كان عمره 15 عاما، وأخرى حين كان يبلغ من العمر 16 عاما، إلى جانب المشاركة في المظاهرات والتجمعات المثيرة للشغب، ترديد الهتافات، رفع الشعارات المناوئة للدولة، السعي لإثارة الفتنة والتفرقة، وزعزعة الأمن، والسعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية.
وكذلك الدعوة والمشاركة والتحريض على الاعتصامات والمظاهرات والتجمعات التي تمس وحدة واستقرار المملكة، والانضمام إلى خلية إرهابية ومراقبة رجال الأمن وإطلاق النار عليهم، بيع حبوب مخدرة لثلاثة من رجال الأمن، والتستر على مطلوبين.
كما وجهت له النيابة العامة في السلطات السعودية تهمة تمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية، من خلال الاستناد لإقراراته التي تنص على استلامه ونقله وتسليمه إطارات لمواقع الشغب. فيما لم تقدم النيابة العامة أي أدلة على التهم الموجهة للقاصر يوسف المناسف ما عدا الإقرارات التي قال أمام المحكمة إنها انتزعت منه تحت وطأة التعذيب. حُرِم يوسف المناسف من حقه الأساسي في الاستعانة بمحام طوال فترة التحقيق والحبس الاحتياطي الذي امتد إلى 29 شهراً، في انتهاك صارخ للأنظمة المحلية وشروط المحاكمات العادلة.
ونبهت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى أنه إلى جانب يوسف، تمكنت المنظمة من رصد 4 قضايا لقاصرين آخرين يواجهون عقوبة الإعدام، فيما تشير المعطيات إلى أن قاصرين آخرين يواجهون مصيرا مماثلا، إلا أن انعدام الشفافية في تعامل الحكومة السعودية في ملف الإعدامات يمنع توثيقها.
تاريخ حافل بقصص تعذيب و إعدام الأطفال
أكدت السعودية أن الأطفال غير مستثنين من الحصول على عقوبة الإعدام في ظل عدة حكومات وفي ظل غياب كامل للشفافية في السعودية، من جهتها تعتقد المنظمات الحقوقية أن هناك العديد من الإعدامات التي جرت بحق قاصرين و لم يتم توثيقها ولكن بناء على المعلومات المعلنة حول سجل الإعدامات فقد بدأت حكومة الملك سلمان بإعدام الأطفال في عام 2016، أي بعد نحو عام من اعتلائه العرش. ففي يناير/كانون الثاني من العام ذاته، نفذت السعودية إعداما جماعيا ل 47 شخصا كان من بينهم 4 أشخاص يزعم أن جرائمهم تعود لعمر كانوا فيه قاصرين ومنذ ذلك الوقت، قتلت الحكومة ثمانية أشخاص آخرين قاصرين على الأقل.
وكانت أغلبية الإعدامات مبنية على إدانات تتعلق بجرائم سياسية، وزعمت الحكومة السعودية أنها حصلت على اعترافات بأن القاصرين المذكورين قد ارتكبوا أعمال عنف سياسي.
فعلى سبيل المثال، أعدمت السعودية علي الربح في يناير/كانون الثاني 2016 بعد أن وجهت له تهما منها المشاركة في المظاهرات والمشاركة في مجموعات عبر تطبيقات الهاتف، وحضور محاضرات الشيخ نمر النمر.
وأضافت الحكومة السعودية إلى هذه التهم، تهمة حمل أسلحة وإلقاء قنابل المولوتوف، كي تظهر أن التهم السياسية كانت جرائم عنف. ولكن المنظمة تمكنت من التحقيق في كل قضية و توصلت إلى أن جميع الاعترافات المقدمة من المتهمين قد تم التراجع عنها و أن الجناة المزعومين صرحوا أثناء المحاكمة أمام القاضي بأن جميع اعترافاتهم تم الإدلاء بها تحت التعذيب و التهديد.
وفي عام 2018 وتحت ضغوط دولية خرجت السلطات السعودية لتتغنى بتحديثات على نظام الأحداث تنص على عدم إصدار أحكام إعدام بحق أي طفل، وتبديل حكم الإعدام إلى السجن 10 سنوات. إلى أن جاءت قضية إعدام الطفل الضحية مرتجى قريرص ضمن انتهاك ممنهج لحق الطفل في السعودية لتضاف قضية الإعدام هذه إلى 6 سجناء قاصرين أعدموا خلال ذلك العام بسبب جرائم مزعوم أنهم ارتكبوها قبل بلوغهم سن ال18، وليؤكد كل ذلك عدم جدوى القوانين السعودية و أنها مجرد خزعبلات إعلامية مزيفة.
