نظرة على دوافع تطبيع العلاقات بين تركيا والکيان الصهيوني
أعلنت تركيا والکيان الصهيوني، بعد 4 سنوات على تقليص العلاقات الدبلوماسية بينهما بسبب الاشتباكات الإسرائيلية مع المتظاهرين الفلسطينيين في قطاع غزة في مايو 2018، إعادة فتح سفارتيهما وإرسال سفيريهما إلى أنقرة وتل أبيب.
بعد ساعات من نشر هذا النبأ يوم الأربعاء، 17 أغسطس، أفادت مصادر إخبارية بإجراء محادثة هاتفية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وموافقة الطرفين على إرسال سفيريهما إلى أنقرة وتل أبيب.
تدهورت العلاقات بين تركيا والکيان الإسرائيلي منذ هجوم الجيش الصهيوني على سفينة “مافي مرمرة”، وقتل 9 مواطنين أتراك في عام 2010.
غير أن سلسلة اللقاءات الدبلوماسية بين كبار المسؤولين في تركيا والکيان الصهيوني، بما في ذلك زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى أنقرة في آذار/مارس، وزيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مايو إلى القدس، والتي كانت أول زيارة لوزير خارجية تركي إلى الأراضي المحتلة في السنوات الخمس عشرة الماضية ولقاء نظيره الإسرائيلي، وفي المقابل زيارة يائير لابيد، وزير خارجية الکيان آنذاك، إلى تركيا في حزيران من هذا العام، دليل على أن أنقرة وتل أبيب تتجهان بسرعة كبيرة نحو تطبيع العلاقات بينهما.
في غضون ذلك، تشير التكهنات إلى أن تركيا تخطط لاختيار “أوفوك أولوتاش” كسفير جديد لها في الأراضي المحتلة. كان أولوتاش البالغ من العمر 42 عامًا، والذي أكمل دراسته في الجامعة العبرية في القدس، مسؤولاً سابقًا عن إدارة مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لوزارة الخارجية التركية.
وسبق أن أعرب الکيان الإسرائيلي عن معارضته لتعيين أولوتاش سفيراً جديداً لأنقرة في تل أبيب، بسبب بعض مواقفه المعادية للصهيونية. وحتى بعض وسائل الإعلام العبرية زعمت أن يائير لابيد، رئيس الوزراء الحالي للکيان الصهيوني، خلال فترة توليه منصب وزير خارجية هذا الکيان، عارض صراحةً تعيين أولوتاش سفيراً لتركيا في الأراضي المحتلة.
ومع ذلك، يبدو أنه بعد اجتماع يائير لابيد ومولود جاويش أوغلو في أنطاليا في مايو، تراجعت معارضة لابيد. على الجانب الآخر، تتواصل الإشاعات حول اسم السفير الإسرائيلي الجديد في تركيا.
دوافع تطبيع العلاقات بين تركيا والکيان الصهيوني؛ لماذا وكيف؟
في الأسابيع الأخيرة، وإثر التعاون القوي بين أجهزة المخابرات التركية والإسرائيلية في شكل موجات إعلامية ضد إيران، والادعاء بأن إيران تحاول اغتيال بعض الصهاينة في تركيا، إلى جانب تطورات السنوات الأخيرة، مثل مواءمة مواقف أنقرة وتل أبيب من قضية ناغورنو كاراباخ، في شكل دعم علني لأذربيجان خلال المعركة مع أرمينيا في أواخر عام 2020، وأخيرًا تشارك تركيا والنظام الصهيوني الرأي في دعم حكومة زيلينسكي خلال أزمة أوكرانيا وضد روسيا، ما دفع البعض إلى الادعاء بأن رئيس الوزراء الصهيوني مستعد لاستقبال سفير تركيا الجديد في الأراضي المحتلة، مع مراجعة محتملة لمواقفه السابقة.
إضافةً إلى ذلك، أفادت بعض المصادر الإعلامية بتحركات الجهاز الدبلوماسي للکيان الصهيوني، من أجل تسهيل عملية تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة.
جدير بالذكر أن تركيا أصبحت خلال الأشهر الماضية أكبر مستورد للغاز من مصر، ومن وجهة نظر الكثيرين، يشير ذلك إلى تراجع تصعيد العلاقات بين مصر وتركيا بوساطة الکيان الإسرائيلي، وكذلك رغبة أردوغان في تحويل تركيا إلى مركز لسوق الغاز الدولي من الشرق الأوسط إلى أوروبا.
وقد دفعت تطورات مثل عدم دعم إدارة بايدن لخط أنابيب الغاز بين الکيان الإسرائيلي وقبرص واليونان وأوروبا، البعض إلى التفكير في إمكانية بناء خط أنابيب غاز بين الکيان الإسرائيلي وتركيا وربطه بخط أنابيب الغاز المصري، بهدف تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي.
تمتلك “إسرائيل” بشكل طبيعي ما بين 2 إلى 3 تريليونات متر مكعب من الغاز، ومع بيع 10 مليارات متر مكعب سنويًا، ستكون قادرةً على تحقيق دخل سنوي قدره 8 مليارات دولار. ومن الواضح أنه إذا تم تنفيذ الخطة الحالية، ستستفيد تركيا بلا شك من الفوائد الاقتصادية لتنفيذ خط الأنابيب هذا.
من ناحية أخرى، اعتبر بعض الخبراء خروج كبار مسؤولي حماس من تركيا، بمثابة ضوء أخضر آخر من أنقرة لتجديد العلاقات مع الکيان الصهيوني.
