جنود الاحتلال الإسرائيلي يكسرون الصمت: هكذا قتلنا و عذبنا و دمرنا
لطالما اقترف الاحتلال الفلسطينيني جرائم دموية بحق الشعب و الأطفال الفلسطينيين وثقتها عدسات الصحفيين العرب و المسلمين و لطالما طالبت الشعوب العربية و الاسلامية من المنظمات الأممية حماية حقوق الأطفال و الشعب الفلسطيني لكن اليوم جاء توثيق و نشر فضائح ما يقترفه الكيان الصهيوني على لسان ضباط و جنود خدموا في جيش الاحتلال و أحسوا بتأنيب الضمير و قرروا الإفصاح عن شهاداتهم إلى العلن من خلال منظمة قاموا بتأسيسها تحت عنوان ” فلنكسر الصمت”
منظمة ” كسر الصمت”
بدأت هذه المنظمة نشاطها في كشف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في أراضي 1967 في العام 2004و تأتي أهمية هذه المنظمة من حيث كونها منظمة إسرائيلية غير حكومية تقوم بجمع شهادات من الجنود الذين خدموا في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية منذ اندلاع الانتفاضة الثانية. وعلى الرغم من المُضايقات الإسرائيليّة الرسميّة وغير الرسميّة، استمرّت المنظمة وما زالت في نشاطاتها، التي تفضح ممارسات جيش الاحتلال، وتنبع أهميتها من أنّها أسست وتُدار من قبل ضبّاطٍ وجنود خدموا في جيش الاحتلال.
توثق منظمة “فلنكسر الصمت” من خلال إفادات لمئات الجنود حجم الانحطاط الأخلاقي للجيش المحتل وجرائم المستوطنين بحق الشعب الفلسطيني الذي تحوّلت حياته إلى جحيم تحت ذريعة الأمن القومي.
وقامت المنظمة منذ تأسيسها بجمع أكثر من ألف شهادة لجنود يمثلون كل شرائح المجتمع الإسرائيلي، وهي تغطي تقريبا جميع الوحدات التي تعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتلجأ منظمة”فلنكسر الصمت” عادة بعد جمع شهادات الجنود عن ممارسات القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، إلى نشرها على موقعها الإلكتروني باللغتين الإنجليزية والعبرية. و منذ العام 2004 أصدرت المنظمة عدّة كراسات تحتوي على شهادات جنود خدموا في الأراضي المحتلة وتتضمن ممارسات خرق حقوق الإنسان، منها كراس شهادات من الخليل، وكراس شهادات جنود بشأن أوامر إطلاق النار في المناطق المحتلة، وكراس شهادات لجنديات إسرائيليات، وكراس حول ممارسات الجنود في أثناء عملية “الرصاص المصبوب” العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (في شتاء 2009)، وغيرها.
و رغم الضغوط التي تتعرض لها المنظمة إلا أنها تحاول الاستمرار في كشف دموية جرائم قوات الاحتلال الاسرائيلي. حيث تواجه على الدوام ردودا عدائية من المؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل، وتعرض مؤسسوها لتشويه السمعة وقطع التمويل، فضلا عن التحقيق معهم. فقد أصدرت السلطات الإسرائيلية تعليماتها بفتح تحقيق مع المنظمة بدعوى استدراج جنود إسرائيليين للكشف عن معلومات سرية وحساسة خلال خدمتهم العسكرية، وهي التهم التي نفتها المنظمة. وتوالت الانتقادات من اليمين والوسط الإسرائيلي، بمن في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي اعتبر أن المنظمة تجاوزت الخط الأحمر.
قراءة في كتاب منظمة فلنكسر الصمـت: احتلال المناطق، شهادات جنود 2000- 2010
يتحدث الكتاب عن شهادات لجنود سابقين في الجيش الاسرائيلي “هكذا قتلنا وعذّبنا ودمّرنا وتحولنـا إلى مجرّد برغي في آلة ليست إنسانية” ويضم الكتاب بين دفتيه (348 صفحة) تفضح ملفات دموية أدلى بها مئات الجنود و الجنديات ممن خدموا في الجيش الإسرائيلي.