كما أثارت العام الماضي قضية إعدام الشاب مصطفى هاشم آل درويش من أبناء مدينة القطيف و الذي كان قاصرا حين اعتقاله الرأي العام و من جهتها نددت منظمة العفو الدولية بالحكم بإعدام الشاب على الرغم من المناشدات التي أطلقتها عدة منظمات مطالبة السعودية بالعدول عن قرارها.
انتهاكات بحق الطفولة يندى لها الجبين
من غير الممكن التحدث عن الانتهاكات التي تمارسها السلطات السعودية بحق الأطفال و عدم استذكار قضية الطفل المظلوم مرتجى قريريص ، الطفل الذي شارك في مظاهرات مثل ركوب الدراجات عندما كان يبلغ العاشرة من عمره، كأحد مظاهر المعارضة المطالبة بحقوق الأقلية الشيعية في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية خلال “الربيع العربي”لعام 2011.
و في عام 2014 بعد 3 سنوات من تصويره في أثناء مشاركته في احتجاج الدراجات ذاك، اعتقلت السلطات السعودية قريريص وكان يبلغ من العمر حينها 13 عامًا فقط أثناء سفره مع عائلته إلى البحرين.
أودع مرتجي في دار الملاحظة الاجتماعية (السجن المخصص للأحداث في الدمام)، وتعرض خلال فترة التحقيق للإكراه والخداع من المحققين، ورغم صغر سنه وضعه المحققون في الحبس الانفرادي لمدة شهر، تعرض خلالها إلى ظروف احتجاز غير لائقة أدَّت إلى مشاكل صحية، وتضمنت التعذيب بالضرب على أنحاء مختلفة من جسده لإجباره على الاعتراف، كما وُعد مرارًا بأنه سيتم الإفراج عنه حال التعاون مع التحقيق والقبول بالتهم المنسوبة إليه. في ذلك الوقت، اعتبره المحامون والناشطون أصغر سجين سياسي معروف في المملكة العربية السعودية، وبعد قرابة 32 شهرًا قضاها مرتجي في سجن الأطفال دون تهم أو محاكمة، اتخذت المملكة خطوة مستنكرة، في 25 من مايو/أيار 2017، بنقله في شهر رمضان إلى سجن المباحث سيء السمعة، المخصص للبالغين، رغم كونه آنذاك يبلغ من العمر 16 سنة.
وفي تطور بالغ الرعب، وضمن سياق استخدام السعودية لعقوبة القتل لتصفية أصحاب الرأي والمعارضين والمحتجين والاطفال، عبر الاستناد لنصوص دينية وأفهام متطرفة، طالبت النيابة العامة السعودية المرتبطة مباشرة بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز خلال أول جلسة عقدت له في المحكمة في أغسطس/آب عام 2018 بصلب الطفل مرتجي القريريص، استنادًا لفيض من الاتهامات التي لم تقدم النيابة العامة بشأنها أدلة مادية. وبعد سنوات من اعتقاله، وفي سن الـ18 من عمره، واجه قريريص عقوبة الإعدام الأمر الذي علَّقت عليه مديرة أبحاث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، لين معلوف حينها، بقولها: “لا ينبغي أن يكون هناك أدنى شك في أن السلطات السعودية على استعداد للذهاب إلى أبعد من هذا ضد مواطنيها للقضاء على كل أشكال المعارضة، بما في ذلك اللجوء إلى عقوبة الإعدام ضد من كانوا مجرد فتيان وقت اعتقالهم”.
ختام القول، ممارسات السلطات السعودية ما هي إلا رسالة واضحة باستمرار إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بحق القاصرين على الرغم من الوعود والتصريحات بوقفها. على الرغم مما يتعرض له النظام السعودي من إدانات واسعة وانتقادات حادّة من منظمات حقوق الإنسان بسبب سجله السيء في مجال حقوق الانسان ولا سيما القمع والتنكيل المستمر والسياسات الطائفية التي ينفذها بحق أبناء المنطقة الشرقية فضلا عن معدلات الإعدام المرتفعة في المملكة ونظامها القضائي.
المصدر/ الوقت