وفي وقت سابق، قيل إن الکيان الإسرائيلي، وبعد إظهار حساسيته بشأن التعاون القائم بين تركيا وحماس، طلب من أردوغان إعادة النظر في مدى تعاونه مع حركة المقاومة الفلسطينية هذه.
حتى أن بعض المصادر الإعلامية للکيان الصهيوني، زعمت أن أنقرة حذرت مسؤولي حماس من تجنب أي عمل عسكري ضد مصالح الکيان الصهيوني من الأراضي التركية.
وتأتي هذه التطورات فيما أعلنت بعض المصادر الإعلامية في الأراضي المحتلة، عن اقتراح تركيا إعادة بناء مطار غزة. وفقًا لخطة تركيا المقترحة، إضافة إلى أنقرة، أعلنت بعض الدول الأخرى أيضًا عن استعدادها لتسريع عملية إعادة بناء البنية التحتية الحيوية في قطاع غزة، من خلال التبرع بمساعدتها المالية.
وتعتبر هذه الإشاعات، إلى جانب رغبة تركيا في تسهيل سفر الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية إلى هذا البلد عبر مطار رامون، جانبًا آخر من جوانب التعاون الجديد بين تركيا والکيان الصهيوني.
وكانت “إسرائيل” قد أعلنت في وقت سابق، أنها ستقدم الاستعدادات اللازمة لأول رحلة لشركة طيران بيجاسوس التركية من مطار رامون في أغسطس من هذا العام.
كذلك، بقبولها الاعتبارات الأمنية للکيان الصهيوني، وافقت تركيا على إحياء عملية تحليق الخطوط الجوية الإسرائيلية إلى الأراضي التركية بعد 15 عامًا، مع وجود قوات الأمن الإسرائيلية في المطارات التركية.
کما وصل حرص السلطات التركية على تعزيز العلاقات مع الكيان الصهيوني، إلى درجة أن أحد المصادر رفيعة المستوى في وزارة الخارجية الإسرائيلية، تحدث عن مشاورات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الشيخ تميم أمير قطر، بهدف تشجيع الدوحة على بدء عملية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
وأضاف هذا المصدر: خلال لقاءاته الأخيرة مع أمير قطر، ادعى أردوغان أن تسريع عملية تطبيع العلاقات السياسية بين الدوحة وتل أبيب، سيحسن عملية مساعدة الفلسطينيين وإعادة إعمار غزة.
في الوقت نفسه، تأمل تركيا أن تتمكن في ظل تعاونها الأمني والاستخباراتي مع الکيان الصهيوني، من التدخل بقوة أكبر في الملف السوري وتغيير مسار التطورات لمصلحتها.
وفي مشهد التطورات الداخلية، يأمل أردوغان في استقبال المزيد من السياح الصهاينة في ظل تحسين العلاقات مع الکيان الصهيوني، لعله بهذه الطريقة، ومن خلال كبح جماح التضخم الذي وصل إلی 70٪ في الأشهر الأخيرة، قد يقلل الضغط الاقتصادي على الشعب التركي، وخاصةً في الأشهر التي تسبق الانتخابات في هذا البلد. يذكر أن تركيا تستضيف ما لا يقل عن 5 ملايين سائح يهودي كل عام.
في عام 2021 تجاوز حجم التبادل التجاري بين تركيا والکيان الصهيوني 8 مليارات دولار. في غضون ذلك، وبعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة عام 1997، أكدت أنقرة وتل أبيب على توسيع التعاون الاقتصادي، الأمر الذي انعكس على استمرار التعاون الاقتصادي حتى في السنوات التي انقطعت فيها العلاقات السياسية بين الجانبين.
إن تزامن إجراء الانتخابات في العام المقبل في تركيا مع الذكرى المئوية لتأسيس تركيا الجديدة، قد دفع الجهاز الدبلوماسي التركي إلى التحرك بشكل أكثر فاعليةً، في اتجاه وقف تصعيد العلاقات مع الجيران والفاعلين الإقليميين المهمين.
في المقابل، تعتقد حكومة لابيد أيضًا أن تطبيع العلاقات مع دولة إسلامية، يمكن أن يكون إنجازًا هائلاً لهذا الکيان في الأسابيع التي تسبق الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية.
إضافة إلى ذلك، يقرّ لابيد والفصيل المعارض لنتنياهو بأن نجاح الحكومة الحالية في توسيع العلاقات مع الدول الإسلامية والعربية، يمكن أن يقلل من فرص نتنياهو في النجاح في انتخابات الكنيست الإسرائيلي المقبلة.
ومع ذلك، فإن النقطة الأساسية التي جذبت انتباه الجميع هي: لماذا قامت الحكومة التركية بتطبيع علاقاتها مع الکيان الإسرائيلي، بعد وقت قصير من اجتياح الجيش الإسرائيلي قطاع غزة وقتل النساء والأطفال الفلسطينيين؟
ويأتي الغموض بشأن الإجابة على هذا السؤال، في حين صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ردًا على منتقدي هذا القرار، بأن تركيا تتخذ دائمًا خطوات لدعم حقوق الشعب الفلسطيني.
بشكل عام، من خلال استعراض التطورات الأخيرة في العلاقات السياسية بين تركيا والکيان الصهيوني، يمكن ملاحظة أن أنقرة وتل أبيب تتخذان خطوات لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري.
في غضون ذلك، يبدو أن مجموعةً من المكونات المؤثرة في مجال السياسة الداخلية والإقليمية والدولية لتركيا والکيان الإسرائيلي، دفعت أردوغان ولابيد إلى إقامة تعاون شامل بين أنقرة وتل أبيب.
المصدر/ الوقت