شهادة 1: “في الثالثة فجرًا اقتحمنا طوباس (محافظة نابلس)، وبدأنا برمي القنابل الصوتية بالعشرات في شوارع المدينة. ما من هدف محدّد سوى تخويف الناس، وتأكيد أن الجيش الإسرائيلي موجود هنا. كنا نشاهد السكان يستيقظون مذعورين على أصوات القنابل. قال لنا الضبّاط إن تلك القنابل تساهم في فرار المخربين المحتملين… وهذا كلام فارغ! لكننا كنا نفعل ذلك كل ليلة، وكانوا يهنئوننا ويقولون لنا إنها كانت عمليات جيّدة، ولم نكن نفهم لماذا”.
ومن جانب آخر يتكلم الكتاب كيف كان المستوطنون يهاجمون بلدة مجاورة لنابلس، كانوا مسلحون و يهجمون على منازل الفلسطينيين أصحاب الأرض بالسلاح و الحجارة و العصي.
شهادة 2: “لم نكن نعرف أن هناك تقليدًا معينًا لدى المسلمين خلال شهر رمضان يقضي بتجوال أحدهم في الشوارع وهو يقرع على الطبل عند الرابعة فجرًا لتنبيه الناس إلى وقت السحور. وهكذا فإنه في إحدى ليالي رمضان في نابلس شاهدنا مسحراتي فصرخنا به كي يقف، وعندما بدأ بالهرب شرعنا بإطلاق النار عليه حتى أرديناه، مع أن القواعد العسكرية تقول إنه في مثل هذه الحالات، كان يجب علينا أن ننذره أولاً وندعوه إلى التوقف، وإذا لم يمتثل نطلق رصاصة في الجوّ ثم بين الرجلين. لكن لم يتبع أحد تلك القاعدة وكنا نقتل فورًا. وهكذا اغتلناه بسبب جهلنا بتقاليد الفلسطينيين المحليّة”.
شهادة 3: “قرر المستوطنون (اليهود) مهاجمة بلدة مجاورة لنابلس. إنهم مسلحون ويهجمون على منازل الفلسطينيين بالحجارة والعصي والسلاح. وقد تم إرسالنا إلى هناك. كانت مهمّتنا حماية المستوطنين. ولذا كنا نُزجّ بين السكان العرب المرعوبين والمصابين بالدهشة جراء الهجوم وبين مستوطنين من واجبنا حمايتهم. يحاول أحدنا ردع أحد المستوطنين فيتلقّى ضربات وتسمع طلقات نار، ويسود جوّ من الذعر والفوضى وتخرج الأمور عن سيطرتنا، وتنتهي الحادثة بجرح عدد من السكان الفلسطينيين”.
و تكشف هذه الشهادات و غيرها الهمجية التي تتبعها قوات الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية و غيرها و تأثيرها على السكان الفلسطينيين و حتى على نفوس الجنود الاسرائيليين. كما وتفضح السياسة الاسرائيلية المتبعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تجاه أصحاب الأرض وكيف يعمل الكيان الصهيوني على تعبئة جنوده ضد الشعب الفلسطيني حتى يقوموا بارتكاب ممارسات اجرامية عمياء تجاه الفلسطينيين دون التمييز بين طفل وكهل أو إمرأة ورجل.
من الجدير بالذكر أن منظمة “فلنكسر الصمت” قامت بالتحقق من الوقائع الواردة في جميع الشهادات، ومن ثم قامت بغربلتها، وفي نهاية الأمر تم نشر 183 شهادة من بين ما يقارب 700 شهادة جرى جمعها في مجرى التحضير لهذا الكتاب.
وحسب إحدى القراءات للكتاب فإن الشهادات تبيّن في المحصلة العامة “الروتين الكئيب للاحتلال”، فضلاً عن أنها لا تأتي لتكشف عن الأعمال الوحشية أو لتصف جلاوزة لا قلوب لهم فحسب، وإنما أيضًا لتستعرض حالة عامة: حالة من السيطرة على شعب آخر بكل ما في ذلك من تعسّف؛ حالة إذلال الواقعين تحت الاحتلال؛ حالة انحلال المُحتلين. وعلى حدّ قول المحررين، فإنه ليست هناك أي إمكانية متاحة أمام الجندي الفرد لتحسين الوضع، وذلك لأنه يتحوّل إلى مجرّد برغي في آلة ليست إنسانية بطبيعتها.
وجاءت عناوين الشهادات في الكتاب لتشهد على نفسها بصورة واضحة و مخيفة بالوقت نفسه، نوجز بعضا من هذه العناوين:
قنابل صوتية في الثالثة فجرًا؛ إرغام قرية (فلسطينية) على الأرق؛ نائب قائد الفرقة (العسكرية) يعتدي بالضرب على أسير مكبّل، قائد الفرقة يستعمل الشاب (الفلسطيني) درعًا بشريًا؛ كنا نرسل الجيران لتفكيك عبوات ناسفة؛ لم أصدّق أن أوامر قتل البشر تُنفّذ في ظرف دقيقة واحدة؛ حكم بالإعدام على شخص غير مسلح؛ القائد يأمر بإطلاق النار على الأشخاص الذين حاولوا انتشال الجثث؛ أردى ولدًا في الـ 11 من عمره؛ هذا ما شرحه القائد لنا: “عندما تتعثرون بجثة ضعوا فوهة البندقية بين فكي الأسنان وأطلقوا النار”؛ “الهدف هو أقصى حدّ من القتلى”؛ قالوا للقوة العسكرية أن تطلق النار على جميع الموجودين في الشارع؛ “كل ولد تشاهدونه مع حجر، أطلقوا النار عليه بهدف القتل”؛ يمكنك أن تفعل ما تشاء فلن يسألك أحد عما فعلت؛ أطلقنا النار من مدفع رشاش على سيارة إسعاف؛ القائد قال لنا: “أريد جثثًا مثقوبة بالرصاص”؛ القائد يؤكد: “مكانتكم مرهونة بكمية الأشخاص الذين تقتلونهم”؛ عقوبة قتل ولد: مئة شيكل؛ قتلنا أربعة أطفال “فقط”؛ كنا نسرق ما تطوله أيدينا من المنازل؛ قتلنا أفراد شرطة غير مسلحين؛ كانوا يغلقون الدكاكين كعقاب جماعي؛ لم أكن أعرف أن هناك طرقًا خاصة لليهود؛ حاجز لبتر الحياة؛ ما هذا إن لم يكن غيتو؛ العبور غير مسموح للفلسطينيين؛ منطقة عسكرية مغلقة كل يوم جمعة؛ “أنا مجرّد برغي في آلة”؛ لا تسمح لسيارات الإسعاف بعبور الحاجز؛ أغلقنا أمامه الطريق إلى العمل؛ نخترق أوردة السكان؛ المهمة: تشويش حياة السكان؛ كان الطابور غير منتظم فأطلق الجندي عيارات نارية في الهواء؛ قالوا لنا: “جففوهم”؛ تسببت بأن يقضي حاجته في بنطاله؛ أحد العمال لقي حتفه معسًا في الحاجز؛ نتدرب في مركز القرية في منتصف الليل؛ صادرنا المفاتيح والسيارات؛ كانت المهمة: حماية فلتان المستوطنين؛ المستوطنون يتجولون في القصبة ونحن نزيح الفلسطينيين من طريقهم؛ ممارسات لا تصل إلى وسائل الإعلام مطلقًا؛ على الرغم من كونها مسنة إلا إن أبناء الشبيبة (شبيبة المستوطنين) أوسعوها ضربًا؛ الجيش لا يستطيع كبح المستوطنين؛ إغلاق أماكن للفلسطينيين من دون أوامر؛ المستوطنون كانوا يشعرون بأنهم قادتنا الحقيقيون؛ حاجز لا يخدم مصلحة أمن إسرائيل؛ المؤسسة السياسية (في إسرائيل) قريبة من المستوطنين.
شهادات تقشعر لها الأبدان و تتجمد الإنسانية من هول الإجرام الصهيوني ويقف الإنسان حائراً يتساءل عن صلابة و قوة و عزيمة الشعب الفلسطيني الصامد أمام هول كل هذا الكم من الدموية و من الجانب الآخر يقف حائراً أمام خيانة الحكومات العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني و التي بتوقيعها على هذا الاتفاق المخزي داست بكل وقاحة على دماء أطفال وشعب فلسطين بدون خجل!
و بالرجوع إلى فصول الكتاب كان كل فصل يشير إلى هدف من اهداف قوات الاحتلال وفيما يلي عرض موجز لكل فصل من فصول الكتاب:
1- “الكبح” أو “الإحباط”
تبين الشهادات التي تتناول عنصر “الكبح” أو “الإحباط”، والتي يتألف منها الفصل الأول من الكتاب، أن كل عملية عسكرية هجومية يقوم الجيش الإسرائيلي بها في المناطق المحتلة تندرج في إطار هذا الهدف. ويقف وراء عنصر “الإحباط” مفهوم عام مؤداه أن ردع السكان الفلسطينيين بواسطة ترهيبهم وترويعهم يخفض احتمال معارضتهم لممارسات قوات الجيش. وتبعًا لهذا المفهوم فإن كل فلسطيني أو كل فلسطينية في المناطق المحتلة يعتبر شخصًا مشتبهًا به، ويشكل خطرًا على قوات الجيش وعلى السكان المدنيين في إسرائيل، ولا بُدّ من ردعه دائمًا.
وتؤكد الشهادات في هذا الفصل أن أغلبية العمليات العسكرية التي تتم في نطاق “الكبح” أو “الإحباط” تهدف إلى العقاب والردع وتعزيز السيطرة على السكان الفلسطينيين. ووفقًا للشهادات فإن هذه العمليات تشمل: الاعتقالات؛ عمليات الاغتيال؛ هدم المنازل؛ هدم البنى التحتية؛ السيطرة على منازل آهلة لأهداف متعددة. ويمكن القول إن هذه العمليات كلها تهدف إلى تحقيق مبدأ “كي الوعي” لدى الفلسطينيين بأن مقاومة الاحتلال لا تجدي نفعًا. بكلمات أخرى فإن الشهادات تؤكد أن ممارسة أقصى درجات العنف ضد المدنيين دون تمييز، والعقوبات الجماعية، هما حجر الزاوية في استراتيجية الممارسات التي يقوم الجيش الإسرائيلي بها في المناطق المحتلة.
2- “الفصل” أو “الانفصال”
الفصل الثاني من الكتاب يتضمن شهادات جنود وجنديات في شأن عنصر الفصل أو الانفصال.
وفي الظاهر فإن مبدأ الفصل يؤكد أن الطريق الأفضل لحماية المدنيين اليهود سواء في إسرائيل أو في المناطق المحتلة كامنة في إقامة حاجز بينهم وبين السكان الفلسطينيين، غير أن الشهادات كلها تبين أن سياسة الفصل الإسرائيلية لا تشمل وضع حواجز بين السكان الإسرائيليين والفلسطينيين فحسب، وإنما تشمل أيضًا إقامة حواجز بين السكان الفلسطينيين أنفسهم. وهي تهدف في العمق إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين، ذلك بأنها تحصر حرية تنقل الفلسطينيين ضمن نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية، من جهة، ومن جهة أخرى فإنها ترسم حدودًا جديدة في المناطق المحتلة.
في الوقت نفسه فإن نظام التصاريح المرتبط بحرية تنقل الفلسطينيين في الضفة الغربية يهدف إلى تقييد حرية حركتهم والفصل بين شتى فئات الشعب الفلسطيني. وبناء على ذلك فإن سياسة الفصل الإسرائيلية تقوم على مبدأ “فرّق تسد”.
علاوة على ذلك فإن شهادات الجنود والجنديات في هذا الفصل تتحدث عن عزل الفلسطينيين عن أراضيهم. وتشكل المستوطنات الإسرائيلية والأراضي المحيطة بها “وسائل مثلى” لهذا العزل، حيث يُمنع الفلسطينيون من دخول هذه الأراضي على الرغم من أنها تشمل أراضيهم الزراعية التي يعتاشون منها.
3- الحفاظ على “نسيج الحياة” الفلسطينية أو اتباع مبدأ التناسب
تصف الشهادات في هذا الفصل كيف تقوم قوات الجيش الإسرائيلي وسلطات الاحتلال بالتأثير على “نسيج الحياة” الفلسطينية. وتؤكد كلمات التقديم له أن الناطقين الإسرائيليين الرسميين لا يكفون عن الادعاء بأن الاحتلال لا يحرم الفلسطينيين من حاجاتهم المعيشية الأساسية، ولا يتسبب بأي أزمة إنسانية، وإجمالاً فإنه يتيح إمكانية “حياة معقولة”، بل تشهد أيضًا في الآونة الأخيرة نموًا اقتصاديًا. وهذا الادعاء من شأنه أن يؤدي إلى استنتاج فحواه أن الحياة في ظل الاحتلال يمكن تحملها، وذلك لأن الاحتلال الإسرائيلي خلافًا لكل الاحتلالات هو “احتلال إنساني”. وبكلمات أخرى، فإن الاحتلال يشكل وسيلة دفاع مبرّرة نظرًا لكونه لا يلحق أضرارًا كبيرة بالسكان الواقعين تحت وطأته.
4- فرض القانون والنظام على المناطق المحتلة
الشهادات في هذا الفصل تشرح كيف أن الجيش الإسرائيلي يخدم مصالح المستوطنين على حساب السكان الفلسطينيين. وترد فيها معلومات موثّقة عن مهاجمة المستوطنين للفلسطينيين من دون أي تدخّل أو ملاحقة من الجيش، وفي بعض الأحيان عن تلقّي بعض الجنود أوامر من المستوطنين بشأن السياسات المتّبعة مع جيرانهم الفلسطينيين.
وهناك تشديد خاص على النظام المزدوج أو نظام الكيل بمكيالين السائد في المناطق المحتلة، فبينما تتم السيطرة على السكان الفلسطينيين بواسطة أوامر عسكرية، فإن الإسرائيليين في هذه المناطق- المستوطنين- يخضعون للقانون الإسرائيلي المدني. كما أن هؤلاء يخضعون للشرطة، في حين أن الفلسطينيين يخضعون لسلطة الجيش. وبكلمات أخرى فإن الفلسطينيين يخضعون لسلطة قانون لا يمثلهم ولا يعبر عن مصالحهم، ويتم فرضه تحت وطأة التهديد والتفوق العسكري لإسرائيل.
كما تشير الشهادات إلى المساهمة الكبيرة للمستوطنين في فرض السيطرة العسكرية على السكان الفلسطينيين من خلال مشاركة مندوبين عنهم يتولون وظائف رسمية، مثل المسؤولين عن الأمن في المستوطنات الذين يعتبرون موظفين في وزارة الدفاع، في المداولات الخاصة التي يتم فيها اتخاذ القرارات الحاسمة المتعلقة بسياسة إسرائيل في المناطق المحتلة.
وبناء على ذلك فإن الخلاصة المطلوبة هي أن عنف المستوطنين إزاء الفلسطينيين هو أداة أخرى من أدوات السيطرة الإسرائيلية على المناطق المحتلة. وفي معظم الحالات فإن القوات العسكرية الإسرائيلية تخدم مصالح المستوطنين.
في المحصلة تؤكد الشهادات في هذا الكتاب، وفق إجمال المحررين، أن ممارسات الجيش الإسرائيلي في المناطق المحتلة التي يجري إشهارها على أنها ممارسات دفاعية لا تمت بأي صلة إلى عنصر الدفاع، بل إنها تهدف بصورة منهجية إلى تدمير المجتمع الفلسطيني، وإلى إحباط أي إمكانية لتحقيق الاستقلال الفلسطيني. ولا يقل خطورة عن ذلك أن التفكير السائد لدى أوسع قطاعات الشعب الإسرائيلي هو أن السيطرة على المناطق المحتلة تهدف إلى الدفاع عن أمن مواطني إسرائيل لا أكثر، غير أن الشهادات التي أدلى بها مئات الجنود والجنديات في الجيش الإسرائيلي بناء على تجربتهم المعاشة في أثناء الخدمة العسكرية تفنّد هذا الهدف جملة وتفصيلاً، وتسلط مزيدًا من الضوء على ممارسات الاحتلال الوحشية التي تحوّل الذين يقومون بها إلى وحوش آدمية.
السجل الأسود للكيان الصهيوني لايتوقف عند هذا الكتاب إنما هناك الكثير من الأفلام الوثائقية التي وثقت و سردت جرائم قوات الاحتلال عبر التاريخ نستعرض بعضا منها:
وثائقي حديث المقاتلين
يتحدث فيه جنود شاركوا في حرب حزيران العام 1967، ويروون شهادات حول جرائم حرب اقترفوها بحق الفلسطينيين، وخصوصا في الضفة الغربية.
وقد روى هؤلاء الجنود شهاداتهم بعد الحرب بفترة وجيزة جدا، وصدرت بعد شهرين من الحرب في كتاب يحمل عنوان ‘حديث المقاتلين’. تحدث الجنود، وغالبيتهم من أبناء الكيبوتسات، في الكتاب عن استيائهم من الحرب ونتائجها، وقالوا إنها لم تحل مشاكل إسرائيل، والأهم من ذلك أنها ذكرت بعضهم بما واجهوه إبان المحرقة في الحرب العالمية الثانية. لكن الشهادات حول جرائم الحرب غابت عن الكتاب بفصل مقص الرقابة العسكرية الإسرائيلية.
رغم ذلك، يتضمن الفيلم الوثائقي الجديد، الذي يحمل العنوان نفسه، بعض الشهادات حول جرائم الحرب
وجاء في إحدى الشهادات: ‘جرى تكليفنا في العملية العسكرية بأن ننفذ ما يسمى إجلاء السكان. وهذا الانتقال الذي نفذناه، كأن تأخذ هذا العربي المتجذر في قريته وتحوله إلى لاجئ، وببساطة تطرده من هناك، وليس واحدا أو اثنين أو ثلاثة، إجلاء، كما يسمى هذا… وعندما ترى أن قرية بأكملها كهذه تسير كقطيع إلى المكان الذي تقودهم إليه، وليس لديك ظل مؤشر على شيء كالمقاومة، فإنك ترى ما معنى المحرقة’.
وقال جندي إسرائيلي في شهادة أخرى، إنه ‘في الغداة نقلنا آخر الأسرى وسمح المظليون بدفنهم، ففي الليل قتلنا قرابة 50 شخصا. وسمحوا لهم بدفن جميعهم وعندها اقترب ضابط وحصد باقي الأسرى، بهدوء، ومن دون مشاكل’.
وجاء في شهادة ثالثة: ‘التقينا هناك بقافلة كبيرة في الطرق الترابية في الداخل وفتشناهم ولم يكن هناك أي شيء وسمحنا لهم بالمرور. وفي هذه الأثناء واصلنا سفرنا وعدنا، وأوقف سيارة ستيشن بداخلها خمسة مقاتلين (إسرائيليين) ال… وقد عرفنا أن هذه هي القافلة نفسها من خلال الحمير والخيول. أوقفوا القافلة نفسها التي كنا قد أوقفناها قبل ساعة. وأبقوا جميع الرجال، وأرسلوا النساء والأولاد والحمير والقطيع قدما، وفيما رأوهم يذهبون مسافة 100 متر من هناك،يتجهون شرقا، أطلقوا النار على 15 رجلا. ببساطة أطلقوا النار. وعندما اقتربنا شاهدنا جنديين يمسكان (القتلى) من الأيدي والأرجل ويلقون بهم خلف جدار حجري. وهؤلاء الأشخاص الذي تواجدوا هناك انشغلوا بهذه المسألة مرة تلو الأخرى، كيف يمكن حدوث هذا؟ وتحدثوا مع نائي قائد اللواء وهو قال ببساطة: عندما يحطبون الأشجار تتطاير شظايا’.
وقال جندي إسرائيلي في شهادة رابعة، إنه ‘كانت هناك لحظة معينة عندما صعدت في شارع أريحا إلى أعلى وكان اللاجئون ينزلون إلى أسفل. وكان لدي تعاطفا مباشرا معهم وكدت أرى فعلا بهؤلاء الأولاد، الذين يحملهم ذووهم بأيديهم، نفسي عندما حملني والدي. في تلك اللحظات بالذات من الشعور بمعاناة الآخر، معاناة العرب الذي حاربنا ضدهم، ومرت عليهم عمليا تجارب مشابهة لتلك التي مرّت علينا في سنوات الحرب (العالمية الثانية)’.
اعترافات مجزرة الطنطورة
كانت أطروحة الماجستير التي قدمها الطالب في جامعة حيفا، ثيودور كاتس، في العام 1989، حول المجزرة التي ارتكبها لواء ألكسندروني بحق أسرى فلسطينيين من سكان قرية الطنطورة في النكبة، جنوبي حيفا، قد أثارت ضجة كبيرة في الكيان الإسرائيلي، وسعى مؤرخون وسياسيون إلى نفي وقوع هذه المجزرة. وقد اعتمد المخرج الاسرائيلي ألون شفارتس على الأطروحة في صنع فيلمه الوثائقي ” طنطورة”
واستعرض الفيلم الوثائقي عملا نفذه خبراء، قارنوا بين صور التقطت من الجو للقرية قبل وبعد احتلالها. وبالإمكان من خلال مقارنة الصور وتصوير ثلاثي الأبعاد، نُفذ بمساعدة أدوات متطورة، تحديد الموقع الدقيق لقبر جماعي وكذلك حجمه. ويبلغ طوله 35 مترا وعرضه أربعة أمتار. وقال كاتس إنه “سعوا إلى إخفاء ذلك، بشكل يسمح بسير الأجيال القادمة هناك من دون أن يعلموا على ماذا يدوسون”.
ويعترف ديامانت وهو احد الجنود المشاركون في المجزرة بأنه جرى قتل سكان القرية بإطلاق النار عليهم في نهاية المعركة بواسطة مدفع رشاش، من جانب “وحوش بشرية”.
وتحدث ميخا فيتكين، وهو جندي في اللواء، عن ضابط “أصبح مسؤولا كبيرا في وزارة الأمن، وقتل عربيا تلو الآخر”. وأضاف أن الضابط “كان مختلا عقليا نوعا ما، وهذا كان عارضا لاختلاله!!”
فيما وصف جندي آخر جرائم جنود الاحتلال قائلاً ” “ليس لطيفا قول ذلك. لقد أدخلوهم إلى برميل وأطلقوا النار عليهم في البرميل. وأذكر الدماء داخل البرميل”. وقال جندي آخر إن “الجنود لم يتصرف كبشر في القرية”.و كان الأرشيف الإسرائيلي قد قام بتصوير فيلم بعد المجزرة والنكبة، كأن الطنطورة فارغة، قبل احتلال العصابات اليهودية لها سعياً للتستر على المجزرة المروعة التي اقترفها جنوده في القرية.
في الختام، مع كل هذا التوثيق و كل هذه الحقائق المسرودة من قبل جنود الاحتلال بأنفسهم ليت الحكومات العربية المطبعة تقرأ قليلاً في التاريخ، هل سيأتي يوم ويشعرون بالندم و الخزي من خيانتهم لدماء أطفال فلسطين كما شعر جنود الاحتلال بذلك
المصدر/ الوقت